
لا يخفى علي أحد أهمية إيجاد أداة قوية لمراقبة الأموال العمومية ومحاسبة مختلسيها، وخصوصا في المرحلة الراهنة التي تشهد فوضى منقطعة النظير، تبدو ملامحها جلية في مظاهر التباهي والتفاخر بمستويات من الرفاهية تتعدى القدرة الاقتصادية لأصحابها، تدعمها العقلية السائدة بأن سارق المال العام "أفكراش"، كما ترسخها بعض المسلكيات المجتمعية الفاسدة التي تجبر العامل علي الاختلاس، في غياب الوازع الديني، وتدهور المنظومة الاخلاقية التي كان من المفترض أن تكون رادعا في جمهورية إسلامية.
لا أريد تسويغا لسارق المال العام ولكن أريد أن نبدأ من نقطة الصفر، نقطة البداية، لتتضح الصورة أكثر ، وليستأصل المشكل من جذوره، ويعاد بناء مجتمع متماسك قويم يرتكز علي القيم الاسلامية النقية، وهذا يستوجب أن نبدأ بتقويم القيم الإجتماعية العرجاء، وتخفيف حدة الضغط المجتمعي الهائل علي أهل المناصب الإدارية ومتوسطي الدخل، وتشويه صورة السارق ليصبح في العقل الباطني منبوذا.
طبعا تقارير محكمة الحساباب جاءت تقريبا في نفس السياق وأرادت أن تضع النقاط علي الحروف وتظهر المستوى الفظيع الذي وصلت إليه المؤسسات العمومية من الفساد المالي والإداري، وبالرغم من أن ما جاء في التقارير من معطيات صادمة، تعتبر ضيئلة جدا مقارنة بالواقع الحقيقي، لأن بؤر الفساد وخلاياه الخبيثة لم يطلها التفتيش أو علي الأقل لم تنشر تقارير عن ما يدور في كواليسها، ولكن كما يقول المثل "المدرك بالأيام عريان" ومع مرور الوقت سيعرف الرأي العام خفايا ماكان بالأمس وراء الستار، ونتمنى أن تتواجد الإرادة الصادقة لتأخذ العدالة مجراها، ويحاسب أصحاب الملفات السوداء.
سأتطرق إلي الموضوع من زاوية خاصة، سأكتب عن حالة أعتقد أني أعرف بعض تفاصيلها ، سأسلط الضوء علي بعض جزئيات القسم المتعلق ببلدية تفرغ زينة وبتسيير عمدتها السابقة فاطمة بنت عبد المالك في تقرير محكمة الحسابات.
بدأ التقرير بالنظام الداخلي لرقابة الإرادات، دون أن يذكر نقطة قوة هذا النظام الرقابي في البلدية والتحسينات التي أضافت إليه السيدة فاطمة بنت عبد المالك، ففي سنة 2017 تم إستحداث خلية للرقابة والمتابعة تابعة لديوان العمدة ويديرها أحد مستشاريها الفنيين، تقوم هذه الخلية برقابة المداخيل ومتابعة تظلمات المواطنين دافعي الضريبة، ويعتبر إنشاء هذه الخلية إحدي المقاربات التنموية التي تبنتها البلدية لترسيخ الشفافية في التحصيل وتطبيق العدالة الضريبية، وهي في شكلها الحالي موجود فقط في بلدية تفرغ زينة، كان يوجد قسم للرقابة والمتابعة في الهيكلة الإدارية للبلدية تابع لمصلحة التحصيل، ولكن يصعب عليه التدقيق أو متابعة الإرادات لأنه تابع لرئيس المصلحة، لهذا إرتأت العمدة أن تزيد من فعالية الرقابة وتمنحها بعض الاستغلالية فأخرجتها من عباءة المصلحة وأتبعتها لديوان العمدة.
وأشار التقرير إلي أن البلدية تعتمد موردا واحدا لسحب الطوابع الضريبية دون منافسة، ولو إفترضنا جدلا أن البلدية لديها موردا واحدا فهذا لا يعتبر بالضرورة نقطة ضعف كما ورد في التحليل، لأن عملية طباعة الطوابع البلدية تحتاج إلي حذر وإلي أخذ تدابير حماية دقيقة مخافة الإحتيال، وتعدد الموردين قد يبعثر أحيانا المسؤوليات، مما قد يزيد من إحتمالية الإحتيال، وعدم السيطر علي الكميات المطبوعة، إلا أن البلدية أخذت بتدابير إحترازية متطورة من الضروري أن نسلط عليها الضوء لأهميتها في محاربة الاحتيال، فقد قامت البلدية بتطوير شكل الطابع الضريبي لتضيف إليه رقم تسلسلي آمن وتمنحه كود بار خاص به لجعله متميزا عن الطوابع البلدية في باقي البلديات وأكثر أمننا ليستخدم في ما بعد بواسطة برنامج معلوماتي خاص تم تركيبه علي هواتف ذكية بغية التحصيل الضريبي.
وأشير إلي أن البلدية في السنوات مابين 2016 إلي 2018 تعاملة مع أكثر من مورد واحد لطباعة الطوابع الضريبية [ص 117]، وأن البلدية في تلك الفترة لم تحصل من أي رجل أعمال علي جهاز من نوع كيوسرا كهدية ولا عطية [ص 118]، وأما المسيير الذي ذكر في التقرير فقد أحيل إلي التقاعد في بداية 2017 وبدأ وظيفته كمسير في نهاية 2012 وبداية 2013 أي أنه لم يكمل 10 سنوات فترة التفتيش [ص 119]، قد تكون هذه جزئيات بسيطة ولكنها تربك القارىء وتشوش تفكيره.
أما فيما يتعلق "بكرش البطرون" أو وسط سوق العاصمة ، وهو مجموعة الدكاكين التابع تسييرها للبلدية فقد تكلمت بنت عبد المالك عنها في تسجيل صوتي وأوضحت اللبس الذي ذكر في قضية تأجيرها، وتحدث عن عدم دقة بعض المعطيات المتعلقة بالعدد الإجمالي للدكاكين، وأريد أن أضيف إلي أن القاريء لما بين السطور للفقرة التي ذكر التقرير، قد يفهم عكس المقصود، وقد جاء في التقرير أنه "تبلغ الإيجارات الشهرية التي يدفعها المستأجرون من الباطن 100000 أوقية قديمة في المتوسط بالنسبة للدكاكين E و 150000 أوقية قديمة بالنسبة للمتاجر R." [ص 120].
إعتقد البعض وفهم الآخر أن البلدية تستخدم وسيطا لجمع الإيجار، وأنه يستأجر الدكاكين بهذه المبالغ المذكورة ويعيد للبلدية فقد 35000 أوقية قديمة عن R و20000 أوقيه قديمة عن E. والأمر بعيد جدا من هذا التصور، فالبلدية تتعاقد مباشرة مع المستأجرين، وهذه القيم الأخير هي التي صادق عليها المجلس البلدي، لإعتبارات كثيرا، أولها أن البلدية لديها مهمة سامية تتمثل في تقريب الخدمات من المواطن وتخفيف أعباء الحياة عنه، والتاجر جزء من هذه المنظومة وهو المصدر الأول المنعش لمداخيل البلدية، ويستحق أن يتعامل معه بعدالة بحيث يعطى فرصة لدفع المسحقات التي عليه.
وماجاء في التقرير هو تحليل صرف، لتوقعات مداخيل السوق لو كانت قيمة الضريبة علي الحال الذي اقترح التقرير، ولو كان ذالك سهلا لبادرت إليه البلدية لأنها كانت في أمس الحاجة أنذاك إلي زيادة إيراداتها من الضرائب، ولكن الأمر يتعارض وسياسات المجلس البلدي الذي يعمل من أجل خدمة المواطن دون أن يترك فرصة لتسرب المال العام.
وفي الجزء المتعلق بالنفقات، أولا بخصوص غياب اللجوء إلي منافسة [ص 121] فالقانون صريح والآجراءات واضحة، وأعتقد أن المسطرة متبعة لأنه توجد في البلدية لجنة مكلفة بما يتعلق بالمشتريات وتوافقها مع الإجراءات القانونية المنصوص عليها، وكان يترأس هذه اللجنة مستشارا من المعارضة، أي أنه من طيف سياسي مخالف للذي تنتمي له العمدة، وكانت اللجنة المالية مستقلة تماما في عملها ولم تتدخل العمدة أبدا فيه لا بإقتراح ولا بإعتراض حسب علمي، والقول بإحتكار بعض الموردين فذاك قد يكون ناتجا عن تحقيقهم للشروط المطلوبة، فلا أعتقد أن القانون قال بإستبدال المورد بل أكتفى بإكتمال الشروط.
أما فيما يتعلق بالمساعدات الإجتماعية فهي نقطة قوة البلدية، وهي أهم المحاور التي كانت ترتكز عليها استراتيجيتها التنموية، وتكثف العمدة السابقة فاطمة بنت عبد المالك الجهود لديمومتها وليستفيد منها أكثر عدد ممكن من المحتاجين والضعفاء، وكانت البلدية تفتح مصراعيها لتحتضن كل محتاج ومعوز، فلم تكن تفرق بين المواطنين لأن الحاجة لا حدود لها ولأن البلدية جزء من الوطن الكبير، ولأن ميزانيتها حصيلة من ضرائب يدفعونها، فمالهم رد إليهم، وتعميم المساعد الإجتماعية إحدى عجلات التنمية المحلية المحورية، وأهم الأدوار التي يمكن أن تقدمها بلدية لمواطن.
ميزانية البلدية فيها بنود خاصة بمساعدة الفقراء والمحتاجين، ولكن الأمر لم يقتصر علي ذالك فقط، فالبلدية لديها إتفاقيات وبروتوكولات مع المستشفيات والمستوصفات للمساعدة في تقديم الخدمات الطبية للمحتاجين، كما أن لديها اتفاقيات مع بعض المنظمات الدولية المختصة في مجال الصحة، تدعم البلدية في توفير الأدوية وتقديم الرعاية والرفع للخارج خاصة للأطفال المصابين بأمراض القلب والتشوهات الخلقية، وأرشيف المصلحة الإجتماعية يزخر بمثل هذه الحالات الإنسانية، لهذا من الطبيعي جدا أن يستفيد منها شخص ولد في باسكنو أو أزويرات أو لكصر أو مكان إقامته غير محدد ..، وكما ذكرت بنت عبد المالك في التسجيل الصوتي فقد استفاد بعض من عمال البلدية من هذه المساعدات وبررت ذالك بأن العامل جزء من هذه المؤسسة ويستحق عليها أن تدعمه في وقت حاجته وتؤازره وقت كبوته، بل قالت بالحرف الواحد أنها يسعدها أن تساعد عمالها وتدعمهم ماديا ومعنويا ...
وبلدية تفرغ زينة هي البلدية الوحيدة من بين بلديات الوطن التي تمتلك صيدلية خاصة، طبعا للأمر قصة كما الباقي، فقبل أن تكون لها صيدلية كانت البلدية تساعد بعض المرضى المحتاجين نقدا لشراء أدويتهم، وبعد فترة تيبن أن من بين المرضى من يأخذ المساعدة ولا يشترى الدواء، وظهر ذاك من تدهور صحة بعضهم وخاصة المصابين بأمراض مزمنة، فقررت البلدية أن تتعامل مع صيدلية ليأخذ منها المرضى الدواء، ولكن تكرر الأمر فأصبح بعض المرضي يستلم الدواء ويبيعه بثمن بخس للصيدليات، من هنا جاءت فكرة إنشاء صيدلية خاصة توزع الأدوية علي المرضى بجرعات حسب الوصفة الطبية، وبحيث تلزم المريض علي استخدام الدواء ..
وهذا قليل من كثير قامت به فاطمة بنت عبد المالك، التي عرفة بالنزاهة والعدالة، وحب الضعفاء، وبالصدق، والسيرة الحسنة، وكانت بعيدا كل البعد طيلة مشوارها المهني عن التحايل أو سرقة المال العام، وهي لا تحتاج إلي تبريرات، وتقرير محكمة الحسابات لم يصفها بسوء التسيير، ولم يطالبها بإعادة أموال سرقتها، ولكن رداءة التفكير الذي يطبع الساحة العامة، وخبث الأعداء السياسين أصبح يرغم الشخص علي تبرير ما لا يحتاج التبرير، لأن المواقع الأخبارية والوسائط الإجتماعية أصبحت مكتظة بالكلام السخيف، والآراء الضعيفة، فيكفي أن يغرد شخص في موضوع ما حتى يتداول الجميع ما كتب دون أن يتحر الصدق، فأصبح الأمين يتكالب عليه الخصوم، ويرمى في عقر داره بتهم تكاد تهتز الأرض من بشاعتها لولا أن قائلها في أغلب الأحيان غير صدوق.
وقد يكون سبب ظهور بعض هذه الملاحظات الجزئية التي ظهرت في التقارير هو ترجمة التقرير من الفرنسية إلي العربية، لأن جل التقارير صيغة باللغة الفرنسية، كما قد يكون، كما وصف البعض، فيه تحامل وتصفية حسابات، وأستبعد الأخير ولا أجزم بالأول.
أحمدناه ولد أعمين
------------------------------------------------------------------
AHMEDNAH MOHAMED AMOINE
Conseiller du Maire de Tevragh Zeina
chargé de l'Informatique et de la Communication
POINT FOCAL
Campagne pour la Résilience des Villes
Tel : 00 222 22 18 52 58
00 222 33 34 41 30
00 000 44 86 10 14
www.facebook.com/ahmednah