لقد أثلج صدري، كغيري من المواطنين البسطاء الغيورين على مستقبل بلدهم، مدى إدراك رئيس الجمهورية لحجم المعاناة وفساد القطاعات الحكومية والمزاجية التي يتم بها تسيير الشؤون العامة في مختلف الوزارات والدوائر الرسمية، وقرأت في قسمات وجهكم، وأنتم تهمون بإلقاء كلمتكم، في حفل تخرج دفعة استثنائية بالمدرسة الوطنية للإدارة، حالة من الغضب والاستياء بدت جلية قبل وبعد حديث فخامتكم الصريح والصادق.
أجل، فخامة الرئيس، كل قطاعاتنا فاسدة، وجل المسؤولين محابون ومتخندقون في تحالفات تخدم مصالح أصحابها على حساب الوطن والمواطن، إلا من رحم ربك وقليل ما هم، ولقد حان الوقت بالفعل أن نحاسب كل هؤلاء وأن تبادروا فخامتكم بمسح الطاولة وتنظيف الواجهة السياسية والإدارية من رموز التلون والنفاق والظواهر الصوتية والاستعراضية التي تملأ المشهد العام بالضجيج حيث الجعجعة ولا طحين.
إذا كان الوزير ، يستنكف أن يكون موظفا عموميا، مع أنه يتقاضى راتبه وعلاواته من أموال المواطنين دافعي الضرائب، ومن ثرواتهم، ويستعلي عليهم حيث "يتهجد" في برجه العاجي مع أصحاب الصفقات والنافذين الناهبين لثروات الوطن، في الوقت الذي لا يستطيع أن يستقبل صاحب مظلمة ولا أن يستمع إليه إلا على مضض، ولا يهتم بفحوى شكاوي المواطن وتظلماته، فلا تستغربوا فخامة الرئيس أن تستقبل مكاتب الاستعلام في رئاسة الجمهورية مئات وآلاف الرسائل من كل المتظلمين من قطاعات الدولة، سواء تعلق الأمر بالمتضررين من محسوبية وسوء تسيير قطاع الثقافة و(الإعلام) أو قطاع التنمية الحيوانية أو الصحة أو التعليم بشقيه، التهذيب والتعليم العالي أو الإسكان والاستصلاح الترابي أو حتى الداخلية واللا مركزية والعدل والخارجية، أو غيرها من القطاعات الخدمية المختلفة.
فخامة الرئيس، سيركز الفاعلون من لوبيات الفساد على الأمثلة التي أوردتم في خطابكم فقط، مثل الشركة الوطنية للماء، وشركة الكهرباء والنزاعات العقارية "المداخلات"، لكنهم سيواصلون نفس النهج بعد أسبوعين أو ثلاثة من ترديد شعارات "تقريب الخدمات من المواطنين" وتنظيم ورشات حولها، وإطلالات لوزير الحقائب الأربعة الناطق الرسمي باسم حكومتكم ليفسر مضامين خطابكم على طريقته "الذكية" وهو الأولى بالتقيد بتعليماتكم في الابتعاد عن المزاجية في التعاطي مع الشأن العام وفرقاء قطاعه والفاعلين فيه، وسترون أن حملات إعلامية مكثفة ستشهدها البلاد "تثمينا لخطابكم القيم"، ولكن حليمة لا تفتأ أن تعود لعادتها القديمة لأن المفسدين جبلوا على النهب والفساد والزبونية والمحسوبية والاستهزاء بالمواطن، ولا يمكن بأي حال أن يتخلوا عنها إلا إذا كان ثمة ما يردعهم وهو التفتيش والإقالة والتجريد والمحاسبة والسجن وغيرها، فضلا عن ضرورة تطبيق مبدأ العقوبة والمكافأة على الجميع دون استثناء.
فخامة الرئيس، لقد تعودتُ أن أشفق على من يتولى الشأن العام وحقوق العباد، فإما التوفيق والسداد وإما العذاب والعقاب، ولا شك أن لكل امرئ ما نوى، وأنتم قدمتم برنامجا إصلاحيا متكاملا كان من الممكن أن يشكل قاعدة وأساسا لنهضة شاملة وإقلاعا غير عادي ببلدنا من الحضيض إلى مصاف الدول المتقدمة، والتي تضع خدمة المواطن في مقدمة أولوياتها لكن المفسدين لن يقبلوا بذلك ما لم يرتدعوا فلا تأخذكم بهم رأفة، لأن شكاوى المواطن أصبحت في كل مكان، فبعد أن وصلت ديوانكم بالآلاف، أصبحت مختلف الفضاءات الافتراضية والواقعية تعج بالشكوى والأنين، شعرا ونثرا وبكاء ووجعا، والجميع يحمّل فخامتكم مسؤولية الصمت على سوء أداء القطاعات والمرافق الحكومية التي لا تقدم أدنى خدمة للمواطن لأنه انتخبكم وزكاكم وائتمنكم على همومه ومصالحه ومستقبله.
وكمثال على ذلك هذا مواطن يقول:
هاذ من فساد الوزير
ثقيل وفساد المدير
ثقيل وسوء التسيير
الشعب افرق مات يصرط
عاد إظل أوكوف افلهجير
اعطاش إدوّر مليت بط
وبات افلخله شعب اكبير
وافجّر فايدو بط إبط
وامكدر حالو ذو الأيام
مانعلو دستورو لكلام
فالنظام وعاد النظام
إجوّع وإعطّش وإبط
خيراتو منهوبه كدام
عينيه النظام ألا قط
بزول الخزينة ففّام
امطاليص اعليه ألا مط
والشعب المطحون الهدام
يطّايح عاد أسبط أسبط
وانكظ لحمو واتولسيسو
يذبّح عاد أذبيح السط
والتالي من شي رئيسو
شفتو يامس ذ هارد بط
فخامة الرئيس، لقد وضعتم الإصبع على مكمن الوجع، سواء في خطاب الخميس أمام دفعة الخريجين، أو في كلمتكم للجالية الموريتانية بإسبانيا، فبلدنا رغم ثرواته واحتياطياته المعدنية، التي سردها الناطق الرسمي باسم الحكومة بالأرقام في اكسبو دبي، كلها لا تغني من جوع دون التركيز على المصادر البشرية المؤهلة والنظيفة، والإنسان السوي الذي يدرك أنه حين يصبح وزيرا أو مديرا أو مسؤولا فقد حظي بشرف خدمة شعب وأمة، لا أن يصبح "صاحب المعالي المتعالي" يعيش في برج عاجي بعيدا كل البعد عن هموم المواطن ومعاناته ولا ينزل إلا للاستعراض أمام شاشات التلفزيون وفي مناسبات محددة ومنتقاة.
نعم، وضعتم الإصبع على الجرح ولكن بقي ما هو أهم، ولا شك أنكم أدرى به من غيركم، فما لم تباشروا إقالة كل رموز الفساد والمحسوبية والزبونية في مختلف القطاعات العمومية، وأنتم تعرفونهم أكثر من غيركم، فإن الأمور ستبقى على حالها، خاصة وأنكم أمهلتم وزراءكم، في أول حكومة، ستة أشهر لتقديم أداء متميز، ثم مددتم لهم، وأنتم الآن في منتصف مأموريتكم ولم يتغير شيء كثير، ولم يحظ المواطن من وزراء حكومته سوى بالوعود والفقاعات الإعلامية. وما لم تكنسوا الطاولة بكل هؤلاء، وأنتم أدرى بأدائهم، فلن يتغير شيء ولن تتقدم بلادنا خطوة في الاتجاه الصحيح مهما حملتم من آمال وطموحات كبيرة للتغيير نحو الأفضل.
فخامة الرئيس، من أجل إصلاح جاد وحقيقي، عليكم بما يلي:
- حل الحكومة وتعيين حكومة كفاءات شابة لا سوابق لأي من أعضائها، مع الابتعاد عن التدوير
- حل البرلمان ودعوة الناخبين لانتخاب برلمان جديد،
- منح صلاحيات مطلقة للمفتشية العامة للدولة ولمحكمة الحسابات واعتماد تقاريرهما في تطبيق مبدأ العقوبة والمكافأة،
- ضمان الاستقلالية التامة للقضاء ومنح القضاة امتيازات مادية ومعنوية معتبرة
- توسيع صلاحيات المجلس الأعلى للفتوى والمظالم وتمكينه من إصدار قرارات نافذة وملزمة في التظلمات التي يبت فيها
- إعادة تفعيل دور الإعلام المستقل وضمان الاستقلالية المادية للمؤسسات الصحفية الخاصة، وفتح مصادر الأخبار أمامها، بما يعزز دورها الرقابي والتنويري الذي لا غنى عنه، لأنها ما دامت رهينة الحاجة فلن تؤدي واجبها على الوجه الأكمل،
- حل المجالس البلدية والجهوية وإعادة انتخابها على أسس سليمة
- فرض وجود مكاتب توجيه واستقبال واستعلام في كل الوزارات والقطاعات العمومية
- سرعة التجاوب مع تظلمات المواطنين ومعاقبة أي وزير أو مسؤول تبين إهماله أو ظلمه لأي مواطن أيا كان.
فخامة الرئيس، قد يحمل هذا المقال من المثالية في بلادنا ما يبدو غير قابل للتطبيق، لكن تجارب دول قريبة منا مثل رواندا أثبتت أن الاستقامة والنزاهة والتركيز على المصادر البشرية النظيفة هي الطريق الوحيد لبناء الأمم.
/ أحمد ولد مولاي امحمد