قبل أيام مرت الذكرى الثمانون لميلاد الملاكم الآمريكي الموهوب "كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور" الذي سيكون اسمه فيما بعد طوال حياته (محمد علي كلاي) ، وذلك بعد أن اعتنق الإسلام ، هذا العملاق لم يكن يستخدم عضلاته وقبضاته الفولاذية ببراعة فحسب ، بل كان يستخدم عقله أيضا بذكاء ومن أقواله التي تنم عن حكمة وشجاعة ونضج : (لا يجب أن تبقى أي ضربة تتلقاها من دون رد عدا ضربة الشمس!).
لقد أقدم قبل عدة أيام جناة في دولة مالي ـ نجهل من هم تحديدا حتى اللحظة ودوافعهم ـ أقدموا على قتل سبعة مواطنين موريتانيين غيلة و بدم بارد ، أصابع الاتهام تشير هذه المرة إلى الجيش المالي .
لم ولن ينس الموريتانيون جرائم أخرى مماثلة لعل أشهرها وتحديدا في العام 2012 تلك المجزرة الرهيبة التي تعرض لها ستة عشر عنصرا من جماعة الدعوة والتبليغ المؤمنة البعيدة كل البعد عن السياسة ، وكل ألوان التطرف والغلو ، اثنا عشر من الشهداء المغدورين آنئذ كانوا موريتانيين .
القتلة حينها ينتمون لكتيبة من الجيش الرسمي المالي ، وارتكبوا تلك الجريمة النكراء التي تكاد تنشق منها الأرض وتخر الجبال هدا بعد أن حققوا مع الجماعة المغدورة لمدة خمس ساعات ، وتبينوا أنها في طريقها للعاصمة باماكو للمشاركة في مؤتمر دعوي سيعقد هناك.
يومها رغم سوق بعض الحجج الأوهى من بيت العنكبوت ، ورغم محاولتها التنصل من المسؤولية التي كانت تحاصرها كغل من حديد في عنق فاجر من نزلاء سقر ، أوفدت الحكومة المالية وزير خارجيتها آنذاك "تيامان كوليبالي" ، ليعبر كبير الدبلوماسيين الماليين بخجل ولكن بوضوح عن تعاطف وأسف الماليين جراء ما حصل لا أكثر!.
لقد دانت السلطات الموريتانية حينها ـ اللا مبالية في الغالب ـ ماحصل وطالبت بتحقيق شفاف ومستقل يتم إشراكها فيه ، وصولا إلى معاقبة القتلة ، فأين نتائج ذلك التحقيق؟ وأين وصلت تلك المحاسبة ؟
إن الهوان والذلة لا يصنعان سلاما ولا هيبة ، لقد داس الماليون مرارا على كرامتنا واستباحوا دماء أبنائنا فمتى نصرخ عليهم : كفى؟ ومتى نلوح في وجوههم بقبضتنا؟
صحيح أن مالي يغلي ويفور منذ عقود كمرجل ساحرة شريرة ، وساحة صراع بين مختلف القوى الدولية والمحلية ، والمنطقة بأسرها تعيش من الويلات ما يجعلها في غنى عن تعقيدات جديدة ، لكن إلى متى سنظل نتنازل عن دماء أبنائنا؟
إن أبناءنا هم أفلاذ أكبادنا ، ودماؤهم سقف كرامتنا ، ويجب أن لا تضيع في المجاملات الدبلوماسية واللا مبالاة الرسمية التي تعودتها الحكومات المتعاقبة.
إن تحقيقا شفافا يتم بالتعاون بين موريتانيا ومالي بهدف تحديد المسؤولين أمر ملح وجوهري ، إذا كان القتلة من مليشيات الحرب في مالي وعصاباتها غير الرسمية يجب أن ينالوا جزاءهم كاملا غير منقوص، وإذا كانوا جنودا ماليين من حقنا أن نعرف هل تمت تصفية أبنائنا عن طريق قصف عشوائي أم بالرصاص كما حصل مع شهدائنا في العام 2012 ، مع ضرورة المحاسبة والاعتذار الرسمي والتعويض المجزي لذوي الضحايا بشكل عادل جبرا للضرر وتطييبا للخواطر.
خليفتنا الراشد وإمامنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان يقول : (لكل مقام مقال ، ولكل دولة رجال) ، لذا اشرحوا أرجوكم أيها الرسميون بنبرة حادة ولغة متشنجة "إكلام أهل الشرك" للسلطات المالية أن تردع همجها ، وأن يدقق الجندي المالي ـ الذي سيتنازل عن كل قيم الفروسية والنبل ـ قبل أن يصوب رصاصه الغادر إلى ضحاياه هل هم أزواديون أم بيظان موريتانيون؟ وهل هم "إفلان" من بني جلدته ووطنه أم أنهم إفلان من أبنائنا نحن على الأقل؟
محمد محمود إسلم عبد الله