الكلمة الأنيقة وقانون محاربة التلاعب بالمعلومات

الكلمة _ حيث هي _ تعبير عن أفكارنا ونظرتنا للمواقف والأحداث والأشخاص ، و لكنها أيضا تعبير عن سمونا ورقينا الفكري والأخلاقي من عدمه ، ومع ثورة المعلومات و انتشار وسائل التواصل الاجتماعي على مستويات مختلفة وفي فضاءات رحبة ، أصبح للكلمة تأثيرها الخاص ، وأضحت أناقة الكلمة ورقيها ضرورة لخلق الوعي الجمعي والنهوض بالمجتمع ، فسنت التشريعات والقوانين لضبط إيقاع الكلمة ، وحتى لا تكون مدمرة لحياتنا ، فهي سلاح ذو حدين ، وفي هذا الإطار يأتي التشريع المتعلق بمحاربة التلاعب بالمعلومات
والأخبار الكاذبة .. والذي صادق عليه البرلمان مؤخرا .
إن مثل هذا القانون قد يعتبر انتكاسة في الدول التي بلغت شأوا في الرقي الفكري والحضاري ، ذلك أن المواطن يمارس رقابة ذاتية على كلمته ، و يتجنب بث الشائعات ، و يسعى لتكون كلمته في خدمة مجتمعه في أي موقع كان ، بيد أنه في حالتنا فالوضع مختلف ، حيث الكلمة تستخدم في بث النعرات العرقية ، والنيل من المؤسسات الصحية والأطباء في وضعية حرجة تمر بها البلد، وتروج الشائعات وتنال قيمة في بيئة ملائمة ، حيث الجهل والتخلف وتصديق كل شيئ يقال ..
من أجل ذلك يصبح قانون محاربة التلاعب بالمعلومات والأخبار الكاذبة مناسبا ، ويصبح ضبط إيقاع الكلمة ممكنا ، دون تكميم أو تضييق ..
بيد أن أناقة الكلمة ستكون نتيجتها أفضل للجميع ، فما الذي يضير المدونين والكتاب لو جاءت كلماتهم في منتهى الأناقة والإحترام ، هل كانت السلطات حينها ستضطر لتشريع يتعلق بالكلمة ..
لقد ضجت الساحة الفيسبوكية بصراعات اجتماعية وفكرية استخدم فيها السب والتشويه والكلام الذي لا يليق ، واعتدنا أن نقرأ بين الفينة والأخرى منشورا يدعو للعنف ، وآخر يحرض على سب وشتم الآخر ، و رأينا منشورات تنتهك الأعراض ، ومنشورات " أصحابها يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا... " ، ....
لقد أصبح فضاء " فيسبوك " لا يطاق، والحقيقة أنه تعبير عنا، عن أفكارنا المتخلفة ، وعن أخلاقنا المنهارة ، بل أعتبره يمثل " مخرجات منظومتنا التعليمية خلال العقود الأخيرة "
لقد منحت منصات التواصل الإجتماعي لكل شخص أن يلقي كلمته ، فانبرى الجميع يتهافتون للتعبير عن آرائهم في كل شيء ، فاختلط الحابل بالنابل ، و أصبحت الكلمة مبتذلة كأي شيء ، منزوعة الدسم ، خالية من أناقتها المفترضة ، وفي جو كهذا ، يصبح للصمت حضوره الخاص ، فالصوم عن الكلام السياسي والفكري هو تعبير عن الرأي لا يفهمه إلا الفطناء .
ولئن كان نزار يقول :
كلماتنا في الحب تقتل حبنا // إن الحروف تموت حين تقال .
فإن المدونين أولى بأن يصمتوا بعض الوقت في حضرة الفعل السياسي والثقافي والفكري والإجتماعي الذي يشاهدونه أو يشاركوا فيه ، ( فالصمت في حرم الجمال جمال ) ، و أرى أن الصمت الإيجابي في حرم التحولات الثقافية الكبرى جمال ، وأن العمل بصمت أولى ، فإن كان ولابد من كلام فليكن كلاما طيبا أنيقا ..{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } 

 

زين العابدين علي 

طالب جامعي في مرحلة الماستر حاصل على ليسانس في القانون العام ٢٠١٩

منطقة المرفقات

خميس, 25/06/2020 - 19:14

إعلانات