لا شك أن الرئيس مسعود قد ارتكب في السنوات الأخيرة جملة من الأخطاء الكبيرة، وهي الأخطاء التي أدت في محصلتها النهائية إلى أن يخرج حزب التحالف الشعبي التقدمي، بنتائج متواضعة جدا في انتخابات 23 نوفمبر البلدية والتشريعية.
وبغض النظر عن تعدد تلك الأخطاء، وعن طبيعتها، إلا أنها ظلت دائما في دائرة تلك الأخطاء التي يمكن تصنيفها لمن يحترم الرجل (كما هو حال كاتب هذا المقال) بأنها من الأخطاء الكبيرة التي يمكن أن يرتكبها المناضلون الكبار. هذا بالنسبة لأخطاء الماضي، أما أخطاء الحاضر، فلم يعد بالإمكان أن يتم وصفها بأنها أخطاء كبيرة لمناضل كبير، خاصة منها الخطأ الأخير الذي ارتكبه الرئيس مسعود، والذي يتعلق بقبوله لرئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي. لقد أدى قبول الرئيس مسعود لرئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى كشف جملة من الأمور التي لا تبشر بخير على حُسن الخاتمة السياسية للرجل، ولعل من أخطر تلك الأمور أن أحلام المناضل مسعود قد تقلصت إلى الحد الذي لم يعد فيه الرجل يهتم بقضايا الشريحة، ولا بمستقبل حزب التحالف، ولا بالديمقراطية ولا بالمعارضة، وإنما أصبح كل همه يقتصر على البحث عن تقاعد مريح لشخصه الكريم. إن قبول الرئيس مسعود لرئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي كشف بأن الرجل لم يعد يهتم إلا بمصالحه الخاصة، ويظهر ذلك من خلال: 1 ـ أن هذا التعيين جاء منفردا، ولم يأت في إطار اتفاقية أوسع تستفيد منها قيادات أخرى من حزب التحالف الشعبي، كما حدث خلال الشوط الثاني من رئاسيات 2007 حيث قرر السيد مسعود أن يدعم المرشح سيدي ولد الشيخ عبد الله مقابل رئاسة البرلمان وحفنة من الحقائب الوزارية لصالح بعض قيادي حزب التحالف الشعبي التقدمي. كان ذلك الموقف خاطئا، لاشك في ذلك، ولكنه على الأقل كان مقابل امتيازات كبيرة استفاد منها الرئيس مسعود، واستفاد منها كذلك حزبه الذي منحت له أربعة حقائب وزارية. أما اليوم فكانت الوظيفة التي حصل عليها الرئيس مسعود وظيفة عادية بالمقارنة مع رئاسة البرلمان، أما الحزب وبقية قياداته فلم يحصلوا على أي شيء يذكر، حتى أنهم لم يحصلوا على مجرد اعتذار رسمي من طرف السلطة عن الاهانات التي تعرضوا لها خلال الاحتجاجات على نتائج الشوط الأول من انتخابات 23 نوفمبر، وأذكر هنا، وعلى وجه الخصوص، ما تعرض له النائب السابق لمدينة نواذيبو، وكذلك ما تعرض له العمدة السابق لبلدية ازويرات. 2 ـ قبول الرئيس مسعود لهذه الوظيفة جعله يشارك في انتهاك حرمة المأموريات من قبل اكتمالها، ومع أن الرئيس عزيز قد عرف بعدم احترام المأموريات ( المحكمة العليا، السلطة العليا للسمعيات البصرية، كل المجالس بما فيها المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والذي تمت إقالة رئيسه من قبل أن تكتمل مأموريته لمرتين، في هذه المرة الثانية كان الرئيس مسعود شريكا في انتهاك مأمورية الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمُقال من قبل اكتمال مأموريته). 3 ـ لقد قبل الرئيس مسعود بتعيين كان على حساب مناضل آخر من الشريحة، حتى وإن كان هذا المناضل قد اختار، وفي وقت مبكر، بأن يكون من داعمي السلطة الحاكمة. 4 ـ لقد تخلى الرئيس مسعود عن معارضة السلطة الحاكمة، مقابل الحصول هذه "الوظيفة العادية"، فحسب بعض التسريبات الإعلامية فقد قبل الرئيس مسعود بأن يدعم مرشح السلطة الحاكمة في الشوط الثاني من الاستحقاقات الرئاسية القادمة. ومع أن مفهوم المعارضة في بلدنا قد عانى من التباس كبير، حيث تعددت أشكال المعارضة عندنا، بدءا من معارضة المنسقية، وانتهاءً بمعارضة الرئيس بيجل والتي لم تمنعه من أن يستقبل الرئيس عزيز في كرمسين استقبالا أكثر حرارة من استقبال الحزب الحاكم له، ومرورا بمعارضة بقية أحزاب المعاهدة، وكذلك بمعارضة حزب تواصل والتي تمنعه هو أيضا من أن يتحالف مع الحزب الحاكم ذات حملة انتخابية لتجديد ثلث مجلس الشيوخ. لقد تعددت المعارضات في بلدنا وتنوعت، ولم نعد نعرف من هو المعارض من الموالي، إلا أن قبول الرئيس مسعود بدعم مرشح السلطة في الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية القادمة، قد أخرجه كليا من المعارضة حتى بمفهومها الفضفاض الذي كان يضم الكثير من غير المعارضين. كان على الرئيس مسعود أن يختم نضاله السياسي بخاتمة أفضل من هذه الخاتمة التي تثير الشفقة، والتي لا تليق قطعا بمناضل كبير بحجم الرئيس مسعود.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل @gmail.com