تعد جريمة الخيانة العظمى المنصوصة في جميع الدساتير الديمقراطية وخاصة في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وتونس والجزائر جريمة سياسية بحته اذا أرتكبها رئيس الجمهورية بمناسبة إساءة استخدامه لوظائفه الدستورية أو محاولة الإنقلاب على الدستور أو عرقلة عمل الجمعية العامة وتتفق جميع هذه الدساتير تقريبا على تعريف هذه الجريمة وعلى اختصاص البرلمان في توجيه التهمة المذكورة للرئيس وإحالته أمام محكمة خاصة تشكل من بين أعضاء الغرفتين وهي محكمة ذات طابع استثنائي لديها الا ختصاص الكامل في تحديد الأفعال التي يمكن تكييفها على أنها خيانة عظمى أو إخلالا من الرئيس بواجباته خلال ممارسته لوظائفه و في كل هذه الدساتير بما فيها الدستور الفرنسي لا تتجاوز العقوبة والطلبات المقدمة عزله بالمصطلح الوارد في الدستور الأمريكي والتوتسي أوتنحيته بحسب المصطلح الوارد في دستور فرنسا بحكم غير قابل للطعن من المحكمة الدستورية ويسميها الدستور الفرنسي "بالمحكمة العليا "وقد تصلالعقوبة منعه من الترشح لمأمورية ثانية ولا يستفيد بحسب الدستور الأمريكيي من حق العفو او استبدال العقوبة بعد الادانة وينص الدستور الفرنسي على الاستبعاد هذه الحصانة الرئاسية وهذا الإمتياز الدستوري القضائي بعد نهاية مأمورية الرئيس بشهر حيث تمكن متابعته قضائيا كواطن عادي أمام القضاء العادي على جميع الجرائم والجنح التي يكون ارتكبها خلال ممارسته لمهامه كرئيس بينما تختص محكمة عدل الجمهورية بنص الدستور الفرسي في محاكمة الوزير الأول وأعضاء الحكومة وهي محكمة دستورية ثانية يترأسها قاض وتكيِّف الجرائم والعقوبات بناء على قانون العقوبات الفرنسي ويمكن لأي مواطن تضرر من عمل الوزراء والرئيس رفع دعوى عليهم بعد انتهاءمهامهم بشهر واحد ولا شك أن مشرعنا الدستوري يستلهم نفس المسطرة تقريبا من المشرع الفرنسي مع اختلافات طفيفة لا تمس روح المسطرة الدستورية المقررة لإنشاء محكمة مختصة بمحاكمة رئيس الجمهورية في نفس الظروف المحددة لذلك ووفق إجراءات نيابية تتضمن سلطة اتهام الرئيس وبنفس المناسبة ونفس الأفعال ومحاكمته على هذا الأساس من طرف الهيئة التشريعية ضمن مسطرة خاصة أراد المشرع الموريتاني أن يمزج قانونا فيها بين القضاة والبرلمانيين بالنص على قطب للتحقيق من القضاة ضمن اجراءاتها الخاصة ودورشكلي للادعاء العام واجراءت مراجعة أمام قضاة التحقيق قبل الإحالة وأمام نفس التشكلة فضلا مع اجراء مراجعة أمام تشكلة حكم برلمانية مغايرة لا توقف تنفيذ الحكم بعد صدوره
والخلاصة هنا هي أن النصوص الدستورية العريقة التي أستلهم منها المشرع الموريتاني هذه المسطرة الدستورية وأهم الإجراءات أمامها تقول بلغة فصحى وبنص صريح لا يحتاج الى تأويل أو تفسير لروحه أن رئيس الجمهورية لا توجه اليه تهمة الخيانة العظمى أمام هذه المحكمة الدستورية الا وقت ممارسته لمهامه كرئيس اذا صدر منه فعل ضمن التكييف الدستوري للخيانة العظمى ولا يعاقب اذا تمت ادانته الا بالعزل والتنحية (الدستور التونسي والفرنسي والجزايري والأمريكي) وهذه المحكمة سياسية وليست جنائيةلا تصدر عنها الا العقوبات السياسية مثل العزل والمنع من حق الترشح مرة أخرى للرئاسة وهذا امتياز وحماية لمركز رئيس الجمهورية في نفس الوقت الذي يمثل سلاح ردع للتوازن بين السلطات بيد السلطة التشريعية التي تنوب عن الشعب في مواجهة محاولة الرئيس الذي يملك في النظام شبه الرئاسي والرئاسي صلاحيات كبيرة وخطيرة اذا انحرف في استخدامها:عسكرية وقضائية وإدارية وسياسية وتشريعيةومن هنا يتضح أن هذه التهمة لا يواجه بها الا رئيس حاكم فعلا وهي تعبير عن رفع حصانته الدستورية وعزله بعد ادانته بجريمة الخيانة العظمى وبالتالي يخرج منها الرؤساء السابقون ولا يتمتعون بها ويحاكمون كمواطنين عاديين على جميع الجرائم التي يرتكبونها ضد الدولة او ضد الأشخاص خلال ممارستهم لوظيفة رئيس الجمهورية في السابق
وفق اجراءات المساطر العادية وأمان المحاكم العادية اذا كانت أفعالهم المشتبه فيها محل شكاية أوبلاغ من الدلةأو أشخاص متضررين منها الى النيابة سلطة المتابعة والاتهام الحريصة على مصلحة الدولة والمجتمع سواء تعلق الأمر بجرائم الفساد أو خيانة أمانة... ويكون هنا القانون الجنائي هو المنطبق وتكون العقوبة بعد ثبوت الإدانة عقوبة جنائية عكس العقوبة السياسية المنطبقة على الرئيس في حالة وجوده في هذا المركز وهذه الفلسفة الفقهية الدستورية والقانونية تحوز شبه إجماع الدساتير في الدول الديمقراطية العريقة واهم دول مغربنا العربي.
الخليل بومن الأمين العام المساعد للاتحاد العربي للقضاة