شبكة المراقب(نواكشوط):في خضم الازمة القائمة بين القضاة الموريتانيين والنائب البرلماني د.عبدالسلام ولد حرمة بسبب تصريحات للاخير وصف فيها القضاء بالفاسد ،وهو ماتولدت عنه موجة من الاساءة على هذا القطاع الذي يعتبر صمام امان واهم ركيزة من ركائز مقومات دولة القانون ،وربما اخطأ الكثيرون في حقه عندما عمموا ولم يستثنوا مع العلم ان اكثر من 97% من قضاتنا على درجة عالية من الكفاءة والاستقامة ولاينبغي رميهم بهكذا اتهامات تفتقر الى ابسط دليل ،والحقيقة ان دولة ناشئة مثل موريتانيا قد تعاني من نواقص في مختلف قطاعاتها ،لكن ذالك لايعني اطلاقا انها ستظل كذالك ،من هنا وجب علينا كسياسيين ومدونين ونخبة مثقفة ان نقف صفا واحدا للذود عن القضاء وان لانتركه مستباحا على السنة السفهاء منا ..وللوقوف اكثر على اهمية القضاء ومواجهة الحجة بالحجة ندعوكم الى قراءة ماكتبه احد القضاة المميزين حول الموضوع:
التصريحات التي صدرت عن النائب والدكتور: عبد السلام ولد حرمة بشأن القضاء كثيرا ما صدر مثلها ولم يتوقف عنده القضاة؛ إما لأنه نقد مهني أو يتعلق بملفات خاصة لصاحبها رأي أو تستثيره عاطفة في موضوع معين دون غيره؛ ولكن مضمون هذه التصريحات الذي يعمم ولا يستثني ويصرح ولا يكني؛ وتوقيت هذه التصريحات من حيث كونها تأتي في إطار التمهيد لحوار وطني ينتظر أن يتضمن تعديلا دستوريا وتغييرات قانونية تمس القضاء ووظيفة القضاء والخشية من أن يكون هذا التصور الهزيل أساسا أو منطلقا لتلك التعديلات؛ أضف إلى ذلك ذيوع هذا المقطع وتداوله على نطاق واسع وكونه بث في وسائل إعلام رسمية؛ كل هذه الأمور لم تترك للقضاة مجالا للتجاهل والرد على هذه التصريحات؛ وطبقا لما سمعت ولما أملك من معلومات فإن الزملاء في مكتب نادي القضاة تريثوا كثيرا وأعادوا النظر في خطوة إصدار بيان والتعليق على التصريحات؛ ولكن حدة التصريحات وتوقيتها وما خلفته من أذى نفسي ومعنوي للقضاة لم يترك لهم مجالا للسكوت وعدم الدفاع عن النفس؛ ويهمني في هذه التدوينة تعليقا على التصريحات وعلى ما أثير حول البيان أن أتحدث عن الحقائق التالية:
أولا: ليس في الأمر نقابية لا تليق بالقضاة؛ فآحاد القضاة مقيدون بواجب التحفظ؛ ولكن الهيآت التي تمثل القضاة لها شخصيتها القانونية ووجودها المستقل عن أفراد القضاة؛ ومن واجبها الدفاع عن نفسها وعمن تمثلهم في مواجهة التهم الصريحة العلنية في مؤسسة إعلامية رسمية وهي صادرة من قائد رأي وصانع قرار في معرض التمهيد لحوار وطني!!؛ ثم إن التحفظ واجب ينبغي أن يقابل بحق هو دفاع الدولة عمن ألزمتهم به؛ ذلك الحق هو دفاعها عنهم وحمايتهم من التهديد والتهجم طبقا للمادة: ١٥ من النظام الاساسي للقضاة التي تحيل إلى مقتضيات جنائية؛ وإذا لم تؤد الدولة هذا الحق من تلقاء نفسها فلا لوم على القضاة إن تجردوا من صفتهم وتقدموا باعتبارهم مواطنين وآحادا من الناس اتهموا في ذممهم وأماناتهم؛
ثانيا: أن هناك فرقا كبيرا وجليا بين النقد الموضوعي وبيان الأخطاء والثغرات؛ وبين التحامل والتجريح الجلي والشتم الكلي المطلق؛ وحديث النائب الدكتور يتنزل بدون ريب في خانة التجريح والشتم لسلطة من سلطات الدولة بكل ما فيها ومن فيها؛ ومن قواعد التفسير القانوني أن اللفظ إذا كان صريحا امتنع البحث عن تأويله؛ ونسي النائب المحترم أنه بوصفه برلمانيا يراقب السلطة التنفيذية لا القضائية؛ وأن الدستور إنما خصص بابا للعلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية وأنه لا علاقة رسمية بين السلطة القضائية والسلطة التشريعية؛ فهو هنا إنما هو صاحب رأي فليقدم رأيه باعتدال ومهنية؛ وإذا خرج عن ذلك فليعلم أن القضاء محمي من التهديد والتهجم بمقتضى قانون نظامي في حكم الدستور هو النظام الأساسي للقضاء في المادة: ١٥ منه؛ وهو محمي بمقتضى قواعد القانون الجنائي؛ كما سبق ذكره آنفا؛وهو ما أشار إليه القضاة في بياناتهم.
ثالثا: هل يتصور أن أكاديميا يصدر في تقويمه للقضاء - إلى حد التنظير لإخضاعه للوصاية- بناء على رأي الجماهير؛ مع احترامنا وتقديرنا المطلق للجمهور وعلمنا أن الشعب هو مصدر كل سلطة، وخدمته غايتها؛ ولكن القضاء بوصفه قطاعا فنيا ويطبق قواعد مرسومة سلفا لا تتفق في كثير من جوانبها مع هوى كل الجمهور لا يمكن أبدا أن يتم تقويمه انطلاقا من تصور الجمهور ورغباتهم؛ أيظن النائب الأكاديمي أن القضاء خدمة نفعية كالماء والكهرباء يستوي في معرفة مدى توفرهما عامة الشعب!!! أنسي الدكتور أنه لم يعرف في تاريخ الأمم والشعوب عدم رضى الجماهير وتنكيتهم على فئة مهنية مثل عدم رضاهم وتنكيتهم على قضاتهم؛ أنسي الدكتور المتخصص قول ابن الوردي في رمليته الشهيرة:
إن نصف الناس أعداء لمن
ولي الأحكام هذا إن عدل
وقول الشاعر الوطني متحدثا بنعمة الله عليه بأنه لم يتول القضاء حتى لا يجني بغض الناس:
ولا قاضيا بين الأنام مبغّضا
لمن لم يكن يوما له بمساعد
إن القضاء يصدر أحكامه التي لا تكون تابعة لهوى أكثر المتقاضين؛ فهي ضد مصلحة المحكوم عليه تماما وستثير سخطه لا محالة؛ ثم هي تصدر على مكث ومهل لا يُرضي المحكوم له؛ ومن ثم يجني القضاء حتما سخط المحكوم عليهم وسخط أقاربهم وأصدقائهم وحلفائهم وما لا يتناهى من دوائر صلاتهم؛ أما المحكوم لهم فقد يرون أن القضاء ماطلهم ولم يعترف لهم بحقهم البين الظاهر إلا بعد لأي وأنه جامل المحكوم عليه كثيرا فلا يرضون عنه.
هذه حقيقة بدهية يدركها كل الناس؛ وحتى القضاة الذين اشتهروا بالعدل واتفق الناس على عدالتهم - وما أقلهم- إنما أنصفهم التاريخ بعد زوال المنصب بالموت أو العزل وبعد خمود الضغينة أما في زمان ولايتهم فقد ظلوا غرضا لسهام النقد ومحلا للشكية؛ وعموما فإن الاستناد في تقويم القضاء إلى تصور الجمهور شعبوية وتسطيح لا تليق بعامة النخبة أحرى بالأكاديميين؛ فمن يتحدث عن القضاء فليعلم أنه يتحدث عن قطاع حساس وعن مهنة ذات طبيعة فنية ومركبة؛ وليتحدث بعلم ووعي أو ليسكت.
رابعا: هل من المنطق أو العدالة في شيء أن نتفهم إخضاع القضاء والوصاية عليه؛ ومن هي الجهة التي ترون أنها ينبغي أن تكون هي الوصية على القضاء؟ وهل يمكن الحديث عن وجود القضاء دون أن يكون مستقلا؛
سيادة الدكتور النائب المحترم: ستكون الجهة التي تنظّرون لإخضاع القضاء لوصايتها هي "القاضية" الحقة؛ فبينوها للمواطنين والمتقاضين ليتوجهوا إليها بدعاويهم؛ ولا ينخدعوا أو يغتروا بما يسمى بالقضاء مجازا!! أهي البرلمان؟ أم هي السلطة التنفيذية؟ أم المتقاضون أنفسهم؟.
من صفحة القاضي: