دُونَ تعَمُّقٍ؛
يعتبر تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية من أكبر العقبات التي تهدد إرساء قيَّم العدالة، و النفاذ الى الحقوق، ويرجع ذلك بالأساس الى عدة اسباب من أبرزها: إشكالات التنفيذ المتشعبة، التي تشكل عرقلة التنفيذ بالحيلولة بين حصول المحكوم له على حقه فور صدور الحكم؛ لذا تأخذ الدولة الوطنية التزاما بالمقتضى الدولي الوارد في المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية القاضي بسنِّ القوانين التي تكفل قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لصالح المتظلمين من انتهاك حقوقهم و حرياتهم. و هذه المهمة العظيمة يضطلع بها العدل المنفذ الذي يضفي على الحقوق طابع الحركية، و يضمن صيرورة الاجراءات القضائية؛ لتعرف الاحكام الصادرة عن القضاء طريقها للتنفيذ.
و لأهمية هذه المؤسسة القضائية حرصت التشريعات المغاربية محل الدراسة الى تطوير هذه المؤسسة التي تعنى بالسهر على تنفيذ الاحكام القضائية وستحاول هذه العجالة ان ترصد نقاط الالتقاء والافتراق بين هذه التشريعات المغاربية من خلال بسط ذلك في المعالجات التالية:
أولا: القوانين المنظمة لمؤسسة التنفيذ القضائي.
تختلف التشريعات المغاربية في الإطلاقات الدَّالة على مدلول واحد وهو امتهان التنفيذ القضائي، بين من يعتمد اطلاق المحضر القضائي كالمشرع الجزائري، أو المفوض القضائي ، او يطلق عليه العدل المنفذ كما هو الحال في موريتانيا و تونس، و السبب في ذلك لا يعدو ترجمة huissier de justice التي تترجم بمحضر او عون او مباشر و تعني في المجمل المأمور الرسمي او العمومي الذي توكل اليه مهمة الابلاغ القضائي او غير القضائي، والتنفيذ الاجباري للأعمال الرسمية و الاحكام و السندات الرسمية.
1. موريتانيا؛
لم يفرد المشرع الموريتاني لمهنة العدل المنفذ قانونا خاصا قبل صياغة الأمر القانوني رقم:164\83 بتاريخ:09 يوليو 1983 المتضمن مدونة الإجراءات المدنية والتجارية و الإدارية، الذي نص في المادة:318 مكررة على اسناد مهمة التنفيذ الى المحضر القضائي وقد بقيت مقتضياتها سارية قبل نشر النظام الاساسي للمحضرين القضائيين بموجب القانون رقم:008\95 بتاريخ:30 يناير 1995 ، يعدل المادة:318 من الأمر القانون رقم:164\83 بتاريخ:09 يوليو 1983 المتضمن مدونة الإجراءات المدنية والتجارية و الادارية، والذي ينص في مادته الثانية على انه وبصفة انتقالية ولمدة تنتهي عند نشر المرسوم المتضمن النظام الاساسي للمحضرين فان مقتضيات الفقرة الثانية القديمة من المادة 318 مكررة من الامر القانوني رقم 164-83 بتاريخ 9 يوليو 1983 المتضمن قانون المرافعات المدنية والتجارية و الادارية تبقى سارية. وبعد سنتين من صدور هذا الامر القانوني تم اصدار النظام الاساسي للعدول المنفذين [48 مادة] بموجب القانون الساري المفعول رقم:018/97 بتاريخ:15 يوليو 1997 يتضمن النظام الأساسي للعدول المنفذين والذي استبدل الاطلاق ونقله من المحضر القضائي الى العدل المنفذ بموجب المادة 46 من هذا القانون .
2. تونس؛
تعد الجمهورية التونسية اول دولة عربية تنظم مهنة العدول المنفذين في شكل مهنة حرة بموجب الامر العلي المؤرخ في 24 جوان 1957 من خلال اسناد اعمال التبليغ و التنفيذ في المادة المدنية الى سلك خاص يمارس مهنة حرة، وقد استمر العمل بهذا الامر العليِّ الى غاية صدور القانون عدد 29 لسنة 1995 المؤرخ بـ: 13 مارس 1995 المتعلق بتنظيم مهنة العدول المنفذين الذي اعاد تنظيم مهنة العدول وفصل مهنة التنفيذ عن الإشهاد، ولان هذا العمل التشريعي لم يستجب لدوافع الاصلاح الهادفة الى تطوير مهنة العدل المنفذ فقد تم تعديل هذا القانون بموجب قانون اساسي عدد 9 لسنة 2018 المؤرخ 30 جانفي 2018 المتعلق بتنظيم مهنة العدول المنفذين [84 مادة] وهو العمل التشريعي الساري حاليا .
3. المغرب؛
استحدث المشرع المغربي سنة 1980 مؤسسة الأعوان القضائيين التي تم استحداثها بموجب القانون رقم 41.80 الذي ظل مقيد التطبيق في بعض الاماكن القليلة من اراضي المملكة ولم يبدأ تطبيقه الا في تسعينيات القرن المنصرم، ومع بداية سنة 2006 جاء المشرع المغربي بالقانون رقم 03.81 [59 مادة] ، الذي نسخ العمل بمؤسسة الأعوان القضائيين و شكل نقلة نوعية حيث أتى بمؤسسة جديدة تختلف عن سابقتها، أطلق عليها مؤسسة المفوضين القضائيين بما تحمله كلمة التفويض من دلالات قانونية تجد سندها في الاختصاصات الجديدة التي خصها بها هذا المشرع.
4. الجزائر؛
نظم المشرع الجزائري مهنة التنفيذ أول الامر من خلال القانون رقم 03-91 المؤرخ 08 يناير 1991 المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي وقد تميّز هذا القانون بتحرير المهنة في ظل اعتماد مبدأ انتخاب هيئاتها من المهنيين و ضبط قواعد ممارسة المهنة من طرف هيئاتها و ممارسة سلطة التأديب على أعضائها بالإضافة إلى سلطات أخرى ، وقد بقي ساريا الى أن تم الغاؤه بموجب القانون 03-06 بتاريخ 20 فبراير 2006 [68 مادة] المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي وهو الساري حاليا .
5. ليبيا
لم يتسنى لنا الوقوف على المعالجة التشريعية الليبية لمؤسسة التنفيذ القضائي.
ثانيا: نقاط الالتقاء و الافتراق بين هذه القوانين؛
يمكن رصد جملة من النقاط التي تشكل التقاء بين هذه القوانين من خلال بسط المقتضيات التنظيمية الواردة في هذه الاعمال التشريعية و التي تمكننا من الوقوف على نقاط الالتقاء والافتراق بين القوانين المغاربية التي بين ايدينا، وسنرصدها من خلال جدول يبين معالجة كل تشريع للنقطة المثارة وذلك على النحو التالي:
ملاحظة: نظرا لوضع الدراسة في جدول لا يمكن نشره على صيغة الوورد فاننا فضلنا نشر مقدمتها وارسالها اليكم على البريد الالكتروني التالي:[email protected]
نائب المدعي العام بمحكمة الاستئناف بنواكشوط؛