الإذاعة .. الجرأة حتمية من أجل النجاح (تحقيق)

مهمة المدير العام لإذاعة موريتانيا الجديد الأسبق ليست سهلة على الإطلاق ،  فإدارة المؤسسة الإعلامية العمومية الأقدم و الأكثر انتشارا  في  موريتانيا بروح و وسائل  تساير  مفرزات الإنتخابات الرئاسية  الأخيرة ، و تمكن من صنع مادة إذاعية  راقية  تواكب برنامج تعهداتي و تلامس  سقف تطلعات الموريتانيين اليوم  و تصل إلى أغلب الجمهور  مسألة تتطلب التشمير عن سواعد الجد  ،  خصوصا  في ظل منافسة  القنوات و الإذاعات الحرة و حرية فضاء الأنترنت الفسيح و فيسبوك القوي و تطبيقات التراسل الفوري  السريعة والفعالة   .

لا  خفاء :

  لا  يجوز  اليوم في دِين المتلقي  أن تَحجب  الإذاعة العمومية  (ميكروفونها)  عن أي حدث مهما كانت حساسيته و إحراجه المفترض  للسلطة أو التلبيس عليه  أو صقله بوسائل المونتاج  أو  تأجيل  تناوله  حتى  ينجلي العجاج  .. أحرى  أن تصمت  إلا عن استقبَل و غادر  وأشرَف و غيرها من المفردات الخشبية المعتِمة  .

 لا خفاء مع الهواتف الذكية المشبعة بالأنترنت ،  و المدير العام  يعلم  بالتأكيد  أن الجرأة تجلب الجمهور  و يدرك أيضا أن  الممنوع مرغوب و المنافسة شرشة  و المتلقي متعطش لسماع الواقع كما هو  على ألسنة المواطنين الفقراء المعدِمين و أصحاب المظالم  و أهل الشأن مهما كان صادما أو غريبا في إذاعته العمومية  ،  و مع  محترفي  السياسة على تنوعهم .. ، متعطش  لنقاش كل  ذالك مع الجميع  بحرفية صحفي  و ذكاء  مذيع غير  منحاز  .

لكن و إن وجِدت  الإرادة الحقيقية و الإندفاع المطلوب و الغطاء السياسي الضروري  و التوثب المهني  لتناول واقع البلد  دون  مساحيق ،  فإن مثبطا  قويا جدا قد  يقف  في وجه الإذاعة بالذات  دون توصيل مادتها إلى أغلب  الجمهور  ! .

ضعف البث الإذاعي  :

بث الإذاعة ضعيف ،  فكم من مواطن في الأرياف و القرى  لا يجد حقه في الإخبار و التثقيف و التسلية بسبب ضعف البث  الإذاعي ،  و كم من شريك تراجع عن التعاون مع الإذاعة بعد أن  علم  أن البث لا يصل إلى جمهوره المستهدف بشكل جيد   و كم من شراكة مهمة  و دخل  كبير  ضاعا على الإذاعة بسبب ضعف البث .

دون  بث إذاعي  قوي يصل إلى أبعد مدى - و هي مسؤولية مؤسسة أخرى TDM  منذ  تحرير الفضاء السمعي البصري -   سيبقى المجهود الإذاعي  ناقصا  بشكل كبير حتى و لو كانت مضامين المادة الإذاعية نوعية و المؤسسة  بيد  كفاءة ذات تجربة كبيرة  .

غصة في حلق الإذاعة :

مثبط آخر لا يقل خطرا  يقف في حلق الإذاعة و هو ضعف  رواتب الموظفين و المتعاونين على حد السواء  ،  و هذا عامل كبح غير مُعِين  على بذل الجهد  يطفئ جذوة الحماس في نفوس العمال الذين هم  المحرك الرئيسي و القلب النابض للمؤسسة  ، فبعض  المتعاونين يتقاضى 31 ألف أوقية ، و كبار مسؤولي الموظفين في المؤسسة رواتبهم ضعيفة جدا لحد الصدمة  .

و يرى متابعون بأن مراجعة رواتب الموظفين  و تصحيح وضعية المتعاونين سيكون  بالتأكيد  رصيدا هائلا في حساب من يسبق إليه من المسؤولين الذين تولوا و يتولون  شأن  إذاعة موريتانيا (1957-2020) .

سلطة تقديرية  و ضغوط خارجية محرجة  :

مشكلة أخرى كثيرا ما تواجه الرجل الأول  في المؤسسة أيا يكن   و هي قضية اختيار الأشخاص  في  شغل المسؤوليات  الكبرى في الإذاعة ، و تلك  بالتأكيد  مسألة تتطلب قدرا  كبيرا من الإنتباه ،  و هي في الواقع  قضية  تخضع لسلطة تقديرية لدى المدير العام شخصيا  و يتوقف الحسم فيها على عوامل عديدة منها القناعة الشخصية و الضغوط الخارجية و عوامل أخرى يصعب التعبير عنها .

 لكن هذه الجزئية بالذات قد تكون في كثير من الأحيان عامل نجاح إذا ما وظفت بحصافة و هي محور اهتمام كثيرين في أي مؤسسة  و قد تتحول إلى عامل هدم  أيضا  .

تعفن  وظيفي :

 يعتبر متابعون  أن إذاعة موريتانيا تحتاج  إلى تجديد شامل و تغيير جذري بعد سنوات من الكمون  يزيل عنها مايسميه البعض ب (حالة التعفن الوظيفي)  ، فبعض المسؤولين في مناصبهم منذ 10 سنين و البعض في أماكن  معينة من  الداخل منذ 8 سنوات  و البعض مسندة إليه مهمة الأسفار الخارجية منذ 12 سنة ،  في حين  يتطلع آخرون لا تنقصهم الكفاءة  لإشراكهم في شأن مؤسستهم  .

مهمة المدير العام لإذاعة موريتانيا  ليست سهلة بالتأكيد ،  لكن الجرأة في اتخاذ القرارات  المشفعة بالغطاء السياسي الكافي قد  تنتشل الإذاعة من مايصفه البعض ب ( الهوة السحيقة ) .

أربعاء, 06/11/2019 - 17:50

إعلانات