في البدء...انتهز هذه الكلمات لأسدي لكم أجمل آيات الاحترام والتقدير على جهودكم النيرة التي صقلت المسار الديني في البلد لتجعله مسايرا بحضور للجهود المبذولة اليوم كأحد أهم الرافعات التنموية للامة... من هذا المنبر أحيي العلماء الشباب ومن خلالهم أسدي التحية الى معالي وزير التوجيه الاسلامي القاضي والزميل العزير الداه ولد شيخنا على أدائه وحضوره كعالم بصير.
لقد سمحت لي فرصة منع التّجْوال هذا المساء - التي قبلتها مُكْرها راضيًّا - بالتعليق على منشور معلن يتضمن الامر بالمداومة على دعاء كعب الاحبار المأثور، وهو تعليق أتقاسمه من باب الافادة مع علمائنا الاجلاء في وزارة التوجيه الاسلامي. ومع معشر القراء.
#أولا. لا يخفى عليكم أن الدعاء الذي أمرتم بتَكراره أيام هذا الوباء أجارنا الله و إياكم من سوء قضائه رواه الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ" [تحت رقم:3502] فقال : عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ؛ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: " لَوْلاَ كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي يَهُودُ حِمَاراً" فَقِيلَ لَهُ: وَمَا هُنَّ؟
فَقَالَ: " أَعُوذُ بِوَجْهِ اللهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَبِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لاَ يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلاَ فَاجِرٌ، وَبِأَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا، مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمُ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَبَرَأَ وَذَرَأَ " .
ومن طريق الامام مالك رواه الامام البيهقي في "الأسماء والصفات".
#ثانيا لا شك أن هذا الإسناد صحيح عن كعب لأن القعقاع بن حكيم ، وثقه الامام أحمد، و الامام ابن معين ، و نفى البأس عن حديثه أبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات.
كما أن سُمَيًّا مولى أبي بكر ثقة ، وثقه الامام أحمد و والامام أبو حاتم و الامام النسائي.
و أما أبو إسحاق كعب الأحبار بن ماتع الحميري ، فهو تابعي ثقة ، كان من علماء اليهود المتبحرين.
#ثالثا هذا الدعاء ليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه من كلام كعب الأحبار ، و هو ليس صحابيا ، بل تابعي لا يرتفع كلامه كما هو معروف عند أهل الحديث.
#رابعا لا شك ولا ريب في حسن هذا الدعاء غير ليس من أذكار الصباح والمساء ولا من التوراد التي يطلب من المسلم المداومة عليها بخلاف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يؤجر على المداومة عليه قطعا.
#خامسا يغني هذا الدعاء ما ورد صحيحا عن رسول الله وهو مشابه لهذا الدعاء فقد روى الإمام أحمد و ابن أبي شيبة و الطبراني وذكره ابن السني في عمل اليوم والليلة وصححه الامام الألباني [حديث رقم:15461] ، عن أبي التَّيَّاحِ، قَالَ: " سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَنْبَشٍ: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ؟ ، قَالَ: جَاءَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَوْدِيَةِ، وَتَحَدَّرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْجِبَالِ، وَفِيهِمْ شَيْطَانٌ مَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ، يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَجَاءَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: (يَا مُحَمَّدُ قُلْ)، قَالَ: ( مَا أَقُولُ؟ ) قَالَ: ( قُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ، وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَذَرَأَ وَبَرَأَ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ، يَا رَحْمَنُ ) فَطَفِئَتْ نَارُ الشَّيَاطِينِ، وَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.
#سادسا يتبين أن الصيغة النبوية الصحيحة التي يؤجر المداوم عليها لورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم هي كالتالي:
[أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ، وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَذَرَأَ وَبَرَأَ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ، يَا رَحْمَنُ].
#خلاصة ان الأولى اعتماد الصيغة النبوية بدل الصيغة التي رويت عن كعب الاخبار لأنها مما لا يُتعبَّد بترديده والمداومة عليه بلا خلاف وإن كانت من حسن الدعاء الذي لا مراء في قوله زمن المحن والابتلاءات.
تحياتي واحتراماتي لكم أيها المبدعون الاجلاء أعانكم الله لكل خير وأجزل لكم العطاء وتقبل من العمل الصالح.
محبكم.د.هارون ولد إديقبي.