مفهوم الولوج للقاضي /بقلم:القاضي محمدينج

القضاء
مفهوم الولوج للقاضي[1]: يعني هذا المصطلح ضمان الدولة وصول أيّ شخص طبيعي أو معنوي سواء كان مواطنا أو أجنبيا يقطن بها إلى المحكمة من أجل الدفاع عن حقوقه التي يرى أنّها تمّ التعدي عليها من طرف الأفراد أوالسلطات ويجب التنبيه إلى أنه ليس إلا مظهرا من مظاهر تجسيد اللجوء للسلطة من أجل رفع الظلم والذي يتخذ بالإضافة إلى الحق في الولوج إلى القاضي مظاهر منها الطعون الإدارية التظلمية [2]التي تمارس في المجال الإداري أمام الشخص أو الهيئة مصدرة القرار أو إلى من يتبع له مصدر القرار سواء كان فردا أو هيئة وذلك ابتغاء الرجوع عن القرار المتضرر منه وسنتناول مصادر هذا الحق وتجسيده والقيود التي ترد عليه في فصل أول لنخصص الفصل الثاني لمميزات القاضي الذي يعدّ اللجوء له لجوء حقيقيا للقضاء كلّ ذلك انطلاقا من الشريعة الإسلامية والتشريع الوطني بما فيه المواثيق الدولية التي صادقت عليها موريتانيا باعتبارها جزء منه
الفصل الأول:مصادر حقّ اللجوء للقضاء والقيود التي ترد عليه وتجسيداته
سنقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث نتناول في أولها مصادر هذا الحقّ في الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية التي صادقت عليها موريتانيا والتشريع الوطني
المبحث الأول: وسنقسمه إلى أربعة مطالب نتعرض في أولهما لمصادر هذا الحق في الشريعة الإسلامية لنخصص الثاني لمصادره في المواثيق الدولية التي صادقت عليها الجمهورية الإسلامية الموريتانية بينما نتعرض في المطلب الثالث لمصادره في التشريع الوطني لنختمه بمطلب رابع نتناول فيه حقّ اللجوء للقاضي أثناء الاعتقال
المطلب الأول :مصادر حق الولوج إلى القاضي في الشريعة الإسلامية
لا جدال في تقرير الشريعة الإسلامية لهذا الحق وصدحها به لدرجة أنّ بعض الفرق الإسلامية القائلة بعدم وجوب نصب خليفة للمسلمين اشترطت عدم وجوب ذلك بقدرة جماعة المسلمين على إقامة الحدود والعدالة في ما بينها وهو أمر يتضمن لزوم وجود من ينظر في ذلك من القضاة [3] فإذا كان الإمام الأعظم مسئولا أمام الله وأمام المسلمين في بعض الأقوال عن إقامة العدل بين الرعية بردع الظلمة وأخذ حقوق الناس منهم فإنّه نظرا لاتساع رقعة الدولة عادة كان واجبا عليه شرعا وواقعا أن يعين قضاة في مختلف الأمصار ليحكموا بالعدل بين الرعية وهذا ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ببعثه لسعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه وعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ... قضاة إلى الأمصار وكذلك فعل خلفاؤه الراشدون[4] وغيرهم كما أنّه هو ظاهر قول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في رسالته لقاضيه أبي موسى الأشعري (القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة[5]) وهو ما أشار إليه محمد بن عاصم في تحفته حيث يقول شارحا طبيعة مهمة القاضي:
منفذ بالشرع للأحكام       له نيابة عن الإمام [6]
فهذا كلّه يدل على أنّ الشرعة الإسلامية كرست هذا الحقّ[7] انطلاقا من مفاهيمها واصطلاحاتها هي التي  تعد كما سيتضح لاحقا أصلا أو على الأقلّ عارفة لمعظم ما هو عادل من النظم الإجرائية الحديثة كما يشي به أيضا حديث الفقهاء عن الأماكن التي يجب أن يجلس فيها القاضي لاستقبال الناس وضرورة أن لا يكون في الوصول إليها مشقة على أيّ من المتقاضين ومن أنّه لا يمكنه أن يفرد يوما لراحته لأنّ هناك من الأمور ما لا يقبل الانتظار [8] كما يعرف في أيامنا بالقضاء الاستعجالي
المطلب الثاني: مصادر حق الولوج إلى القاضي في المواثيق الدولية التي صادقت عليها موريتانيا[9]
 صادقت موريتانيا على اتفاقيات دولية تصدح بتقرير هذا الحق بصوت عال جدا وذلك مثل[10]:
1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:الذي تنص المادة:8 منه على أنّ:(لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون) فهذا النص يتضح منه تقرير هذا الحقّ بشكل واضح لا ريب فيه كما أنّ عمومه يشي بأنّه يتساوى في الاعتداء كون مصدره شخص خاص أو سلطة ونشير إلى أنّ الدستور الوطني أحال في مقدمته إلى تشبث المجتمع الموريتاني بالقيم الواردة في هذا الإعلان الأمر الذي يجعل مقتضياته سارية في البلد انطلاقا من تلك الإحالة
2- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: الذي جاء في البند 1 من المادة:14 منه أنّ:(الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون) هذا في الوقت الذي ألزم فيه بضمان حقّوق تقدم الأشخاص بتظلمات إدارية إلى السلطات المختصة حسب نص البند (3) من المادة الثانية من العهد وعلى أهمية حقّ اللجوء إلى القضاء فإن هذا العهد الدولي لم يجعله من الحقوق التي يجب ضمانها في كلّ الأوقات وكلّ الأحوال بل إنّ كلّ مقتضيات المادة:14من هذا العهد ليست من الحقوق التي لا يمكن المساس بها في أيّ ظرف طبقا له كما هو الحال بالنسبة لحقوق أخرى انطلاقا منه
 
3- الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب: الذي جاء في البند (1) من المادة:7 منه أنّ حقّ اللجوء للقضاء مكفول وذلك عبر نصه على أنّ( حقّ التقاضي مكفول للجميع ويشمل هذا الحق:
-الحقّ في اللجوء إلى المحاكم المختصة بالنظر في عمل يشكل خرقا الأساسية المعترف له بها والتي تضمنها الاتفاقيات والقوانين واللوائح والعرف السائد)
 ويبدو أن الإعلان الإفريقي يحس بأن تقرير الحقّ في اللجوء إلى المحاكم أكثر جدوائية من غيره لذا اقتصر عليه دون تقرير حقّ اللجوء إلى السلطة لرفع الظلم بشكل صريح
 
المطلب الثالث: مصادر حق الولوج إلى القاضي في التشريعات الوطنية
رغم أهمية حقّ الولوج للقاضي وكونه من الحقوق الأساسية لم نجد في النصوص التشريعية الوطنية ما يشير صراحة إلى تقريره لا في الدستور ولا في النصوص الأخرى غير أنّ المادة:91 من دستور 1991 المعدل سنة 2006 تنص على أنّه (لا يعتقل أحد ظلما. فالسلطة القضائية الحامية للحرية الفردية تضمن احترام هذا المبدأ في نطاق الشروط التي ينص عليها القانون) وفي ضوئها وما تنص عليه المادة:7 من قانون التنظيم القضائي التي جاء فيها أنّ للمحاكم المنصوص عليها في القانون وحدها سلطة إصدار الإدانات هذا[11]بالإضافة إلى المبادئ العامة للشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع الوطني حسب نصّ المادة:6 من دستورنا الدائم  والتي يعرف من تاريخها تكريسها بشكل جلي لهذا الحقّ عبر الشكاوى التي كانت ترفع أمام أمراء المؤمنين من طرف المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والطبقية ضدّ الولاة وغيرهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك هذا بالإضافة إلى المبادئ العامة للقانون وما ورد في الدستور من تقرير  حقوق يتضمن الاعتراف بها الحقّ في حمايتها عن طريق اللجوء إلى القضاء[12] نظرا لأنّه لا حماية إلا باللجوء إليه بعد منع اللجوء للعدالة الخاصة
 
المطلب الرابع: حقّ اللجوء للقاضي أثناء التوقيف والاعتقال[13]:
 
1- في الشريعة الإسلامية: تكفل الشريعة الإسلامية حقّ اللجوء للقضاء لجميع سكان أرض المسلمين في كل الأوقات انطلاقا من تكريسها للحقوق التالية:
- تكريم بني آدم المنصوص عليه في القرآن وحرمة نفسه وعرض وماله
- تعزيز هذه الحرمة بتقرير عقوبات على التعدي عليها من أيّ شخص سواء كان سلطة أو فردا ذلك أنّ المساواة في الشريعة الإسلامية وأمامها مجردة ومطلقة من أي قيود فقد تنازع عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه مع أبي بن كعب على شيء عند زيد بن ثابت[14]
وإذا كان ذلك كذلك فإن الفرد محمي في الشريعة في كلّ الأوقات و لا يمكن التعدي على أيّ من حقوقه إلا انطلاقا من مبرّر لذلك التعدي وفي الحدود المقرّرة شرعا وهذا لا يتحدّد إلا باللجوء للقضاء
 
2- في المواثيق الدولية التي صادقت عليها الجمهورية الإسلامية الموريتانية
العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية: تنص المادة: 9 من العهد على عدة حقوق للمعتقل منها على سبيل المثال:
- ضرورة إخباره بالتهمة الموجهة إليه
- أن يقدم في أسرع وقت إلى سلطة قضائية أو سلطة مخولة قانونا للنظر في شرعي اعتقاله
- أن يقدم سريعا إلى محكمة تنظر في قضيتة 
وبخصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب فلم يتحدثا بشكل صريح ومستقل عن حماية خاصة للشخص أثناء الاعتقال
3- في القانون الوطني:نشير إلى أنّ المادة: 642 من ق إ ج تنص على أنّه لا يمكن حرمان أيّ شخص من حريته - باستثناء حالات الحراسة النظرية المنصوص عليها بالمادتين:57-58- إلا بناء على سند صادر عن السلطة القضائية[15] وهذا ما يتسق مع حراسة القضاء للحريات الفردية المنصوص عليها في المادة: 91 من دستورنا الدائم وعموما للمعتقل اللجوء إلى القاضي للنظر في مدى شرعية اعتقاله الذي كثيرا ما يكون لأحد الأسباب التالية عادة:
1- الاعتقال تنفيذا لحكم قضائي نهائي أو غير نهائي[16]
2- الاعتقال الذي يكون بموجب قرار صادر بالإيداع من طرف رئيس المحكمة الجنائية قبل الدورة الجنائية بالنسبة للمتهم الطليق الذي صدر قرار بإحالته إليها تطبيقا للمادة:153 من ق إ ج أو بناء على أمر بالإيداع صادر إمّا من:
 - وكيل الجمهورية في حالة التلبس بالجناية أو الجنحة تطبيقا للمادتين:63- 64 من ق إ ج ويشار إلى أن بطاقة الإيداع التي يصدر وكيل الجمهورية في حالة التلبس بالجناية والجنحة المعاقب عليهما بالحبس لا تتجاوز صلاحيتهما شهرا
- قاضي التحقيق:ولا يصدر قاضي التحقيق أمرا بالإيداع حسب ما يشي به نص المادة:138 من ق إ ج إلا إذا كان مبرّرا بالأمور التالية مجتمعة أو أحدها على الأقل وهي:
 -الحيلولة دون هروب المعتقل من وجه العدالة
- منع المتهم من ارتكاب جرائم جديدة
- منع المتهم من طمس الأدلة بما في ذلك التأثير على الشهود
- أن تكون الوقائع المنسوب ارتكابها للمتهم خطيرة ولم يبين المشرع ما يعني بالخطورة غير أنّه يجب أن تفسر انطلاقا من معيار موضوعي مثل أن تكون الواقعة جناية أو على الأقل من الجنح الأكثر خطورة و  الجنحة الخطيرة هي التي يبلغ حدّها الأعلى خمس سنوات من الحبس أو تزيد الغرامة فيه أعني الحدّ الأعلى على مائتي ألف أوقية حسب المستنتج من المادتين:41-42 من ق إ ج [17]
- يمكن أن يكون من بين الأسباب أيضا التي لم تتضمنها المادة:138 من ق إ ج بشكل صريح الخوف من أن ينتقم من المتهم هذا مع أنّه يمكن أن يدخل في عموم الخوف من وقوع جرائم جديدة[18]
- إلغاء الحرية المشروطة من طرف السلطة القضائية أو الإدارية في حالة الاستعجال تطبيقا للفقرة الثانية من للمادة:657 من ق إ ج بشرط إخبار وزير العدل بذلك فورا
- يمكن أن يوقف الشخص الذي تقوم إجراءات إبعاده تحضيرا لذلك الإبعاد[19]
- يمكن أن يوقف مريض سواء كان ذلك من أجل الحيلولة دون انتشار مرضه الخطير أو إذا كان تركه طليقا يهدد السكينة والسلم العامين كالمجنون
 والحالتان الأخيرتان لا تدخلان في الإجراءات الجنائية كما هو واضح والطعن المناسب فيهما هو الطعن الإداري بالإلغاء أمام الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا وهو طعن تصعب في الحقيقة ممارسته نظرا لوجود المحكمة العليا في العاصمة وكذلك لتعقيد إجراءات التقاضي أمامها ممّا يجب التفكير معه في جعل القرارات الإدارية الصادرة من المصالح الإدارية في الولايات قابلة للطعن بالإلغاء أمام الغرفة الإدارية بمحكمة الولاية تقريبا للعدالة من المواطنين[20]
محمد ينج/ محمد محمود
رئيس محكمة مقاطعة تمبدغة
جمعة, 16/01/2015 - 14:04