ـــــــــــــــــــــ إن المتتبع لمجال تطبيق المادة 172 من قانون الإجراءات الجنائية علي مستوى المحاكم الموريتانية لايمكن إلا أن يخرج بالعديد من الملاحظات التي تعد ثمرة لمادرج عليه دفاع المتهمين أمام تلك المحاكم من إثارة لمجموعة من الدفوع الشكلية المتعلقة ببطلان الاجراءات قبل الدخول في أصل القضية والتي أدت في الواقع الي تباين تطبيق وفهم مقتضيات تلك المادة من طرف القضاة .
ونحن حينما نتحدث عن مجال تطبيق تلك المادة انما نتحدث عنه علي مستوي القضايا الجنائية سواء أمام المحاكم الجنائية أوغرف محاكم الإستئناف المختصة وإن كان الإشكال في مجال الجنح والمخالفات غير مطروح أصلا علي مستوي محاكم الدوجة الأولي المختصة نظرا لوضوح دلالة النص في هذا الشأن ، لتبقى الإشكالات المطروحة في هذا الصدد حسب ماهو ظاهر من خلال مااستندت عليه بعض المحاكم فيما صدر عنها من أعمال قضائية يدور حول مدى وجاهة الإعتماد علي اعتبار عدم إحترام بعض اواحد الحقوق المكفولة للمتهم سببا من أسباب لجوء المحكمة الجنائية اثناء نظرها للقضية الي إعمال مقتضيات المادة 172 من قانون الاجراءات الجنائية ؟ والي مدي إمكانية الإستناد علي مانصت عليه المادة 461 من نفس القانون من إحالة الي تطبيق الإجراءات المتعلقة بالاستئناف في مادة الجنح علي القضايا المتعلقة بالميدان الجنائي أمام نفس المحكمة وماتضمنته المادة 475 من نفس القانون من مقتضيات تتعلق بتطبيق القواعد المقررة لمحكمة الجنح أمام محكمة الاستئناف سببا مقنعا للغرفة الجزائية بمحكمة الاستئناف يدفع بها الي تطبيق فحوي نص المادة 172 من قانون الاجراءات الجنائية علي أي من القضايا المنشورة أمامها ؟ وهل بمقدور محكمة الاستئناف المختصة أن تثير بطلان الاجراءات من تلقاء نفسها بناء علي أن مضمون المادة 212 من قانون الاجراءات الجنائية مندرج في فحوي المادة 548 من نفس القانون علي إفتراض أن ماتضمنته من ترتيبات تتعلق بتحصين الاجراءات والعيوب السابقة علي الإحالة منها ماهو متعلق بحرمان المتهم ودفاعه من حق إثارة بطلان تلك الاجراءات دون المحكمة التي لها أن تثير بطلان تلك العيوب من تلقاء نفسها متي ما كان أمر الاحالة الصادر عن قاضي التحقيق نهائيا ، ومنها مايقطع طريق إثارة البطلان أمام الجميع كما هو الشأن بالنسبة للاحالة من غرفة الاتهام ؟
صحيح أن الاجراءات أيا كانت طبيعتها يمكن ان تتعرض للبطلان حسب مقتضيات المادة 169 من قانون الاجراءات الجنائية إذا لم تتم مراعاة الشكليات المنصوص عليها في المادتين 101 و104 وغيرها من المقتضيات الأخرى الواردة في هذا القانون بما في ذلك حالة خرق حقوق الدفاع .
ومع ذلك فقد حدد المشرع من خلال المادتين 170 و172 من قانون الاجراءات الجنائية المسطرة التي يتعين سلوكها لإبطال الاجراءات المشوبة بالبطلان وذلك إما باحالة الإجراء سواء من طرف وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق كل فيما يعنيه الي غرفة الاتهام أو بطلب موجه الي نفس الغرفة صادر عن المتهم أو الطرف المدني ، وإما من خلال إصدار محكمة الجنخ أثناء نظرها للقضية حكما ببطلان بعض أو كل الاجراءات سواء من تلقاء نفسها أوبناء علي ما أثاره أحد الأطراف
والمشرع الموريتاني من خلال مسطرة البطلان تلك قد حدد مجال إعمالها تلك المسطرة في الفترة السابقة علي صيرورة أمر الإحالة الصادر عن قاضي التحقيق نهائيا ولم يمنح حق إبطال الاجراءات بعد صدور أمر الإحالة سوى للمحاكم الابتدائية المختصة بالنظر في قضايا الجنح والمخالفات دون غيرها حسب مانصت عليه المادة 172 من قانون الاجراءات الجنائية ، وإن كان المشرع قد منعها من القيام بذلك حسب نص المادة 211 من نفس القانون في حالة صدور أمر الإحالة اليها من طرف غرفة الإتهام أو تأكيده من طرف هذه الأخيرة .
والمشرع في تحديده لمجال تطبيق مسطرة إبطال الاجراءات لم يسمح بإثارة عيوب أو عدم صحة الاجراءات السابقة أمام المحاكم الجنائية والغرف الجزائية بمحاكم الاستئناف بعدما يصبح أمر الإحالة الصادر عن قاضي التحقيق نهائيا أو عندما تقع الإحالة من غرفة الإتهام وذلك حسب ماهو وارد في المادتين 211 و548 من قانون الاجراءات الجنائية .
وماتضييق مجال تطبيق مسطرة إبطال الاجراءات إلا لكون المشرع الموريتاني قد قدم للأطراف مايكفي من ضمانات للطعن فيما يرونه من إجراءات مشوبا بالبطلان في جميع مراحل التحقيق وقبل أن يصبح أمر الإحالة الي المحكمة المختضة نهائيا ، مما يستبعد إمكانية استناد الغرف الجزائية بمحاكم الاستئناف علي ماتضمنه المادتين 461 و475 من قانون الاجراءات الجنائية للحكم ببطلان الاجراءات بناء علي مضمون المادة 172 من نفس القانون وذلك من منطلق أن المادة 475 حينما نصت علي تطبيق القواعد المقررة لمحكمة الجنح أمام محكمة الإستئناف ربطتها بعدم مخالفة ذلك لما تم النص عليه من مقتضيات تتعلق بالاجراءات الواجب إتباعها أمام محكمة الإستئناف والتي من ضمنها ماتضمنته المادة 466 من قانون الاجراءات الجنائية من أن الحكم في الاستئناف يتم طبقا لماورد في المواد 195 الي 198 و211 الي 215 الكل من نفس القانون ، إذ بالعودة الي المادة 211 المحال اليها يتضح عدم أن الغرف الجزائية بمحاكم الاستئناف لم يبقى أمامها سوى التصدى للاصل والبت فيه حتي ولوتبين لها من خلال القضية خرقا بينا للقانون إوغال لبعض مقتضياته بالشكل الذي من شأنه أن يؤدى الي البطلان حسب ماهو وارد في المادة 483 من قانون الاجراءات الجنائية .
والله أعلم
القاضي : عبد الله أندكجلي