في البداية يجب التنبيه إلى أنّ هناك قاعدتين مركزيتين يقاس الحد الأدنى لاستقلال القضاء وإمكانية جودة أدائه في أيّ بلد انطلاقا من احترامهما هما قاعدتا عدم إمكانية تحويل القاضي وعزله بالإضافة إلى قاعدة قداسة المسار المهني له هذا حسب المعتمد في رأي لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المتضمن في مجمل تعاليقها وتوصياتها الهادفة إلى التطبيق الحسن للعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية خاصة المادة:14 منه وعلى الخصوص التعليق رقم:32 الذي جاء فيه أنّه على الدول المصادقة على العهد أن تنص في دساتيرها أو قوانينها الأخرى بوضوح على ( ... الإجراءات والمعايير الموضوعية لتعيين أعضاء الهيئة القضائية ومكافآتهم واستقرارهم الوظيفي وترقياتهم ووقفهم عن العمل وفصلهم وتحدد العقوبات التأديبية التي تتخذ ضدّهم كما لا يتسق مع مبدإ استقلال الهيئة القضائية أيّ وضع لا يميز فيه بوضوح بين وظائف واختصاصات السلطتين القضائية والتنفيذية أو تتمكن فيه السلطة التنفيذية من السيطرة على السلطة القضائية أو توجيهها .... بما في ذلك مدّة ولايتهم واستقلالهم وأمنهم وكفاية أجورهم وشروط خدمتهم ومعاشاتهم وسنّ تقاعدهم ...) وانطلاقا من كلّ ذلك وما جاء في المادة:26 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب التي جاء فيها أنّه على الدول الأطراف في هذا الميثاق ضمان استقلال المحاكم وإتاحة إنشاء وتحسين المؤسسات الوطنية المختصة التي يعهد إليها بالنهوض وبحماية الحقوق والحريات التي يكفلها هذا الميثاق وبعض الموروث من الفقه الإسلامي من قواعد تتعلق بالموضوع وتمشيا مع كلّ ما سبق وتطبيقا له نصّ المشرع الوطني في المادة:89 من الدستور الوطني الدائم على أنّ القضاء مستقل ويضمن رئيس الجمهورية استقلاله كما نصت المادة: 90 منه على أنّ القاضي لا يخضع في ممارسته لوظيفته إلا للقانون وهو محمي من أيّ شيء يمكن أن يشكل وسيلة ضغط عليه كما نصت المادة:91 من ذات الدستور على أنّ القضاء هو حارس الحريات الفردية وهذه المهمة تتطلب بطبيعتها استقلاله بينما نصت مواد عديدة من النظام الأساسي للقضاء ( سنرمز له لاحقا بالرمز ق ن أ ق ) المتضمن في قانون نظامي على القواعد العملية لحماية هذا الاستقلال ومن هذه المواد ما يتعلق بمنع التحويل والعزل (α) ومنها ما يتعلق بحماية المسار المهني للقاضي (β)
α-القواعد القانونية المتعلقة بمنع تحويل وعزل القاضي في التشريع الوطني
لا تميز النصوص القانونية عادة بين عزل القاضي وتحويله في إطار الحديث عنهما وإنّما تنص على منعهما في آن واحد وبشكل مجمل كما هو شأن المادة:8 من ق ن أ ق التي جاء فيها أنّه لا يجوز عزل قضاة الحكم ولا يحولون إلا بطلب منهم أو بعقوبة تأديبية أو ضرورة قاهرة للعمل وبعد رأي مطابق للمجلس الأعلى للقضاء وهذا ما ناب حديث المعاجم القانونية عن الموضوع (انظر Raymond Guillien - Jean Vincent et d’autres Lexique des termes juridiques p 451) وذلك ربما يكون بسبب تداخل المصطلحين وتشابه أثرهما غير أنّه يمكن التمييز بين هذين المصطلحين من الناحية النظرية ذلك أنّ العزل يكون عادة عن قضية أو قضايا معينة ويسمح به القانون في حالات معينة مثل حالة الرد والمخاصمة ... عند قبولهما ويقرّر العزل عادة القضاء نزولا عند رغبة أحد أطراف القضية أو هما معا أو القاضي وعند رفض طلب العزل يمكن تقديمه مرة أخرى إذا ما استجدت مبرّراته ممّا يعني أنّ لهذه الإجراءات طبيعة قضائية في بعض الأحيان الخاصة على الأقلّ كما أنّه لا يتعلق إلا بقضية أو قضايا محدودة هي التي يتعلق بها الطلب أمّا التحويل فيقع بمرسوم صادر عن المجلس الأعلى للقضاء في فرنسا ومعظم الدول المتأثرة بتشريعها ويجوز الطعن فيه بالطرق التي يطعن بها في القرارات الإدارية في غير بلدنا من هذه الدول ممّا يعني أنّ له طبيعة إدارية في بعض النواحي على الأقلّ كما أنّ أثره يؤدي إلى الحيلولة دون نظر القاضي في جميع القضايا المعروضة والتي ستعرض على المحكمة التي تمّ تحويله منها وسنتناول موضوع العزل في نقطة أولى (ا) بينما نتعرض لموضوع التحويل في نقطة ثانية (ب)
ا- قاعدة منع عزل القاضي: يعني عزل القاضي منعه من النظر أو البت في قضية معينة كان من المفترض قانونا بتّه فيها لذا فإن العزل لا يجوز مطلقا حسب صدر المادة:8 من ق ن أ ق بينما أجازته قوانين الإجراءات المدنية والجنائية نتيجة لأسباب موضوعية وتكون خطيرة في بعض الأحيان خاصة إذا لم يطلبه أحد الأطراف المدنية أو القاضي نفسه وذلك لما يمكن أن ينطوي عليه هذا الإجراء من حيلولة بين الشخص المتقاضي وقاضيه الطبيعي ونجد لأسباب عزل القاضي أو المحكمة أمثلة في معظم التشريعات الإجرائية في العالم ذلك أنّه يجوز فيها كما هو الحال عندنا لأسباب تستهدف أساسا:
- حماية المتقاضين أو أحدهم
- حماية مصداقية العدالة
- حماية النظام والأمن العامين
- العمل على حسن الإدارة القضائية
وعند ما يستهدف أغراضا أخرى يكون غير مشروع كما أنّ القضاء هو الذي يقرّره بعد تقديم طلب يستهدفه من ذوي المصلحة وذلك مثل الإحالة من محكمة إلى محكمة أخرى ابتغاء الإدارة الحسنة للقضاء ونشير إلى أنّ المادة:8 أعلى درجة من قانون الإجراءات المدنية ... وقانون الإجراءات الجنائية
ب- قاعدة منع التحويل: لأنّ من أهمّ متطلبات استقلال القاضي حمايته من أيّ شيء يمكن أن يشكل ضغطا عليه ولأنّ تحويل القاضي أمر جسيم الأثر في هذه الأيام ذلك أنّه كثيرا ما يكون للقاضي ارتباطات متعدّدة في المكان الذي يعمل فيه تتعلق بدراسة أبنائه مثلا وسكنه الذي يكون عادة منزلا مملوكا له كما أنّ هذا التحويل يمكن أن يكون أشد أثرا إذا كان من مكان حضري كبير تتوفر فيه بعض متطلبات الحياة مثل أنواكشوط و أنواذيبو إلى مقاطعات نائية لا يتوفر فيها التعليم ولا الصحة مثل باسكن وولاته... أوجفت وأضرب مثالا بأثر التحويل علي أحد القضاة:
-انقطعت زوجته عن الدراسة بجامعة أنواكشوط
- حول ابن أخته الذي يسكن معه نتيجة لعدم وجود أساتذة للمواد العلمية في المنطقة التي تمّ تحويلها إليها
-أجّر منزلا في المكان الذي حول إليه بينما أجرّ حارسا لمنزله بأنواكشوط
-انقطع عن مواصلة الدراسة في السنة الرابعة من إحدى المدارس التي دفعته ممارسة المهنة إلى ضرورة دراسة التخصص الذي تدرّس
هذا بالإضافة إلى أنّ أثره يمكن أن يكون خطيرا على المتقاضي فهو يمكن أن يتضمن عزلا مبطنا لقاضيه الطبيعي عن قضيته ليبت فيها قاض آخر معروف بالتشدد في القضايا المشابهة لقضيته خاصة في بلد تفتقد بعض قواعد منظومته القانونية الدقة في تحديد الأفعال التي تجرم وتمكن أن تكون المادة:306 من القانون الجنائي الوطني خير مثال على ذلك لذلك وغيره فإن النظام الأساسي للقضاء حدّد بوضوح وعلى سبيل الحصر الظروف التي يمكن أن تدفع إلى تحويل القضاة ومن له هذا التحويل
*الظروف التي يمكن أن تبرّر تحويل القضاة: يجب التنبيه بداية إلى أنّ تحويل القضاة أمر على درجة عالية من الخطورة وهذا ما يتضح من المادة:8 من ق ن أ ق ومكان تناول المشرع له ذلك أنّه تعرض له في إطار حديثه عن العقوبات التأديبية أي في المواد:34-35-36 من ق ن أ ق وهكذا وبعد أن نص المشرع في المادة:8 آنفة الذكرعلى مبدإ عام مفاده أنّه لا يجوز عزل قضاة الحكم ولا يحولون إلا بطلب منهم أو بعقوبة تأديبية أو بسبب ضرورة قاهرة للعمل وبعد رأي مطابق للمجلس الأعلى للقضاء تناول التحويل بشكل أكثر تفصيلا حيث قسمه إلى:
•تحويل نتيجة لقوة قاهرة
•تحويل بعد التخرج من مدرسة التكوين
•تحويل بسبب عقوبة تأديبية وهذا ما سيتم تفصيله لاحقا إنشاء الله كما أنّ المشرع قسم القضاة إلى:
- قضاة متخرجين من المدرسة التي تمّ تكوينهم فيها: وهؤلاء يتم تعيينهم بمرسوم بناء على اقتراح من وزير العد وبعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء تطبيقا للمادة:22 من ق ن أ ق
- قضاة النيابة: هؤلاء يتمّ تعيينهم بمقرّر صادر عن وزير العدل حسب نصّ المادة:4 من ق ن أ ق التي جاء فيها أنّ قضاة النيابة يعينون بمذكرة صادرة عن وزير العدل
- قضاة الحكم: وهؤلاء لا يمكن تحويلهم إلا في حالات نصّ عليها المشرع حصرا هي:
1- تلبية لطلبهم وذلك في حالة طلب تحويل لمكان شاغر لأيّ سبب
2- نتيجة لقوة قاهرة تتطلبها ضرورة العمل:والقوة القاهرة هنا تعني حصرا إنشاء محكمة جديدة أو بقاء أخرى شاغرة نتيجة لتقاعد القاضي الذي كان يعمل فيها أو وفاته أو صيرورة رتبته على درجة من العلو لا تتناسب مع العمل في المحكمة التي يعمل فيها وأن يطلب القاضي الأعلى رتبة التحويل عن المحكمة ويقترح تحويل القاضي إلى هذه المحكمة من طرف رئيس المحكمة العليا إذا كان القاضي الذي سيحول جالسا
3- بسبب عقوبة تأديبية حسب المادة:8 سالفة الذكر وتأديب القضاة من الاختصاصات التي منح المشرع حصرا للمجلس الأعلى للقضاء بالمادة:37 من ق ن أ ق بينما نصت المادة:48 منه على التشكيلة التأديبية له وليس لوزير العدل أيّ اختصاص فيما يتعلق بتأديب القضاة خاصة الجالسين فاختصاصه في هذا الموضوع ينحصر في:
- أنّ له أن يبلغ الوقائع التي يمكن أن تسبب متابعة تأديبية للقاضي للمجلس الأعلى للقضاء حسب نص المادة:38 من ق ن أ ق
-أنّه عندما تسند إلى أحد قضاة الحكم وقائع خطيرة يمكن التعرف عليها بسهولة فإنّ له أي وزير العدل في حالة الاستعجال وبعد أخذ رأي مطابق من رئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى نفس المحكمة أن يحظر عليه ممارسة وظائفه حتى يؤخذ قرار نهائي بشأن المتابعة التأديبية وذلك لمدة لا تتجاوز 6 أشهر حسب ما جاء في المادة:36 من ق ن أ ق
- أنّ لوزير العدل انطلاقا من المادة السابقة والحالة المنصوصة فيها أن يجعل الحظر يشمل منع القاضي من أخذ مرتبه باستثناء التعويضات العائلية
ويعزّز هذا المذهب كون وزير العدل ليس له توجيه إنذار إلى القضاة بصفة عامة خاصة الجالسين حسب نص المادة:33 من ق ن أ ق التي جاء فيها: ( خارجا عن كلّ عمل تأديبي يتمتع رئيس المحكمة العليا والمدعي العام بسلطة توجيه إنذار إلى القضاة التابعين لهم ) وهذه القاعدة نتيجة طبيعية لمبدإ فصل السلطات والعمل على تكريس مبادئ دولة القانون وقيم الجمهورية
•من له تحويل القضاة:إذا كان التحويل التلقائي بالنسبة لقضاة الحكم عقوبة تأديبية وكان المجلس الأعلى للقضاء هو وحده السلطة التي لها تأديب القضاة حسب نصّ المواد:35-36-37 من ق ن أ ق فإنّه يتضح من خلال ذلك أنّه ليس لوزير العدل أيّ اختصاص فيما يتعلق بتحويل قضاة الحكم أو اقتراح تحويلهم وذلك لسببين هما:
-أنّ المشرع جعل استثناء لوزير العدل اقتراح تحويل القضاة المتخرجين للتو من مدارس تكوينهم تطبيقا للمادة:22 من ق ن أ ق كما نصّ القانون ذاته في المادة:4 من ق ن أ ق منه على أنّ قضاة النيابة يعينون بمقرّر صادر عن وزير العدل بينما لم ينصّ على أن من اختصاص الوزير اقتراح تحويل أو تحويل قضاة الحكم بل جعل التحويل من اختصاص المجلس الأعلى للقضاء أمّا اقتراح التحويل فصمت عنه وإذا كان ذلك كذلك وانطلاقا من:
- أنّ الأصل هو عدم الاختصاص
-أنّ مبدأ فصل السلطات يتضمن في الأصل عدم جواز تضمن النصوص التشريعية لما من شأنه أن يسمح بتدخل السلطة التنفيذية في شئون السلطة القضائية فكيف بتدخلها العاري من أيّ نصّ يبرّره أضف إلى هذا ضرورة تفسير القانون بشكل يخدم أو يكرس مبدأ فصل السلطات ويعزّر قيم الجمهورية ودولة القانون التي يعتبر استقلال القضاء هو أهمّ الأركان التي تقوم عليها ولا جدال في أنّ هذه الأمور تمنع تدخل السلطة التنفيذية أيّ نوع من التدخل في كلّ ما يتعلق بسير السلطة القضائية خاصة في الأمور المصيرية بالنسبة لسير هذه السلطة واستقلالها لذا يكون اقتراح تحويل قضاة الحكم عند جوازه طبقا للظروف السابق بيانها من اختصاص رئيس المحكمة العليا أمّا تحويلهم فمن اختصاص المجلس الأعلى للقضاء تطبيقا لصدر المادة:4 سالفة الذكر وهذا ما ينسجم مع توصية لجنة الأمم المتحدة لحقوق الصادرة عنها بتاريخ: 22/07/ 2005 في دورتها رقم:84 بمناسبة تقديم تاجكستان لتقريرها لهذه اللجنة خاصة الفقرة المتعلقة بوجوب إسناد مهمة تعيين القضاة في المناصب لهيئات مستقلة (انظروا الرابط CCPR/CO/84 TJK) وفي نفس الاتجاه ذهبت هذه اللجنة في إطار توصية أخرى إلى أنّه يجب أن لا يكون لتعيين القضاة في مختلف المناصب القضائية علاقة بانتماءاتهم السياسية Emmanuel Decaux et d’autres pacte international relatif aux droits civils et politiques p 343 (ccpr/c/79/Add.74 ,1 Mai 1997) (وهذه التوصية لم أجدها إلا بالإنكليزية لذا أحلت إليها في الكتاب) لذلك كلّه يكون اقتراح التحويل للقوة القاهرة بالنسبة للقاضي الجالس المنصوص على جوازه في المادة: 8 سالفة الذكر من اختصاص رئيس المحكمة العليا كما يكون من اختصاصه أعني رئيس المحكمة العليا اقتراح المكان الذي يحول إليه القاضي في حالة التحويل التلقائي العقابي سواء كان عقوبة تأديبية أصلية تطبيقا للبند رقم:2 من المادة: 34 من ق ن أ ق أو تبعية تطبيقا للفقرة الثانية من المادة:35 من ذات القانون عند ما لا تذكر التشكيلة التأديبية هذا المكان الذي يجب أن يحول إليه القاضي محلّ العقوبة
β-حماية المسار المهني للقضاة: نتيجة لخطورة المسار المهني للقضاة من ناحية الترقي في مختلف الرتب وما يتعلق بها من قابلية التعيين في مختلف الوظائف القضائية (المادتين 5-51 من ق ن أ ق) وكذلك المزايا العينية المترتبة عليها كان تحصين المسار المهني للقاضي من إمكانية التدخل فيه محلّ اهتمام كبير من طرف المشرع لذلك نصّ مشرعنا الوطني على الطريقة التي تتمّ بها الترقية (ا) ومن له تقريرها (ب)
ا-الطريقة التي تتمّ بها الترقية من رتبة إلى رتبة: بداية يجب التنبيه إلى أنّ طرق الترقية في المجال القضائي تخضع لنظام يمتاز بالصعوبة والتعقيد ذلك أنّها خاضعة لسلم موزع إلى أربع رتب وهي الرتبة الرابعة وهي الأولى وتتضمن 50٪ من القضاة وتنقسم إلى أربعة درجات كلّ درجة منها تتألف من سنتين ممّا يعني أنّ القاضي يقضي فيها ثمان 8 سنوات على الأقلّ والرتبة الثانية وتتألف من ثلاث درجات كلّ درجة منها تتكون من سنتين ويقضي فيها القاضي ستّ 6 سنوات على الأقلّ وتتضمن هذه الرتبة: 25 ٪ من القضاة والرتبة الثانية ويكون فيها 15 ٪ من القضاة ويقضي فيها القاضي 6 سنوات هي الأخرى والرتبة الأولى وهي العليا وتتضمن 10٪ منهم فقط ولا يمكن لأيّ قاض التقدم من رتبة إلى رتبة أعلى منها إلا إذا تحقّقت شروط من أهمها:
-أن يكون جديرا بالتقدم انطلاقا من حصوله على أعلى نقاط تقييم مقارنة بجميع المترشحين للتقدم تطبيقا للفقرة الأولى من المادة:27 من ق ن أ ق
-أن يكون أنهى درجات رتبته تطبيقا للفقرة الثانية من المادة:27 سابقة الذكر
-أن يكون في الرتبة التي يريد التقدم لها مكان شاغر يتم ملؤه به هو
-أن يكون القاضي مؤكدا حسب نصّ ومفهوم ومنطوق المادة:28 من ق ن أ ق التي جاء فيها أنّ الاقتراحات التي يرسل رئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى هذه المحكمة التي تتعلق بهذا الموضوع تعنى بأمرين هما:
•الترقية بالنسبة للقضاة المؤكدين
• تأكيد القضاة المتربصين ممّا يعني أنّ هؤلاء لا يمكن اقتراحهم في الترقية العادية فكيف بالاستثنائية
- أن يكون القاضي المرقى مدرجا على جدول التقدمات الذي يقترح محتواه كلّ من رئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى هذه المحكمة كلّ فيما يعنيه تطبيقا للمادة:28 من ق ن أ ق ثمّ بعد ذلك يقرّر وزير العدل جدول التقدمات المقترح من طرفهما أي رئيس المحكمة العليا والمدعي العام ثمّ يبلغه للقضاة حسب نصّ المادة:28 من ذات القانون وعندما لا يتم إدراج اسم أيّ قاض في جدول التقدمات ويرى أنّه له الحقّ في التقدم يوجه طلبا إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء يستهدف من خلاله إدراج اسمه على جدول التقدمات تطبيقا للمادة:29 من ذات القانون وتنص المادة:31 من النظام الأساسي للقضاة على أن المجلس الأعلى للقضاء هو من يقرّ ترقية القضاة حصرا
وهذا ما يستنتج منه في عمومه أنّ اقتراح الترقية العادية وغير العادية من اختصاص السلطة القضائية ممثلة في رئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى هذه المحكمة وليس من اختصاص وزير العدل حتى اقتراح الترقية العادية فكيف بالترقية الاستثنائية وأسباب جعل المشرع هذه الترقية من اختصاص القضاء واضحة ذلك أنّه تتطلبه أمور ومبادئ من قبيل:
-مبدإ فصل السلطات
-ابتغاء تكريس مفاهيم دولة القانون التي يعد استقلال القضاء من أهمّ اللبنات التي تقوم عليه
-الاستجابة لمقتضيات اتفاقيات دولية وإقليمية صادقت عليها موريتانيا مثل العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية وجميع التوصيات المتعلقة به خاصة ما ذكر أعلاه من هذه التوصيات والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ذلك أنّه انطلاقا من هذه المبادئ والاتفاقيات يمنع أيّ تدخل للسلطة التنفيذية في المسار المهني للقاضي منعا مطلقا وبالتالي فإنّ نص المادة:27 من ق ن أ ق على أنّه يمكن للمجلس الأعلى للقضاء أن يوزع بشكل استثنائي القضاة في مختلف الرتب لم يتضمن أنّ للوزير اقتراح من لهم الاستفادة من هذا النوع من الترقيات والأصل عدم ذلك مراعاة لما تمّ استعراضه أعلاه من مبادئ ومواد قانونية كما أنّه مراعاة للشفافية يجب أن يسلك الطريق العادي للترقية فترسل به مقترحات من طرف رئيس المحكمة العليا والمدعي العام بناء على معايير واضحة ثمّ بعد ذلك يقرّرها وزير العدل ويبلغها للقضاة ليقوم من يرى أنّه حرم منها رغم توفر المعايير فيه من توجيه طلب ترقية إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء في نفس ظروف الترقية العادية والقول بغير هذا لا تؤيده النصوص ولا المنطق السليم ويتعارض مع المواثيق الدولية التي صادقت عليها موريتانيا ويفتح أبواب جهنم على القطاع بسماحه بفتح منافذ تعبر منها القبلية والجهوية والتملق المعششين في عقول كثير ممّن تولوا تسيير القطاع بشكل يئد في المهد أيّ محاولة إصلاح أو حرب على الفساد الذي يزعم الكثيرون أنّه مرتعا لها منذ أمد
وفي الأخير يتضح ممّا سبق أنّه ليس لوزير العدل بل السلطة التنفيذية برمتها القيام بأيّ شيء يمكن أن يؤثر على استقلال القضاء الجالس سواء تعلق الأمر بالعزل أو التعيين أو المساس أيّ نوع من المساس بالمسار المهني لهذا النوع من القضاة انطلاقا من النصوص الوطنية المتعلقة بالموضوع مثل الدستور الوطني وكذلك النظام الأساسي للقضاء وكذلك المواثيق الدولية التي صادقت عليها الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
القاضي/محمدينج ولدمحمدمحمود مستشار باستئنافية الاك