لست كاتبا - بالمعنى الأدبي للكلمة طبعا- و إن كنت أعتز بكوني كاتب ضبط، و لست فضوليا أسيل القلم كلما جد جديد، مفيدا كان أو غير مفيد، لكنني اطلعت – و أنا قليل الاطلاع- على مواقف ثلاثة جعلتني أكتب هذا المقال تحت هذا العنوان توضيحا لا تجريحا. و يبقى المقال نفسه مجرد رأي لا يفسد
الخلافُ فيه للود قضية، و هي مواقف صادمة و غير متوقعة صدرت أو تصدر من جهات فاعلة في قطاع العدل، الذي أتشرف بالانتساب إليه. و تمس كلها من هذه الفئة المسماة كتاب الضبط و هي مكون من مكونات المنظومة القضائية للبلد و تمتلئ نصوصنا الإجرائية و التنظيمية بالتنويه بها و بدورها في تكريس العدالة.
و أورد تلك المواقف الثلاثة على النحو التالي:
أولا: على مستوى المحكمة العليا
لقد أصدرت المحكمة العليا قرارها رقم 17/2013 بتاريخ 24/04/2013 القاضي بعدم مشروعية إجراء معاينة بواسطة كاتب الضبط، و هو قرار اعتمدت فيه على قراءة مجتزأة للمادة 100 من قانون الإجراءات المدنية و التجارية و الإدارية، و فضلا عن افتقاره إلى التأسيس فقد ناقض بشكل صارخ المادتين 242 و 243 من نفس القانون.
و لن أطيل في الحديث عنه فقد تصدى له الأستاذ الجليل عبد الرحيم ولد سدينا و هو أكثر مني مادة و اتم مني نظرا فأحيل إلى ما كتبه.
و قد بدأت به ليس لأهميته طبعا لكن لأهمية الجهة المصدرة له، فهي أعلى هيئة قضائية بالبلد و تعتبر بطبيعة الحال محكمة قانون لا محكمة وقائع.
و المرء مهما يأته خوفه****من الكُدَى تدبيره يعسرُ
ثانيا : على مستوى وزارة العدل
تتبع وزارة العدل مع كتاب الضبط منهجا مثيرا للاستغراب. ففي حين يتولى الموظفون فيها من خارج هذه الفئة أسمى الوظائف تشترط على كتاب الضبط التسلسل الوظيفي. فقد حدثني أحد الزملاء أنه لاحظ شغور منصب رئيس مصلحة بالوزارة، فكلم أحد سدنتها فسد عليه الباب بحجة أنه لا بد أن يكون قادما من رئاسة قسم، ناسيا أن المادة 28 من المرسوم 171/2009 بتاريخ 11 مايو 2009 المتضمن للنظام الأساسي لكتابات الضبط نصت على أنه "تلغى المراسيم 386/69 و 387/69 و 388/69 بتاريخ 27 نوفمبر 1969 في كافة الترتيبات المتعلقة بالأسلاك الخاضعة لهذا المرسوم". و قد حددت المادة 16 من هذا المرسوم جدولا يبين – ضمن ما يبين- أن وظيفة كاتب الضبط تساوي في السلم الوظيفي رئيس مصلحة.
...............قد هانت مطامحنا****حتى لأدنى طموح غير مضمون
ثالثا: على مستوى نادي قضاة موريتانيا
و هو إطار استبشرنا بميلاده خيرا خصوصا أنه جاء بعد فترة يأس و نشوز و رددت العدالة عند ميلاده "أألد و أنا عجوز". و قد كانت فرحتنا بميلاده كبيرة و بتنصيب أعضاءه أكبر خصوصا أنه يتولى أمانته العامة قاض سمعنا عن دفاعه عن استقلالية القضاء و هيبته.
و مع ذلك فقد طُعنَّا منه مرتين: الأولى عندما هدد أمينه العام بالانسحاب من الورشة المنظمة لمناقشة مسودة النظام الأساسي للقضاء احتجاجا على حضور ممثلين عن كتاب الضبط، ناسيا أن موضوع النقاش النظام الأساسي للقضاء و ليس للقضاة، و أن القانون للجميع؛ الثانية عندما انبرى أحد أعضاء النادي في الورشة المنظمة لمناقشة مسودة التنظيم القضائي، ليعارض مقترحا عرضه أحد الحاضرين يتعلق بتحويل كتابات الضبط بالمحاكم إلى مصالح تُعنى بالتسيير الإداري و المالي لتلك المحاكم، معللا ذلك بالخشية من عدم القدرة على التسيير ناسيا أو متناسيا أننا تلقينا نفس التكوين و بنفس المدرسة و على أيدي نفس الأساتذة تقريبا. بل زيادة على ذلك، كان منا حملة الشهادات في الاقتصاد (قسم التسيير) بينما كان القضاء حكرا على القانونيين، و نسي أكثر من ذلك أن نجاحه الإداري و التنظيمي كان بفعل "الكاتب" على حد تعبيره، كما حدثني إن كان يذكر.
إذا ما توقى جانب الروع راعه****من الجانب المأمون ما كان يحذر
و بما أن من لم يشكر الناس لن يشكر الله، فإننا نسجل لوزارة العدل بكل اعتزاز و نقدر لها، خصوصا معالي الوزير، وقوفها إلى جانب الحق و إشراك كتاب الضبط لأول مرة في تاريخها في مناقشة مشاريع النصوص المتعلقة بمرفق القضاء.
و أخير فلن يستقيم القضاء إلا إذا سار على قدمين متساويتين لكل منهما ما لها و ما عليها.
بقلم/ذ/ أحمدو بمب ولد محمد محمود