أسدل الستار أمس الاثنين الموافق ٣١ يناير على الدورة البرلمانية من العام -٢٠٢٠٢٠٢١. وهي مناسبة لأهنئ زملائي النواب على نهاية سنة حافلة بالأخذ والعطاء، متمنيا أن تكون سنة ٢٠٢٢ -٢٠٢٣ أكثر أخذا وعطاء وأن يرفع الله عن أمتنا وباء الكوفبد وأن نستغل الوقت للدفع بوتيرة التقدم والنماء في ظل الأمن والاستقرار ومزيد من الوحدة والانسجام الاجتماعي..
لقد تميزت نهاية هذه الدورة بحدثين هامين : خطاب رئيس الجمعية الوطنية النائب الشيخ أحمد ولد بايه، ثم إنها تزامنت مع منتصف مأمورية رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني. وقفتان، سأعرج عليهما في هذا المقال:
1- في كلمته الختامية للدورة العادية لسنة ٢٠٢٠-٢٠٢١، عاد رئيس الجمعية السيد الشيخ أحمد ولد باية الى مضامين خطاب رئيس الجمهورية في وادان، مركزا على القضايا الكبرى التي جاءت في الخطاب: نقد العقليات المتخلفة والموروث الثقافي السلبي، والتخلي عن المسلكيات المعيقة للتنمية، بناء دولة العدالة، دور النخبة في تحريك المجتمع والدفاع عن القيم الايجابية، نبذ القبلية و الفئوية والصور النمطية..
"من هنا - يقول رئيس الجمعية الوطنية- تأتي أهمية الآراء التي عبر عنها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في مدينة وادان والتي دعا من خلالها المواطنين إلى تجاوز رواسب كافة أشكال الظلم في موروثنا الثقافي وإلى تطهير الخطاب والمسلكيات من تلك الأحكام المسبقة والصور النمطية الزائفة".
وتساءل السيد رئيس الجمعية الوطنية ، السيد الشيخ أحمد ولد بايه، في ذات السياق: "هل يعقل مثلا، ونحن في القرن الحادي والعشرين، وبعد ما يزيد على ستين سنة من ميلاد الجمهورية، أن يلعب موظف عمومي أو أي منتسب للنخبة دور الزعيم القبلي بشكل علني وبدون خجل؟ وأي منطق شرعي يبرِّر محاولة البعض حصر حق الإمامة في عائلات معينة، ونحن في دولة ينص دستورها على أن أحكام الدين الإسلامي هي المصدر الوحيد للقانون؟
وخلص رئيس الجمعية الوطنية إلى أن الشريعة الغراء حددت المكانة الاجتماعية بمن يتصف بالتقوى و القرب من الله جل جلاله، بعيدا عن تصوراتنا الاجتماعية الزائفة، كما أولت إمامة الصلاة لمن يحمل العلم و يتخلق به، هذا من جهة ومن جهة أخرى، يقول السيد رئيس الجمعية الوطنية بأن الأمر هنا ، وفي خطاب فخامة رئيس الجمهورية ، لا يتعلق بمحاكمة التاريخ "بقدر ما هو تطلع إلى أن تحمل النخب الدينية الحالية من مكونات مجتمعنا الأربع، مشعلَ تنقية الدين الحنيف مما يضر به وبلحمة المجتمع.
فإذا كان شرف مكافحة الاستعباد قد فات على نخبنا حتى جرمته القوانين الدولية، فعليها أن لا تضيّع فرصة محاربة الاعتقادات والمسلكيات المبنية على الباطل، بل يجب أن تمثل رأس الحربة في هذا المجهود النبيل".
العودة الى خطاب وادان من طرف رئيس الجمعية الوطنية وأمام أعضاء الغرفة والحكومة له دلالة عميقة، إنها رسالة قوية الى المجتمع ونخبه بأن الوقت قد حان للتخلي عن المعيقات الثقافية والعمليات المتخلفة التي تقف حجر عثرة وعقبة أمام وحدة المجتمع و انسجامه من جهة ومن جهة أخرى فهي تقف أمام حصول تنمية حقيقية وبناء دولة العدل والقانون والمساواة.. و الرسالة الأقوى الى النخبة الوطنية أن عليها أن تعود الى مضامين خطاب رئيس الجمهورية في وادان وتنتصر له لتحديث المجتمع حتى يتم نبذ موروث ثقافي عزل بعض المحتمع عن بعضه ، و لا يفتأ ينسج خيوطه العنكبوتية للتمييز والاحتقار والتهميش بين فئات المجتمع..خيوط يسهل قطعها بمجرد اقتحامها..
2- تأتي نهاية هذه الدورة، كما أشرنا في مستهل مقالنا، بعد مضي نصف مأمورية فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، ومن الطبيعي أن تنقسم الآراء حول تقييم هذه الفترة نقدا أو تثمينا ، تجديفا أو مدحا..
و مما أتبينه بدوري ، ودون الخوف من الوقوع في حيز المبالغة والإطراء، أن فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال هذه الفترة القصيرة، قد أظهر خصائص وقدرات سياسية و تنظيمية كبيرة، أبهرت المعارض قبل الموافق .. حيث تمكن شيئا فشيئا من الإقناع بشرعيته السياسية، ويضم إلى دائرته طيفا واسعا عبر الاستثمار في مناخ السلم والمبادرات الإيجابية، في محاولة لإنتاج رؤيته الخاصة التي تتمحور حول تقديم مشروع مجتمعي لبناء دولة القانون والمساواة والعدالة الاجتماعية..
و إننا، كسائر النخب الوطنية المنضوية تحت لواء الأغلبية الداعمة و المناصرة، ، انخرطنا بكل قناعة وإيمان في هذا المشروع و ساندنا برامجه التي أقيم عليها فدعمناها بكل ما لدينا من قوة وسند.
لكن السؤال المطروح بالنسبة لي ليس متعلقا بما قدمه فخامة رئيس الجمهورية ، وهو كثير ، ولكن: ما ذا قدمنا نحن؟
إن دواعي المرحلة السابقة ، أعني ما مضى من مأمورية فخامة الرئيس، كانت قد أدت الى اختيارات، حظي بالثقة فيها من حظي لكن - وبعد ما تغيرت الظروف و تم تحديد الاتجاهات في الملفات الكبرى، وبرزت إشكالات ورهانات جديدة تتطلب خبرة وعلما ، لا بد في تقديري، لمن هم على استعداد وقناعة، ويمتلك الاهلية لاستكمال برنامج تعهدات فخامة الرئيس من مضاعفة الجهود والقيام بالمستحيل، حتى لا يقع النظام في العجز او تلقى المسؤولية على كاهله.. ويجري عادة أن يتنكر البعض لأي نظام حين تحصل الأزمات ومن ثم يقفز من كان على الحافة حين يظن أن القارب سيغرق..لن يغرق القارب بحول الله، ولن تتعثر مسيرته..
صحيح أن ثمة محطات للتوقف، تستوجب مراجعة الآليات والميكانزمات وفحص الماكينات واختبار العمال والمهندسين.. و حينما جرى الحديث عن التأخر في تحقيق البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس، تم الإعلان عنه بصراحة وشجاعة سياسية نادرة و من أعلى المستويات.. مما يدل بوضوح على أن الثقة في الكثير من الأوقات لم توضع في محلها..وقد آن الأوان لغير المقتنعين او غير القادرين على مواكبة الركب أن ينزلوا عن القارب الذي لن يرسو إلا حيث يريد له قبطانه الماسك بالدولاب..
خلال سنتين ونصف التقى فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أغلب الطيف الوطني، وتخللت تلك اللقاءات تسوية للكثير من الحقوق والقضايا العالقة، وتم إنصاف وتبني قرارات وطنية كبيرة. وكان لهذا المناخ الهادئ هدف سام هو الاستعداد التام لحل المشاكل العامة والخاصة. إذ لم يتغير استعداد فخامة الرئيس لمساعدة مواطنيه على جميع الاصعدة. و لم يقف دون إنجاز أو تنفيذ مشروعه المجتمعي الذي بشر به ..لكن ما يلاحظ أن البعض استغل هذا الوضع لصالحه ووظفه لقضاء حاجات في نفسه.. في لعبة سياسية غير نزيهة، تسعى لفض الإجماع الذي امتاز به فخامة الرئيس من بين جميع رؤسائنا، أو أنها في أحسن الحالات، تسعى للسحب من الرصيد السياسي للأغلبية و النزول في بعض ساحاتها و التشويش عليها..هي لعبة قذرة لا تخطئها عين اللبيب..
على الحكومة والإدارة العمل على مضاعفة الجهود خلال هذه السنة 2022 لتجعل منها سنة غير عادية حتى نحقق فيها المستحيل ونتلافى ما ضاع من وقت وعمل في الفترة السابقة..
نعم . توجد نواقص . لكنها ليست غالبية و لا ينبغي لذكرها أن يقلل و لا أن يسفه الإيجابيات والمنجزات الكثيرة، إلا أن الآمال المعلقة على فخامة رئيس الجمهورية عريضة و طويلة...
ويعلم الجميع أن فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد تسلم الدولة في ظروف صعبة ..
و الإدارة مدمرة بالنسبة للتراتبية وبالنسبة للكفاءة والأهلية والتحصيل العلمي، كان الوضع السياسي يشبه البركان.. انسداد وتطاحن وعدم ثقة ومحو الآخر ، و كل المؤشرات ضعيفة
لقد مكنت الخطط المتبعة والمبادرات، من حشد الدعم المالي و خلق آلاف فرص العمل للشباب والعاطلين وتقديم الدعم المباشر لآلاف الأسر المستهدفة..و تم الاعلان عن برامج طموحة على مستويات عديدة، و تم تنفيذها..
ومع تفاقم الأزمات جراء وباء كورونا الذي أوقف كل شيء وخنق الاقتصاديات العالمية ودمر المنظومات الصحية، تصدى فخامة الرئيس للوضعية بكل شجاعة وحكمة، وكان النجاح حليفه الى درجة كبيرة..
اليوم، مرت الموجة الرابعة من هذا الوباء، والحمد لله أنها كانت أخف ضررا ، وبناء على التجارب العالمية الناجحة و على تجربتنا خاصة ، وبالنظر الى حقائقنا الاجتماعية والاقتصادية، سنستمر في الحرب ضد الوباء دون الحاجة الى الإغلاق الاقتصادي..
قد يستغل البعض الوضعية العالمية التي تسبب فيها الوباء لتنشيط الحملات الإعلامية في سعي لتشويه النظام وإضعاف قبضة الرئيس على الحكم . لقد باءت وستبوء تلك المساعي بالفشل ، رغم ضعف الأداء الإعلامي لقوى الأغلبية ، وهو أمر مدهش ويبعث على تساؤلات كثيرة..
إن النخبة والحكومة وأجهزة الدولة وكل الغيورين على الوطن مطالبون بتجسيد خطاب وادان في حياتهم وفي أعمالهم وفي علاقاتهم.. وسيتحقق ذلك بحول الله و هو المستعان..