يعنى علم الانثروبولوجيا بدراسة الإنسان اجتماعيا وثقافيا وحيويا، ويقدم بعض الآراء حول خصائصه ورحلته البيولوجية والتفاوت الذي يطبع سيّر البشر وطموحاتهم وطبيعة تفكيرهم، ويعرّف التفريخ بأنه عملية طبيعية أوصناعية يتم بواسطتها تفقيس البيض وخروج الأفراخ.
إن صفة التدليل والصورة الدلالية للثنائي المدلل تحتم توضيحا يفسر طبيعة التوافق الانثروبولوجي وآليات التدجين التي تم من خلالها بناء النسق الذي على أساسه وقع الائتلاف والتنسيق بين الثنائي المدلل الذي شغل الناس على مدى عدة سنوات ووجه الحياة الاقتصادية والسياسية وأغرق البلد في اتفاقيات وصفقات مثيرة ويصعب التملص منها دون دفع أثمان باهظة أبسطها تشويه صورة الاستثمار؛ مدونته وممارسته.
سمات التطابق مبعثا للتآلف:
رغم أنه لم تكن هنالك معرفة تذكر بين الثنائي المدلل ولد عبد الفتاح وولد أچاي قبل قاعة الاجتماع الأسبوعي لأعضاء الحكومة بالقصر الرئاسي فإنهما يتفقان في كثير من الأشياء من أبرزها عامل السن (فهما من جيل السبعينيات) ولكل منهما طموحات بجمع المال ورغبة جامحة في العمل مع مكاتب الدرسات والمجموعات المالية، كما أن طبيعة حضورهما السياسي والمحلي الخجول تفرض عليهما مضاعفة الجهود لتغيير الصورة النمطية لذلك الحضور السياسي، ويتمتع كل منهما بقدرة فائقة على الاختراق والوصول إلى قلب القائد الذي يهون عليهما اكتشاف رغباته وتذليل الصعاب من أجل تحقيقها.
ويتفق معظم العارفين على أن ولد عبد الفتاح موهوب في القدرة على الوصول إلى أهدافه بصمت، من خلال تقديم القرابين لرؤسائه واستهداف أهوائهم بدقة فائقة، ولأنه يحتاج أثناء هذه الممارسة إلى تغطية إعلامية وضجيج جانبي يصرف الأنظار عن الكعكة التي تعد بالطريقة الصامتة كان لا بد من آلة إعلامية تثير ملفات وتفجر لغطا وهو الدور الذي لعبه ولد أچاي بكفاءة عالية.
طحين الجعجعة:
نجح الثنائي المدلل في الوصول إلى قلب الرئيس السابق، ومررا أهم الملفات بالنسبة إليه؛ ومقابل ذلك نجح الثنائي في تكديس ثروة هائلة تقدر بملايين الدولارات من خلال الشراكة في بعض المؤسسات بأسماء صديقة وأخرى حليفة، لكنهما لم ينجحا في حجب علاقتهما بمسيري تلك المؤسسات التي يلاحظ بشكل واضح الفرق بين رقم أعمال معظمها ووثائق التسديد الضريبي لدى دائرة الضرائب (أهم مجوهرات ولد أچاي) وانتهاك بعض هذه المؤسسات للالتزامات والعقود، ويدير هذه المؤسسات منتخبون فرضهم الثنائي المدلل وأحيانا شباب خلقهم هذا الثنائي إبّان فترة العز .
تأمين المصالح من خلال التحكم في المشهد السياسي:
لما أخفق الثنائي المدلل في المحاولات التحريضية لدفع البلاد إلى فوضى سياسية من خلال الترويج للمجازفة بمأمورية ثالثة أقنعا الرئيس السابق بوضع الحزب في حالة استثنائية وتشكيل لجنة تسيير مؤقتة معظم أعضائها مقترحون من طرفهما وأمينها العام ولد عبد الفتاح نفسه وأمين ماليتها فال أنگيسالي الذي عمل معه في لجنة المحروقات في فترة خاصة، ويهدف الثنائي المدلل من خلال هذا العمل إلى التحكم في الجهاز السياسي لفرض أي رئيس ينتخب لاحقا على التعامل معهما باعتبارهما الأداة السياسية في البلد والوجهين الشابين المقبولين لدى عامة الناس، ولتوضيح ذلك فقد ألحا بطلبهما التكليف بالملف اللوجستي والمالي للمرشح الذي حاولا بكل الوسائل جره لشوط ثان لولا أنه يتمتع بقبول جماهيري كسر كل نيات هذا الثنائي.
حتمية التعامل مع الوضع:
لما اكتشف الثنائي المدلل أن الوضع بدأ يأخذ مسارا مغايرا، وأن لجنة برلمانية عهد إليها بالتحقيق في الملفات التي وقعاها ونفذاها كان لابد من التصدي أيضا لهذا الخطر وهذه المرة من خلال اختراق لجنة التحقيق بالبحث عن علاقات الدم وأشياء أخرى، ولم يتم التوقف عند هذا الحد، فقد قرر ولد أچاي تفجير بالون إعلامي يقدم فيه نفسه كما لو كان المنقذ لشركة اسنيم والقريب من عمالها معلنا عن أرباح جنتها الشركة في فترة سلفه وحصلت على أضعافها في مطلع العشرية التي تعكف لجنة برلمانية على التحقيق في بعض ملفاتها، وفي ذات السياق تم اختيار مكتب دراسات فرنسي لتقييم عمل مؤسسات محلية تعمل لصالح قطاع الطاقة والمعادن استقدمت في ظروف خاصة، ولتسيير هذه المرحلة بأبسط تكاليف تم تسخير وسائل مالية كبيرة لإعطائها لبعض المدونين والإعلاميين، كما تم منح صفقات بطريقة استعجالية لبعض العناصر التي يعتقد الثنائي المدلل أنها قد تخفف ضغط الخناع.
هذه هي قصة التفريخ التي يفقسون بها ويفرجون، فتماما كما تتعاطف بعض الدواجن في هذه العملية فتفقس دجاجة بيض أخرى من أجل القيام بعملية التكاثر يتعاون هاذان الشابان ففي السيطرة على المشهد وردم كل هوة بينهم مع أصحاب القرار، وتشويه صورة كل من يحتمل أنه قد يكون المخلص لأمة تم العبث بخيراتها بطريقة صامتة ومُهينة.
وينتظر الموريتانيون على أحر من الجمر من اللجنة البرلمانية الإجابة على الظروف والآليات التي اكتنفت ذلك المسار مستغربين سر بقاء الثنائي المدلل حاضرا في مشهد هو أغرب الناس على طبيعته.
