انشغلت الصالونات السياسية في نواكشوط على مدار الأسابيع الماضية بالتحولات الداخلية التي يشهدها الحزب الحاكم على وقع ملف الانتخابات البرلمانية والبلدية.
وكان مرد ذلك إلى الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها قيادة الحزب الحاكم، والتي أدت إلى إغضاب أغلب قبائل البلاد بعد أن اعتمدت رئاسة الحزب ترشيحات لا تمثل إلا أقليات داخل قبائلها وداخل أوساطها الاجتماعية، والتي ظهر أن الهدف منها هو خروج قبائل بعينها من دعم النظام الحالي لحساب مخطط قبلي آخر.
كما تجلى في الانسحابات المدوية من الحزب، والتي توجت بانسحاب الوزير السابق الدكتور الشيخ المختار ولد حرمة ولد ببانا، والذي بدأ سلسلة مقالات نارية ضد نظام ولد عبد العزيز ووزيره الأول مولاي ولد محمد الاقظف، وهي السلسلة التي نشرت حلقتها الأولى تحت عنوان -نحن والمسار الحانوتي -والتي أدت إلى ضجة إعلامية واسعة.
كما تجلت في قيام عناصر من الحزب الحاكم بإفشال الحوار مع منسقية المعارضة قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية، رغم أن مطالب المعارضة من الحوار مع النظام كانت هي الأقل طموحا منذ بدء المسلسل الديمقراطي في البلاد 1991.
وأخيرا، تمثلت التحولات الداخلية للحزب الحاكم في إبعاد جزء كبير وحيوي من مسؤوليه وأطره عن مركز القرار داخل الحزب.
أنتجت هذه الوضعية سيطرة “لوبي جهوي” بات يعرف بلوبي منطقة لعصابة والمناطق المتحالفة معها قبليا واجتماعيا، وهو اللوبي الذي يديره الوزير الأول مولاي ولد لغظف لصالح مجموعته القبلية، ويظهر في واجهته الآن محمد محمود ولد جعفر، الذي عين المنسق العام لحملة الحزب الحاكم، فيما استبعدت كل قيادات الحزب الأخرى من مركز القرار، بما فيها الأمين العام للحزب عمر ولد معط الله، الذي فرغ من أجل وظيفة “مفتش”.
يرى محللو صالونات نواكشوط، ومن بينهم قادة في الحزب الحاكم، أن الوزير الأول أحكم قبضته على الحزب الحاكم مستغلا خبرته بمزاجية شخص الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وعدم كفاءة رئيس الحزب محمد محمود ولد محمد الأمين، الذي يمثل الذراع السياسية لقائد أركان الجيوش الجنرال محمد ولد الغزواني.
“الحلف الجهوي القبلي الجديد” رأس جبله الجليدي، كما أسلفنا، هو محمد محمود ولد جعفر وهو أحد رموز نظام ولد الطايع، حيث كان يشغل منصب وزير دفاع ولد الطايع إبان انقلاب 8 يونيو 2003، وشغل منصب المدير العام للشركة الوطنية للمنتوجات السمكية في عهد ولد الطايع، كما شغل منصب سفير في اليابان في عهد ولد الطايع، وقبل ذلك منصب محاسب السفارة الموريتانية في كل من تونس وباريس، وفي هذه الأخيرة تعرف إلى زوجة ولد الطايع عائشة بنت الطلبة، التي أدخلته الدائرة المقربة من نظام ولد الطايع، قبل أن تحصل أيامها على لقب “عائشة أم المؤمنين”، الذي بات وقتها اسم دلع تخاطب به من طرف متملقي نظام زوجها.
تثور الآن أسئلة كثيرة عن “لوبي لعصابه” القبلي والجهوي وأسلوب إدارته للحزب الحاكم وتركيز هذا اللوبي على محاربة الجهويات الأخرى بما فيها منطقة الحوضين، التي يكتوي الآن سكانها وسياسيوها – من غير حلف الوزير الأول- بنفس النار الجهوية التي ما يزال يحرق فيها سكان ولاية اتررازهمنذ أكثر من ثلاثة عقود.
قبل أيام أسندت إلى عشرة أشخاص كلهم من “لوبي لعصابه” عملية طرح مخطط تحصيل وتوزيع أموال الحملة الانتخابية للحزب الحاكم دون أن يشارك في هذه العملية الهام أي مسؤول من خارج اللوبي.
من الطريف أن غلمان “لوبي عائشة أم المؤمنين” هم الآن من يديرون الحزب الحاكم نحو تجديد الطبقة السياسية في البلاد.