مرشحو الرئاسة في الجزائر عسكروا برامجهم الانتخابية

الفاتحي

إن قراءة في طبيعة مرشحي الرئاسة في الجزائر مدينون للنسق التاريخاني لرموز الحركة الوطنية بالجزائر، وخاصة العسكريين الماسكين لخيوط اللعبة السياسية في الجزائر، وحيث إن المرشحين لا يخرجون عن مبادئ هذه المدرسة فإن عدد منهم عمل أيضا على عسكرة مشروعه الانتخابي لتأكيد حجم الو لاءات للعسكر، ومنه تضمين العداء السياسي لكل ما هو مغربي الالتزام بمواصلة دعم البوليساريو.

فبإعلان رئيس الحكومة الأسبق عن ترشحه للانتخابات الرئاسية يعكس حقيقة الخريطة السياسية الجزائرية ويفسر صعوبات تبني برنامج انتخابي لتحديث بنية الدولة ورجالاتها، وتكشف عن حالة انحسار العمل السياسي الجزائري. وعليه فإن الوضع السياسي الجزائري لا يزال يراوح مكانه، ولم تتبلور لديه بعد رؤية لتحديث رؤيته السياسية ولا خطابه السياسي، بدليل العودة إلى الأجيال السابقة لتعيد نفسها.

إن ترشيح على بن فليس (أبرز ترشيح بعد عبد العزيز بوتفليقة) هو تجذير  الخطاب السياسي الجزائري التقليدي، أو هو تحصيل حاصل للمشروع السياسي الجزائري على المستوى الإقليمي والدولي، واستمرار لذات النهج المعرقل لأي أفق سياسي على المستوى الداخلي والإقليمي ولاسيما فتح الحدود مع المغرب ومواصلة في استكمال بناء هياكل الاتحاد المغاربي.

وكما أن الفاعل السياسي الجزائري يستوعب هذه التحديات دون أن تكون له الجرأة في إيجاد بدائل حقيقية لها، فإن ترشح علي بن فليس من ذات حزب عبد العزيز بوتفليقة ترسيخ لنظرية الحزب الحاكم في الجزائر ألا وهو حزب جبهة التحرير الوطني.

ويؤكد الواقع السياسي في جزائر اليوم استمرار حالة الفساد المالي والسياسي والإداري، تنذر لجحيم قد تعيش الجزائر مآسيه فيما بعد الانتخابات الرئاسية. بحيث لا تجد أفقا لحلها بفعل تقليدية الهيئة السياسية التي تؤثث الظروف السياسية الجزائرية عبر ولاية رئاسية جديدة قد لا تخرج عن عبد العزيز بوتفليقة أو عن محيطه المدعوم بالجناح العسكري.

والحق أن أمال نجاح علي بن فليس ضعيفة جدا لأنه من جهة سبق أن خسر الإنتخابات الرئاسية في سنة 2004، بعدما لم يحصل فيها سوى على 4.6 بالمائة. وهو ما يجعل ترشيحه غير ذات دلالة سياسية سوى أن يكون مناورة للتأكيد على استمرار الجيل التاريخاني في قيادة البلاد.

ومنه يمكن القول أن كل المؤشرات لا تفيد بأن بصدد تطورات سياسية دالة في المشهد السياسية لأن كلا المرشحين للرئاسة من ذات الجيل السياسي ومن ذات التنظيم الحزبي.

وإن حاول بن فليس العزف عن وتر الفساد المالي المستشري داخل مقربين من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلا أن خطابه السياسي لم يكن مقنعا وغير ذات تأثير، لأن مشروعه السياسي في أصلا لا يخرج عن مواصلة سياسة الرئيس بوتفليقة حيث تعهد بمواصلة مشروع ما يسمى "المصالحة الوطنية" الذي وضعه بوتفليقة لإنهاء حرب أهلية بين سنتي 1992 و2002 وأودت بحياة الآلاف الجزائريين.

وحتى وإن كان بن فليس الذي حاول تمييز نفسه بأنه من أشد المعارضين للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعدما كان لسنوات حليفه المقرب، فإنه لا يعكس صورة جديدة لممارسة سياسية مختلفة عن عبد العزيز بوتفليقة وأجهزة العسكر المتحكمة في الفعل السياسي. ولذلك فإن إعلان ترشح بن فليس لم يغير من الخطاب السياسي الجزائري أي شيء. حتى وإن لم يترشح بوتفليقة فإن نجاح بن فليس لا بد أن يؤشر عليه جهاز العسكر الجزائري أولا أي أن نجاحه لا يتأتى له بمشروعه السياسي الذي لا يختلف في العمق عن برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

ومن جهة أخرى فإن عددا من المفترضين للترشح انتظروا حتى اللحظات الأخيرة أي إلى أن تناهى إلى علمهم خبر ترشحه، فسارعوا إلى سحب ترشحهم. والحالة هذه فإن الإبقاء على ترشح بن فليس تبقى حالة ذاتية لا يمكن الاستناد عليها لتفسير المستقبل الرئاسي في الجزائر.

ومعلوم أن خطاب بن فليس يعكس جوهر المشروع السياسي التقليدي للجزائر على المستوى الإقليمي والدولي، ولذلك فإن نجاحه في الرئاسيات سيزيد من تأخر المنطقة المغاربية ويزيد من تعطيل بناء الإتحاد المغاربي. فقد سبق له أن أكد أن الجزائر بفضل موقعها الجيوسياسي المميز مدعوة لأن تكون فاعلا أساسيا عندما يتعلق الأمر بموضوعات السلام والأمن والتعاون في البحر الأبيض المتوسط، وأنها لن تتحمل أي مسؤولية في حالة الانسداد التي يعرفها مسار الاتحاد المغاربي. وأنه يدعم تنظيم استفتاء تقرير المصير تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة في الصحراء.

عبد الفتاح الفاتحـي*

* باحث متخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي

سبت, 22/03/2014 - 01:48