نظمت الهيئة الوطنية للمحامين، صباح اليوم ورشة حول ضرورة احترام وتطبيق القانون في موريتانيا.
وقد أشرف على الورشة نقيب الهيئة الوطنية للمحامين، الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني بحضور وكيل الجمهورية لدى محكمة ولاية نواكشوط الشيخ ولد بابه أحمد.
نقيب المحامين قال في كلمته: "لقد استشعرنا، في الهيئة الوطنية للمحامين، ضرورة احترام القانون واعتبرنا أنه لا محيد عنه لبناء الدولة، وفي مرحلة مبكرة من مأموريتنا توجهنا للسلطات بخطاب من ذلك القبيل. ورغم أن خطابنا غير مجامل في ما يخص قيمنا المبدئية، فقد أبلغناه بصفة مهذبة وحضرية، موضحين للسلطات أن الدولة لا يمكن بناؤها إلا على أسس قانونية صلبة ورصينة. بيد أنه كان من تجليات عدم فهمنا أن وزير العدل رفض الجلوس معنا على نفس الطاولة وأنه أعطيت التعليمات بعدم دعوتنا لحضور تظاهرة ما.
لقد بقينا متشبثين بأن الرجال الأقوياء لا يستطيعون بناء الدول. فمهما كانت نوايا الرجل القوي، ومهما كان حجم الدعم الشعبي له، فلن يكون بمقدوره بناء دولة خارج نطاق المؤسسات. فقوة الرجل، وإن استمدت من حرس رئاسي مخلص وقوي ومتفرغ لحمايته والذود عنه، لا تعني أي شيء. وذلك ما برهنت عليه أحداث تاريخية كثيرة كان المتغلب فيها ذات القوة المتفرغة لحماية الرجل القوي والذود عنه. وفي نفس السياق، فإن الدعم الشعبي لأي رجل قوي يظل غير مجد ما دمنا قد رأينا، خلال تجاربنا السياسية الماضية، أن ذات الشعب الداعم لنفس الرجل القوي هو أول من سيخرج عليه متبرئا منه عندما تطرأ ظروف أخرى. هكذا يكون من الواضح، انطلاقا من معطيات التاريخ والواقع، أن بناء الدول لا يتسنى إلا من خلال بناء مؤسسات قوية مستقلة وذات مصداقية مقيدة بعقال القانون". مضيفا القول: "إن أحدا لم يفهمنا، أو لنقل بأننا فهمنا بشكل سيئ. لقد تيقنا أنه من أجل أن نفهم يجب أن نقول بأن كل شيء على ما يرام، وأنه ثمة قوانين وأن دولة القانون قائمة هنا كواقع معيش.
لقد كنا مطالبين بأن نتغاضى عن مؤسسات كنا نطمح أن تكون قوة موازية، ونغمض أعيننا عن غرفة أريد لها أن تمثل الشعب، فنقبل بها مجرد غرفة تسجيل. وعلى نفس المنوال، ولكي نفهم، نتصامم عن عدالة كنا نريد لها أن تكون مستقلة وأن تكون ملاذا للإنصاف ومأوى للمظلومين، ونقبل بأن تكون مركعة وممنوعة من لعب دورها بحيث أن القاضي فيها يحول كما يحول الحاكم، ويتم التحكم والتدخل في قراراته.. كما أنه كان علينا أن نقبل بوزير أضحى، بحكم غياب احترام القانون، بمثابة مسير للسجن، يعتقل ويطلق سراح من يراد له الاعتقال أو يراد له إطلاق السراح، قبل ثني أعناق الإجراءات اللازمة لذلك.
كان علينا في الهيئة الوطنية للمحامين أن نفعل كل هذه الانبطاحات لكي يتم قبولنا ولكي نفهم. لكن ذلك يعني أن هؤلاء يجهلوننا تماما. يجهلنا حقا من يظن أنه بإمكاننا أن نتكيف مع أمور لا تشكل قناعتنا ولا تتماشى والمهمة المنوطة بنا. إننا جد متمسكين وحريصين على مبادئنا لدرجة أنه يجهلنا من يظن أننا سنتغاضى عن هذه المسلكيات كي يرضى عنا أي أحد.
مهما يكن، فقد ازداد يقيننا بأن كفاحنا يجب أن يتواصل، وأن هيئتنا يجب أن تكون قوية ومستقلة، وأنها أصبحت من الأصوات القليلة التي يمكن أن يعول عليها الضعيف والمظلوم.
إننا متشبثون، مهما كان حجم الضغوط، بأن التنمية مستحيلة إلا في ظل العدالة وحقوق الإنسان ودولة القانون، وأن المشاريع لا يمكن أن تقام إلا في ظل دولة يسودها القانون، وأن ارتباط العدالة والتنمية جذري، وأنه لا تقدم إطلاقا في مكان لا حرية فيه، وأن عدم احترام القانون يولد الفوضى العارمة التي بدأت بوادرها، من تشرذم وتفكك، تتراءى في الأفق. إن مثال الصومال ناصع في هذا الصدد. فهو عبارة عن شعب واحد ولغة واحدة وفئة واحدة ودين واحد، رغم ذلك تناحر أبناؤه بسبب غياب احترام القانون والفشل في بناء دولة المؤسسات.
إننا لم نزل نؤكد، دون كلل، أن بناء دولة القانون هو الضامن الحقيقي للتنمية والازدهار والاستقرار. وإذا كان ثمة هدفٌ أساسي لتثبيت دعائم التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية على أسس صلبة، فإنه لا شك بناءُ دولة القانون".
وقال ولد بوحبيني: "يعلمنا التاريخ القريب جدا أن الأمم التي أضعفها السلوكُ الجماعي السيّئ والموروث أحيانا من الممارسات السحيقة، توصلت، بعد العديد من الهزات، إلى حتمية مفادُها أنه ما من تعايش مستديم، وما من تنمية اقتصادية حقيقية دون بناء دولة القانون. لذلك يعتقد الكثيرون أن هشاشة دولة القانون هي ما يُمَهـّـد للتنافر الاجتماعي وبروز المصالح الذاتية والدكتاتوريات الهدامة للحريات الفردية والجماعية.
إن عدم احترام القانون هو ما يدفع إلى هذا الكم الهائل من الإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات.. إنه مصدر ما نشهده اليوم من غياب للثقة بين الأطراف والفرقاء، وبين المواطن والدولة.. وهو ما يوقد فينا لهبَ الطائفية والفئوية.. وأكثر من ذلك، فهو الدافع الأول لانتشار ظاهرة التطرف والتشدد.
فمتى تفهمنا السلطات؟ وإلى أي مدى ستعلم كم هو ضروري أن تفهم حقيقة المطالب الملحة قبل فوات الأوان؟ وهلا اقتنعت بأن الشعوب التي تطالب بالقليل، عادة ما لا تقنع به في ظروف أخرى، فتطالب بما هو أكثر لما لم يجد الشعب الطمأنينة المنشودة والأمل المرجو، ولم يستسغ، كيف لا يجد أبناؤه حقهم في التعليم وفي الدواء، وكيف لا تنعكس مؤشرات النمو على حياتهم اليومية". وقد تميزت الورشة بتقديم عروض قيمة حول الموضوع من طرف مختصين.
تقرير:ميادين