قاضي يقدم قراءة تحليلية حول أسباب انتشار الجريمة في نواكشوط

هناك تهويل اعلامي لواقع الجريمة في العاصمة انواكشوط التي يسكنها أكثر من مليون نسمه ويتضاعف هذا العدد خلال فصل الصيف مؤقتا ويمثل٨٠ % تقريبا من سكان العاصمة بعض المواطنين الوافدين حديثا الى المدينة من الأرياف والمدن الداخلية  مع مطلع العقد الحالي والعقد الذي قبله التسعينات هذه الهجرة الكبير ة والهجرة الموسمية خلقا انفجار ا ديمغرافيا في العاصمة عززته التوزيعات الكبيرة للأراضي على المواطنين في نواكشوط   حيث ترتب  عن ذلك وجود مئات الأحياء الشعبية الفقيرة  في أطراف العاصمة دون مواكبة ذلك بتوفير الخدمات الأمنية و المدرسية والصحية  والتشغيلية والترفيهية القادرة على امتصاص حاجات الوافدين الجدد من المدن الداخلية لذلك كان النتيجة الطبيعية لهذا التمدن العشوائي هي خلق بئات صالحة التكاثر وتطور الجريمة
وهي بئات اهم ما يميزها البطالة بالنسبة للقائمين على الأسر والتسرب المدرسي للأطفال بسبب عجز الآباء عن القيام على حاجات الأطفال فعمالة الأطفال في سن مبكرة بعد تسربهم ومحاولتهم تحمل المسؤولية في هذه السن المبكرة في هذه الحالة وفي أحسن الأحوال وفي حالة ايضا ترك الأب للأسرة لنفس السبب الاقتصادي او وفاته اوفاة الأم او فاتهما معا وحتى في ظل وجود اطفال أحيانا نتيجة لعلاقات غير شرعية حدثت هروبا من تحمل المسؤولية في واقع لا يرحم كهذا مع استمرار تزايد الحاجات في المدينة وهي حاجات لم تكن ضرورية بالنسبة الأرياف في أحسن الأحوال يكون الأب حارس موقف سيارات ليلا او حارس مخزن او صياد بسيط او بائع خضار او حمال او صاحب عربة يدوية او عربة حمار يتبادل مع أبنائه  القصر العمل على هذه العربات ان وجدت والأكثر حظا يكون سائق تاكسي او سائق شاحنة او مالك سيارة تاكسي متهالكة او مروج بضاعة في الأسواق او محول رصيد او حلاق او مصلح  سيارات او عجلات او كهربائي او اسكافي او عامل منزلي  بسيط او لحام او جزار او بايع ملابس مستعملة او بايع صغير للسجائر او ائع النعناع او المساويك أو سلاخ أو بايع مشوي او جندي او شرطي بسيط او معلم عقدوي او حارس امني خصوصي بعض هؤلاء  يعيلون  عدة أسر الخ هذه المهن رغم انها توفر حياة شريفة وصاحبها كريم نفس الا ان حاجيات المدينة لا ترحم حتى الموظفين الكبار والمتوسطين  الذين يعبرون باستمرار عن عدم قدرتهم على التكيف مع هذا الواقع فيظل استمرار ارتفاع الأسعار وثبات الأجور وتزايد حاجيات المدينة الليبرالية التي لا ترحم في ظل التطور الرقمي والتكنلوجي الذي ربط العالم وكاد يوحد حاجيات مجتمعاته وطموحاتهم رغم اختلاف الواقع الاقتصادي والاجتماعي لكل بلد عن الآخر هذ العوامل كلها مجتمعة خلقت جيلا من مواليد تحديد ا منتصف التسعينات وبداية الفين يفكر انطلاقا من نمط جديد من التفكير الغريب على منطق مجتمعنا التقليدي المحافظ والقتوع ورغم أن الفقر عامل أساسي وسلبي في خلق جو يوجه هذه الأجيال نحو ارتكاب الجرائم الا أن الغنى بدوره كان سببا رئيسيا للانحراف نفس الأجيال الغنية بسب التدليل المبالغ فيه والتحمل المبكر للمسؤةلية بمساعدة الأسرة توفير السيارات للمراهقين والأطفال وآخر صيحات الهواتف ومنحهم المبالغ الكبيرة وسفرهم بمفردهم الى دول خارجية للراحة دون رقيب فكانت النتيجة واحدة وهي الانحراف والميل إلى ارتكاب الجريمة عند الفقراء بدافع الفاقة والنقمة احيانا ومحاولة إشباع الرغبات بطرق غير شرعية بعد أن استحال ذلك واقعيا فيما تحدث هذه الميول عند أبناء الأغنياء من نفس الجيل ونفس الفئة العمرية بدافع الحصول على المتعة  وفق سلوك جديد بعد أن اشبعوا جميع رغباتهم على حساب الأسرة وفي سن مبكرة وفي الوقت غير الصحيح هنا يبدأ البحث ومحاولة اكتشاف سلع جديدة عبر سلوك غير عادي للمزيد من إشباع الرغبات المتجددة و المتطورة عن طريق محاكاة ما يرون في الأفلام المثيرة والأجنبية المدبلجة وحتى الإنترنت في الأفلام الإباحية ويبدأ حل المشكلة هناك عن طريق الشذوذ في السلوك الأمر الذي يؤدي بهؤلاء جميعا الى البحث عن تلك المادة السحرية التي ستوفر لهم ما يعتقدون انه وقت ممتع خارج واقع  لم يعد لديهم الحافز لمواكبته بسب التدليل بالنسبة لأبناء الأسر الغنية والفقر والطلاق والتسرب المدرسي بالنسبة لأبناء الأسر الفقيرة ومنذ نهاية التسعينات الى اليوم بات بلدنا يتوفر على سوق محلية سوداء لبيع  المواد المخدرة وصناعتها في ظل وجود أجيال مستهلكة تدر بأرباح كبيرة على تجار هذه المادة السامة واغلب موزعي هذه المواد هم من دول أجنبية حيث يوجد آلاف الصيادين بشواطئنا ومقيمين بلادنا من السنغال يوزعون ويستعملون هذه المواد باستمرار ويشاركهم وملاؤهم الموريتانيون للتكيف مع بيئة البحر مع ان أغلب الموجودين في بلادنا من دولة مالي في مرافئ اصلاح السيارات وفي القطاع غير المصنف موزعين ومستهلكين ويغطي بعضهم على هذا النشاط المربح نسبيا بحرف صغيرة كتلميع
 الأحذية او الساعات او تنظيف السيارات هذا بالإضافة إلى أن بلادنا اصبحت معبرا للمهاجرين الأفارقة الى اروبا بعد قضاء وقت في موريتانيا لترتيب الهجرة غير الشرعية وهذا ايضا رافد آخر لبيع هذه المادة التي قد تساعد هؤلاء اكثر عل  الرحلة  عن طريق بيعها لشبابنا وحتى استعمالها لشد العزم أكثر عند بداية المغامرة الرهيبة  لحظة ركوب البحر ضف الى ذلك أنه مع وجود الذهب بشكل معتبر في الصحاري الموريتانية وبعد توجه عشرات الآلاف أليه بدأت اليد العاملة من مالي والسنغال تتجه إلى الشكات والشامي وكل مناطق الذهب في موريتانيا بالمئات على الأقل ولوحظ أيضا هناك استعمال ملفت لهذه اليد العاملة للمخدرات وقد يتطور الأمر إلى بيعها للعمالة الموريتانية الهشة هناك كما أن الملاهي الليلية وبعض المطاعم والمقاهي والشقق  المعروفة في اتواكشوط اصبحت ميدان وملاذا آمنا لاستعمال وتوزيع هذه المادة وعليه نكون أمام جيل  منخرف  في الغالب ووجد ضالته في هذه المادة التي أصبحت عن طريق المصادر المذكورة متوفرة بشكل كبير  وبأنواعها حبوب مهلوسة حشيش حجر صناعات عطور مسكرة وخلائط أخرى في متناول الجميع   ويتم حتى بيعها وشراؤها  وتناولها في السجون وهذا يفضي مباشرة الى الميل الى ارتكاب الجرائم دون أي وازع أخلاقي فمادة  المخدرات تقوم علميا بالتأثير على المخ لاستدراج المواد  الكيماوية المثير ة  للنشوة والسعادة من خلال استبعاد المواد المثيرة للشعور بالألم والخوف والقلق بشكل مؤقت يصبح صاحبه في حالة رهيبة من المرض العقلي بسب الخلل الذي أحدثت المادة في جهازه العصبي وفي عقله ويدخل حالة غير طبيعية  لأنه يريد دائما البقاء في تلك الحالة المريحة بعيدا عن الواقع وهو ما يجعله قادر ا على القيام بأي عمل فظيع دون الشعور بألم او تأنيب ضمير وكل ذلك للحصول على هذه المادة التي لم يعد قادرا على تحمل البقاء بدون استعمالها وهنا تحدث الجرائم التي نشاهد اليوم فظاعتها تحت ضغط الحاجة إلى هذه المادة وتحت تأثيرها الذي لايشعر صاحبه بالخوف ولا تأنيب الضمير  بل تتوقف كل مشاعره حين يستعملها وهذا كله يستدعي منا جميعا وخاصة السلطات المعنية والمجتمع الموريتاني برمته لاعتناء بالناحية التربوية للحيلولة دون استعمال أطفالنا للمخدرات ثم محاصرة مصادر هذه المادة المعروفة وتشديد العقوبة على الموزعين بتخصيص مراكز صحية تتوفر على العلاج النفسي والكيمياوي  لغسل هذه المواد من دم  المدمنين الموجودين في السجون والمراكز ومعالجة المستهلكين من أبناء الوطن وتسفير المستهلكين الأجانب ويمكن أن تقوم وزارة الدفاع بتجنيد كل المعرضين لهذه الظاهرة ومعالجة المبتدئين في ثكناتها وأبعادهم عن المجتمع وملئ فراغاتهم بتعلم مهن جديدة والحصول على تعويضات بمقابل
كما أن وزارة الشؤون الإسلامية يمكنها توفير وعاظ ومؤطرين في مراكز حجز القصر والسجون لسد الفراغ الروحي الذي يشعر به هؤلاء ويمكن أن تتعاون وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة  ووزارة الصحة مع هيئات المجتمع المدني والهيئات غير الحكومية الدولية من أجل تولي الإرشاد والعلاج واعادة التأهيل النفسي والاجتماعي والاقتصادي ويمكن أن تحفز وزارة الداخلية ووزارة العد ل  الكثير من هؤلاء الضحايا الموجودين خارج السجن بعد  انتهاء محكوميتهم بعد إعداد إحصاءات دقيقة عنهم وحتى الذين ستجدون في السجن يجب اكتتاب من يصلح لذلك من هؤلاء و محاربة هذه الجريمة بالتعاون معهم بشكل او بآخر للاستفادة من خبراتهم في تتبع توزيع واستهلاك هذه المادة  مع مد المكتب الوطني لمكافحة المخدرات بجميع الوسائل المادية والبشرية ومن هذا المنطلق نستطيع أن نحد من انتشار الجرائم الفظيعة التي بدأت تتطور بشكل لافت رغم أن التهويل الإعلامي لعب دورا سلبيا في هذا الموضوع وربما مشوشا على تفكير السلطات الجاد للحد من هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا والموجودة بشكل كبير وافظع في المجتمعات المتقدمة الأخرى
وفق الله سلطاتنا لما فيه الصواب والله من وراء القصد
الخليل بومن

اثنين, 07/06/2021 - 08:48