بدأت قصة اليورانيوم منتصف شهر ديسمبر 2017، حين منحت الحكومة الموريتانية رخصة استغلال منجم "تيرس" شمال البلاد لصالح الشركة الأسترالية (Aura Energy)، أورانارجي، لاستخراج اليورانيوم، مقابل 15% من عائدات الإنتاج تصرف سنويا لخزينة الدولة الموريتانية، في حين توقعت الشركة يومها أن يبدأ الإنتاج الفعلي وتصدير اليورانيوم، بعد اكتمال بناء المصنع، ليبدأ منتصف سنة 2020.
انتهت سنة 2020 وانتهت السنة التي تليها، وجائت سنة 2022 ولا تزال الشركة الأسترالية تبحث عن تمويل لبناء مصنع الإنتاج في منجم تيرس شمال البلاد، ولا يزال حلم إنتاج وتصدير اليورانيوم يراود شباب موريتانيا الطامح لغد مشرق تسوده النهضة الشاملة والنمو المتسارع والرفاه المشترك والثراء السريع، فما قصة معدن اليورانيوم في صحراء تيرس المعطاء، الغنية بأسرارها وجمالها وهدوئها وصخبها ومعادنها النفيسة.!
اليورانيوم معدن نفيس وثمين، يصنف من المعادن الثقيلة والمشعة ويرتفع الطلب عالميا على هذا العنصر بسبب أهميته وندرته، وتسعى دول العام المتقدم إلى توفير حاجياتها من هذه المادة النفيسة التي تستخدمها الدول الصناعية في المفاعلات النووية التي يتم استغلالها لتوليد الطاقة، في ظل التنافس العالمي الشديد على مصادر الطاقة حول العالم والحاجة المتزايدة لمصادر طاقة بديلة ونظيفة.. عالميا، الدول التي تنتج اليورانيوم قليلة جدا لا تتجاوز 15 دولة ونسبة 80% من الإنتاج العالمي من هذا المعدن توفرها كازاخستان (42%) وأستراليا (16%) وكندا (12%) وروسيا (8%). الدول العربية خارج قائمة الدول المنتجة لمعدن اليورانيوم، على الرغم من وجود احتياطي كبير من هذا المعدن في المملكة العربية السعودية والجزائر، لكنه يبقى مجرد مخزون احتياطي تحت الأرض تم اكتشافه منذ عقود ولم يتم استغلاله حتى الآن، وربما يكون التأخر في استغلاله عائدا إلى أن الجزائر والسعودية دول عربية غنية اقتصاديا وماليا ومن ضمن قائمة الدول الغنية المصدرة للنفط والغاز، وربما توفر هذا المخزون الاحتياطي المهم للسنوات القادمة، لعها تحتاجه.
تصنف بلادنا إذن من ضمن الدول العربية القليلة التي تتوفر على احتياطي كبير من معدن اليورانيوم، قابل للاستخراج والتسويق عالميا، وقد بدأ التنقيب عن هذا المعدن في بلادنا مطلع الثمانينات من طرف الشركات الغربية الباحثة عن الأرباح، وتواصل اهتمام هذه الشركات، متعددة الجنسيات، بمخزون بلادنا من هذه المادة وطرق استخراجها وتنوعت الدراسات على الصخور والتربة في صحاري تيرس الغنية شمال البلاد.
قبل طلب الحصول على رخصة الاستغلال سنة 2017، كانت شركة "اوراانارجي" الأسترالية قد أعدت سلفا دراسة جدوائية على منجم تيرس وأكملت التحاليل المخبرية، بمختبرات المعهد الوطني للطاقة النووية في استراليا، على عينات من التربة والصخور تم نقلها من منجم تيرس للتحليل والدراسة، وأثبتت النتائج الجدوائية التجارية للمشروع وقابلية البيع والتسويق لليورانيوم المكتشف في المنجم، كما أثبتت استخلاص أوكسيد اليورانيوم بمعدل نقاء مطابق للمعايير المعتمدة دوليا.
أشارت الشركة في ملخص دراسة الجدوائية لمشروع استغلال منجم تيرس ببلادنا، أشارت إلى أن هذا المشروع يصنف حاليا من أهم مشاريع استخراج اليورانيوم حول العالم، وذلك لعدة أسباب فنية وتجارية من أهمها انخفاض تكلفة المشروع الإجمالية (حدود 75 مليون دولار أمريكي)، والتي يمكن استرجاعها في غضون ثلاث سنوات من الإنتاج، حسب الشركة، وكذلك حجم الاحتياطي الكبير الذي تم اكتشافه في المنجم (50 مليون رطل من اليورانيوم بتركيز إضافي من ثلاثي أكسيد اليورانيوم قدره 250 جزء في المليون).،.، (الرطل هو حدة قياس الكتلة في النظام الانجليزي و يسمي "الباوند"، ويقابله 0.45 كيلوجرام في النظام الفرنسي، أي أن الكيلوجرام الواحد يساوي 2.20 باوند).
شهر أكتوبر 2021، نشرت الشركة الأسترالية تحديثا جديدا لبياناتها حول مشروع تيرس لليورانيوم، وأعلنت اكتشاف احتياطات جديدة في المنجم بزيادة 10% على المخزون السابق، ليبلغ إجمالي احتياطي المشروع 57 مليون رطل من اليورانيوم، وعبرت الشركة عن سعادتها بهذه الاكتشافات الجديدة. كما أعلنت الشركة في نفس البيان عن إبرام اتفاقية شراكة جديدة مع الشركة البريطانية المتخصصة في استخراج اليورانيوم (Curzon Uranium Trading, UK)، بموجب الاتفاق الجديد ستوفر الشركة البريطانية للشركة الأسترالية سيولة على شكل قرض مالي قدره 20 مليون دولار أمريكي مخصصة لتسريع جهودها استخراج اليورانيوم من منجم تيرس بموريتانيا (تمويل بناء مصنع الانتاج أولا)، مبلغ 10 مليون دولار يصرف في الحين، و10 مليون دولار يتم صرفها لاحقا عند الطلب، في المقابل تحصل الشركة البريطانية على نسبة 15% من عائدات المنجم لمدة 7 سنوات. واتفق الشريكان، الأسترالي والبريطاني، على بداية الإنتاج وتصدير اليورانيوم من منجم تيرس مطلع سنة 2024.
9 فبراير 2022، أي تحديدا قبل أسبوع من الآن، أصدرت الشركة الأسترالية المالكة لرخصة استغلال منجم تيرس بموريتانيا، أصدرت بيانا جديدا حول وضعية المنجم الحالية وآفاق الاستغلال المستقبلية وكشفت الشركة عن اكتشاف معدن جديد بمنجم تريس هو معدن "الفاناديوم"، وستعمل الشركة خلال النصف الأول من هذا العام 2022 على تحديد الاحتياطي الكامل لهذا المعدن وآليات استخراجه وتصديره، مما سيساعد الشركة في زيادة الأرباح وتقليل التكلفة النقدية للمشروع الأصلي، حسب بيانها، فما هو معدن الفاناديوم؟
الفاناديوم هو معدن ثمين، ويصنف من المعادن النّادرة، ويتمتع بلون أزرق فولاذي، يتحصل عليه عادة من عمليّات صهر الفولاذ؛ ويمكن الحصول عليه كمنتوج ثانوي، مرافقا لليورانيوم في خامات الكرنوتيت المعدني (mineral carnotite)، أثناء عمليّات تعدين اليورانيوم واستخراجه (الحالة الأخيرة هي وضعية اكتشافه في منجم تيرس حسب بيان الشركة). يستخدم معدن الفاناديوم في الكثير من الصناعات التحويلية ومن أهمها صناعة معدات السّيارات الكهربائية الحديثة، حيث تُستعمَل بطّاريات الفاناديوم من أجل تخزين الطاقة لفترات أطول.
لم تعلق الشركة في بيانها الأخير على تاريخ الشروع الفعلي في بناء المصنع وإنتاج اليورانيوم وتصديره من منجم تيرس شمال البلاد، مما يفهم منه التخطيط لمطلع سنة 2024 كتاريخ لبداية الانتاج، كما جاء في بيان الشركةبتاريخ أغسطس 2021.
يتوق الموريتانيون لعصر النفط والغاز واليورانيوم والفاناديوم، بعدما عاشوا لعقود خلت على ريع الحديد والنحاس والجبس والذهب، ويتطلع سكان هذه البلاد لمستقبل مزدهر قوامه إعمار الأرض وتعميرها وتأهيل الانسان وتكوينه وإطلاق مشاريع البنية التحتية وشبكات الطرق والجسور وشبكات الصرف الصحي وتشييد المصانع والمعاهد العليا والجامعات والثانويات والمدارس وبناء المستشفيات والمختبرات وتطوير التعليم وتدعيم المنظومة الصحية ومحاربة الفقر والتخلف والأمراض والأمية وتشغيل الشباب، عشرات المشاريع التنموية المؤجلة منذ عقود، رغم الأرباح الكبيرة وعائدات الذهب والحديد خلال السنوات الماضية، فلعلها تنتظر عائدات الغاز واليورانيوم والفاناديوم، فيا أرض أخرجي أَثقالك من الذهب والفضة واليورانيوم..!
-------
المعلومات المنشورة في هذا المقال مصدرها موقع الشركة الأسترالية وبياناتها المنشورة ومواقع علمية متخصصة.
الدكتور محمد الخليفة، أستاذ جامعي بالمعهد العالي للمعادن-موريتانيا.