إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا...

أثناء المواجهة المشتدة والمتصاعدة مع كوفيد-19 يلاحظ وبجلاء أن بلدان العالم كله تتشابه في إجراءات مجابهة الوباء سواء من حيث إغلاق المدن والتجمعات السكنية، أوتسارع عمليات الفحص و الحجر الصحي، وفي المقابل العمل بشكل رسمي ومجتمعي للتخفيف قدر الإمكان على شرائح المجتمع الأولى بالرعاية في كل ما يساعد على إنجاح الإغلاق والحجر..، وأود هنا بالتحديد التنبيه على أهمية هذا الجانب في بلادنا لسببين:

  1. الإغلاق والحجر يحرم أسرا كثيرة من اليسير الذي تحصله يوميا

نعلم جميعا الوضعية الاجتماعية الهشة والضعيفة التي يعيشها أغلب أسرنا وكنا قبل هذه الجائحة نأمل أن نبدأ في القريب العاجل ببرامج ترفع من مستويات المعيشة في البلد خاصة على المستوى الأفقي..، ومع المعايير الصحية التي جاء بها هذا الوباء والقائمة أساسا على مبدأ الإغلاق والحجر، فإنه يجب أن نتجاوز مرحلة تدوير الفشل في السياسات الاجتماعية الذي بدأ منذ عقود فالوضع لا يحتمل تكرار الفشل والارتهان للفاشلين هذا إذا أحسنا الظن بهم...

كان خطاب رئيس الجمهورية في بداية الأزمة لافتا في خلوه من تفاصيل الوباء وسرد أهواله وتركيزه على دعم الأسر الأضعف –وللأسف أغلبنا ضعاف- ووضع بعض الأفكار والالتزامات لتوصيل ذلك الدعم للأحق به – وجلنا مستحق له- ومع علمنا وشبه يقيننا بأن التنفيذ سيثير الكثير من النقد والتشكيك، إلا أن الملاحظات والشكوك بدأت قبل أن يبدأ التنفيذ وهو ما يستدعي من كل ذي رأي إبداء الرأي المختصر الواضح بعيدا عن المهاترات والنكايات والدعايات الممجوجة والتي لا وقت لها الآن، فالجهات الرسمية: ولاة؛ حكام؛ منتخبون؛ رجال أمن وحرس، وكذلك الجمعيات الخيرية، كل هؤلاء لا يرتابون في بعض أحياء نواكشوط التي إن لم تجد من يتصدق عليها بصهريج ماء على الأقل مرتين في الأسبوع لا تروى ظمأها فكيف بما بقي من ضروريات الحياة اليومية..، هذا إضافة لأسر متفرقة في أحياء ربما أغلب ساكنتها أفضل حالا ...

نحن الآن في وضعية استثنائية باستطاعة السلطات إعطاء مرتبات لثلاثين ألف أسرة أو أكثر أو أقل بشكل دائم أو متقطع أو لمرة واحدة ولو افترضنا صدق الاختيار وواقعيته إلا أن المعضلة في اليوم وغدا وبعد غد.. فالمرتبات ونحوها خطط طويلة ومتوسطة المدى.. التدخل ينبغي أن يكون عاجلا والآن...

ورأيي والله أعلم أن نطبق ما سبقتنا إليه دول غربية وآسيوية عدة في هذه المحنة..؛ الجهات التي تشرف على الإغلاق وحظر التجول تتولى توزيع المواد الغذائية وقت الحظر في الأحياء المعروفة والمعلومة للجميع بواقع كمية تكفي لشهر أو قربه -حسب الممكن- وإن أخطأت في أسرة أو أسر تسكن في هذه الأحياء التي يعمها الفقر المدقع فلن يضر خطة الدعم كثيرا...، ويتم توزيع كميات مماثلة أو مقاربة على الأسر القاطنة في أحياء أخرى توضح وضعية مساكنها ضعفها الاجتماعي، على أن تتم المتابعة يوميا لباقي الحالات ذات الوضعية الصعبة..، ويراقب كل ذلك من طرف جهات أخرى تستعين بالجمعيات الخيرية وخاصة غير المسيسة..

  1. تأخير الأولويات مزعزع للثقة بالسياسات

بفضل الله وجوده حصلت البلاد على العديد من الهبات والمساعدات المالية والعينية وذلك بعد اتكالها على الله أولا ثم تخصيصها مبلغ 25 مليار أوقية لمجابهة هذه الجائحة وهي أموال كان القطاع الصحي في أمس الحاجة إليها فغرف العمليات في أغلب مستشفياتنا تحتاج لأجهزة التنفس الصناعي الضرورية للإنعاش وجل المدن تحتاج مختبرات والقائم منها يحتاج التطوير والتزويد بعديد الإمكانيات والمعدات...، هذا بالإضافة إلى ضرورة وضع مقاربة جديدة للتكوين تخرج من عباءة عبادة المستعمر والدوران في الحلقة المفرغة بين الفرنسة والتعريب والسجال السفسطائي بينهما..، ووضع آليات جادة للاستفادة من هذه المنح الربانية في:

- الإسراع بتوفير الحاجيات الملحة للبلد في مواجهة هذا الوباء من معدات كأجهزة التنفس الصناعي بسرعة والاستفادة من تجارب الأشقاء والأصدقاء في تصنيعها محليا خاصة بعدما  أسقطت Medtronic  حقوق ملكيتها الفكرية عن أجهزتها للتنفس الصناعي وشاركت تصاميمها مع الجميع..، ولا أرى أي داع في تأخير الاستفادة من خريجي الكليات ومدارس الصحة الموجودين الآن للأسف في الحجر المنزلي –البطالة- في حين يتسابق العالم لاستقطابهم وفتح ما أغلق أمام غيرهم.

- البدء في تنفيذ مخطط استراتيجي يوسع من البنية التحية العلمية القائمة في المجال الصحي من مراكز وكليات ومدارس ويستحدث أخرى في عموم التراب الوطني حسب الاحتياجات المجتمعية، فالمحن إما أن تبني وتقوم، وإما لا قدر الله أن تهدم وتمحي القائم.

 أردت من هذه الأسطر أن نركز على الأولويات وأن نسعى بصدق لتنفيذها جميعا فنشرك السلطات بما نراه الأفضل، ونتعاون معها وندعمها في ما تراه الأصلح، وكل ذلك بصدق وإخلاص حتى يعلم الله الخير في قلوبنا جميعا فيؤتينا خيره ورحمته.

حمى الله بلادنا من كل سوء، وأرانا الحق حقا ووفقنا لإتباعه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

د.سالم فال ابحيدة

 

جمعة, 10/04/2020 - 13:47

إعلانات