تقبع منذ سنتين في أروقة المحكمة العليا الموريتانية حوالي عشرين ملفاً لمجموعة من الدكاترة الذين تقدموا للاعتماد في سلك المحامين وذلك بعد أن استكملوا جميع الشروط القانونية المطلوبة للاعتماد المذكور,وما كان لهذه الملفات أن تأخذ كل هذا الوقت لولا أن وراء الأكمة ما ورائها خصوصاً وأن الملفات من هذا النوع لا تثير كبير إشكال ولا عناء لا من ناحية المساطر ولا من ناحية الموضوع والسوابق في هذا الخصوص واضحة وجلية كالشمس رابعة النهار .
ولاستجلاء القضية سنتعرض لمراحلها المختلفة والملابسات المثارة حولها والتي أصبحت تزكم الأنوف بحكم التعسف والظلم والتعطيل الذي أصبح قاب قوسين من إنكار العدالة الممارس من المحكمة العليا الموريتانية التي يفترض أنها الحصن والملاذ الآمن للمظلومين .
تقدمت المجموعة بطلبات اعتماد للهيئة الوطنية للمحامين الموريتانيين أواخر سنة 2014 واستلمت أوصالا بذلك في انتظار اجتماع مجلس الهيئة كالعادة للبت في الطلبات اعتماداً أو رفضاً , ولكن مجلس الهيئة لم يبت في الملفات حتى تجاوزت المدة القانونية المعهودة للبت فيها مما اعتبر رفضاً ضمنيا للطلبات . عندها تقدم من تقدم من المجموعة بطعونهم للمحكمة العليا الموريتانية طالبين إلغاء قرارالرفض الضمني للهيئة الوطنية للمحامين لطلباتهم بالاعتماد في السلك وكان ذلك خلال الأجل القانوني للطعن في بداية سنة2015
ومن هنا بدأ مسلسل التلاعب بالعدالة والمماطلة بحقوق الطاعنين لحاجة في نفس المحكمة العليا الموريتانية وتم حرمان الطاعنين من حقوقهم التي تجد سندها من القانون والسوابق القضائية والاجتهاد المنشور للمحكمة العليا والذي نشرته وأقامت على هامشه الندوات لتتنكر له أمام أول امتحان وتحدي لهيبتها وسلطتها وعدالتها , وسنسرد السند والحجج والسوابق المشار إليها آنفا كالتالي :
الحجة والذريعة الأساسية التي تؤسس عليها هيئة المحامين رفضها لطلبات اعتماد المجموعة هو عدم الحصول على درجة (أستاذ جامعي) وهو تأسيس مخالف للقانون حيث أن نص المادة 25 من القانون رقم 24/1995 المعدل تنص على أنه : (يعفى من شهادة الكفاءة لمزاولة مهنة المحاماة الأساتذة الحاصلون على درجة أستاذ في الجامعة من سلك التعليم العالي ) والتي لا يمكن تقييدها ولا فهمها إلا في كون الشخص قد مارس التدريس أو مازال يمارس التدريس بصفته أستاذ في الجامعة فقط ,وليس درجة " أستاذ جامعي "والنص واضح لا يحتاج إلى تعسف في التفسير والإسقاط , وهذا الطرح هو ما ذهبت إليه المحكمة العليا الموريتانية (نفسها ) في آخر قراراتها المنشورة في آخر عدد يصدر من مجلتها من ضمن القرارات المنتقاة والمختارة وهو القرار رقم 13/2014 بتاريخ 24 /04/ 2014حيث اعتبرت أن شرط التدريس المدعم بإفادات يخول صاحبه الحصول على الاعتماد دون الحاجة للتذرع بشرط درجة "أستاذ جامعي" , بل ذهبت المحكمة أبعد من ذلك عندما اتهمت الهيئة الوطنية للمحامين بأنها تفند بنفسها (أي الهيئة ) ما تدعيه من شرط الحصول على درجة (أستاذ جامعي ) باعتمادها أشخاصا يحملون مؤهلات أقل من الدكتوراه كالدبلوم ( سنة أوسنتين على الأكثر بعد المتريز ) كما هو الحال في الاعتماد رقم 02/2010
وقد أرست المحكمة العليا بهذا القرار المبدأ القانوني التالي كما ورد في عددها الأخير :(إن هيئة عملت بقبول الإنتساب إليها بمعايير محددة لأشخاص لا يشرع لها أن ترفضه لمن تتوفر فيه تلك المعايير ) كما أنه بحسب القرار يتنافى ومبدأ المساواة الدستوري .
فماذا تغير ؟ حتى تخالف المحكمة مبادئها التي أرستها وطبلت لها والتي لم يجف حبرها وبأشخاصها الحاليين ؟ ولماذا كل هذا التعطيل والطريق سالك والحجج هي نفس الحجج حيث لم يتغير سوى أشخاص الطاعنين ؟ وما قيمة إرساء المبادئ ونشر الاجتهاد والقرارات إذا كان سيتم مخالفتها في أول امتحان ؟ هل هو التبجح بها فقط ؟ وصرف المبالغ على الندوات دون أن تتحول لواقع معاش ؟
لقد تم تأجيل جميع الجلسات المتعلقة بالملفات المذكورة طيلة السنتين , مرة بسبب عدم اكتمال النصاب , ومرة بسبب الأسفار , ومرات أخرى بأسباب غير معلنة لا يعرفها إلا من أجلها (نفسه ) وهو أمر يخالف القانون حيث تنص المادة 15 من " ق, إ,م , ت ,إ" :(تفصل كل دعوى ترفع أمام المحاكم بحكم قضائي في زمن معقول دون أن تنتهي بمجرد شطب ) والحقيقة أن هذه القضية لم يفصل فيها في زمن معقول , وهي وإن لم تشطب ظاهرا فقد شطبت واقعيا بفعل التلكؤ والإهمال والتعطيل والامتناع هذا الامتناع الذي يجد سنده من نص المادة 273 من " ق, إ,م , ت ,إ" :(يحصل الامتناع عن الحكم إذا رفض القضاة البت خلال الآجال في الطلبات المعروضة عليهم أو أهملوا فصل القضايا الجاهزة للحكم أو بعد حلول دور تقييدها بالجلسة ) ونحن نتساءل عن أي إهمال أكبر من ركن قضية إدارية لا تثير إشكالا درجت المحكمة العليا الموريتانية على الحكم فيها , يؤيد ذلك السوابق والمبادئ التي أرستها المحكمة( نفسها ) دون أن يستجد شيء في الموضوع؟
إن المحكمة العليا الموريتانية بهذا التصرف قد تعرض نفسها لتهمة إنكار العدالة مادامت مصرة على السير في هذا الخط المريب , الذي لم يعد يخفى على أحد , ويكاد ينطبق عليها المثل القائل : (يكاد المريب يقول خذوني)
و بعد طول انتظار وبدلا من أن تحق الحق وتحكم في ملفات واضحة وجلية , تفتقت عبقرية المحكمة العليا الموريتانية عن بدعة من بدع التأجيل والمماطلة , وهي إخراج الملفات من المداولة لحين اكتمال التحقيق فيها ؟!!! ولا نعرف هل طلب أحد الأطراف إجراء التحقيق ؟ وإن كانت الهيئة قد طلبته فإن المحامين المتعهدين في الملفات لم يطلعوا عليه ؟ وبالتالي فبديهي أن الذي أمر به هو رئيس المحكمة العليا , وهو أمر يجوز له قانونا , حسب نص المادة 88 من " ق, إ,م , ت ,إ" ولكن المادة قيدته بشرط حيث قالت :( ... يؤمر بهذه الإجراءات التحقيقية عندما لا تتوفر للقاضي ما يكفي من العناصر للبت في القضية ) فهل القضية المعروضة لا تتوفر على العناصر الكافية لتكوين قناعة لدى القاضي كافية للبت فيها ؟ على أن الإجراء التحقيقي في آخر المطاف لايكتسي طابعا إجباريا له؟
إننا أمام ظلم واستهداف واضح لم يعد خافيا على أحد فقد سقطت ورقة التوت الأخيرة , ولم يعد السكوت على هذا الامتناع عن الحكم مقبولا , خصوصا وقد صبرت المجموعة مدة طويلة لعله أن تبدر بادرة من صحوة ضمير , وعليه فلم يعد مقبولا السكوت على هذا الظلم الفادح فالعدالة يجب أن تكون ناجزة , ذلك أن العدالة البطيئة ظلم .
إن أمام المحكمة العليا الموريتانية فرصة للابتعاد بنفسها عن مواطن الشبهات والحكم في الملفات المعروضة أمامها ومنح كل ذي حق حقه , وبذلك تقفل عنها باب القيل والقال والريبة ومواطن الشبهة , وإن هي لم تفعل فمعنى ذلك أنها سترحل الملفات إلى السنة القضائية القادمة في حلقة جديدة من حلقات المماطلة والتعطيل والامتناع وعندها سيكون لكل حادث حديث , وماحك جلدك مثل ظفرك .
الدكتور / محمد محمود ولد الشيخ