تمر الساحة السياسية هذه الأيام بوقفات احتجاجية متعددة ، و استغاثات متنوعة تستجدي ضمير حكومة لا ينقصه الغياب، و لا تستنهضه آلام شعب غارق في المعاناة منذ أمد بعيد، بفعل سوء التسيير رغم وفرة الموارد الاقتصادية .
لقد تميز الوضع السياسي خلال الفترات السابقة ، بالشد و الجذب بين موالاة أغراها الطمع فأعماها عن واقع مر يعيشه المواطن ، و معارضة أعياها الحرمان ، لا ترى إلا ما كان أسودا حالكا .. إلا أن ذلك الاستقطاب شكل دائما ثنائية سياسية تعمل بشكل إيجابي من أجل خلق ديمقراطية ناضجة في بلد عربي أفريقي و لو بوتيرة بطيئة .
اليوم و نحن في منتصف المأمورية الأولى للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، فقد آل المشهد السياسي إلى تقلبات في الطرح و كفر بقدسية العهد و الانضباط الحزبي، و إلى انقلابات على المبادئ يصعب معها التنبؤ بما يختمر في وجدان ساسة هذا البلد .
والسياسة في النهاية فن الممكن و لعبة المصالح لا دروسا في الأخلاق.
و إن كان قادة الموالاة يتبجحون بالأخلاق، و يغلفون كل عمل ميداني بها، بغض النظر عن مدى جدوائيته أو حجم مردوديته، وهم في ذلك يغفلون عن قمع السلطات الأمنية من حين لآخر للمطالبين ببعض حقوقهم، و يتناسون حاجة المواطن إلى الماء و الغذاء و الدواء في كل خرجة إعلامية لهم .
لقد رفع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز خلال مأموريتيه شعار تجديد الطبقة السياسية، و ظل في صراع محموم مع المعارضة التقليدية التي أتعبت قبله كل حكام البلد .
ولكنه في النهاية تمكن من انهاكها دون أن يخلق بديلا مقنعا .. و جاء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لينفذ فيها عملية الموت الرحيم برضاها ( لقاءات، تعيينات، اكراميات، علاجات .....) قبل أن تتجدد الطبقة السياسية التي بشر بها صنوه، و إن كانت وسائط التواصل الاجتماعي تشهد مخاضا متسارعا ينبئ عن تشكل رأي عام يتمدد أفقيا .. يرفض الظلم .. يناصر القضايا العادلة، و يسمو على الأطر الضيقة و المقاربات النفعية الأنانية ..
لذا تبدو دفاعات الموالاة قليلة و ضعيفة أمام الكم الهائل من الحقائق التي تعج بها صفحات المدونين .
و لقد شكل ثناء رموز المعارضة التقليدية على النظام الحالي مفاجأة لأنصارهم الذين لا يرون فيه إلا تحويرا و تدويرا لنظامي ولد عبد العزيز و ولد الطايع المثيرين ...
إن رضى الرموز دون الاتباع يشي بخلل يضع المصداقية على المحك، و يجعل القيمة السياسية في مهب الريح .