وداعا شرين كشفت في حياتك ظلم المحتل وبمماتك كشفت أنانية رجال الدين وبعدهم عن روح شرائعهم.

وداعا شرين  كشفت في حياتك ظلم المحتل وبمماتك كشفت أنانية رجال الدين وبعدهم عن روح شرائعهم.
تفتقر مفردات مناهج التعليم الديني الجامعي ببلدنا-  مع ما تفتقر له - لمادة التسامح الديني  التي تدرس مادة مستقلة من مفردات الأديان المقارنة في بعض جامعات الغرب الإسلامي.  ( جامعة الزيتونة بتونس  ) . وفي مصر الأزهر الشريف وغيرها .
فكلما كان للطالب رصيد في فقه التعامل مع المختلف قل تصعبه واستظهاره لنصوص لا يفقه معانيها ولا يتأمل مقاصدها و  لا يقف عند مستقر أو مآل تطبيقها المجتذ  عن مناسباتها والقرائن المحتفة بها واختلاف سياقات تنزيلها وتنزلها من وعلى المشرع المبين للوحي بقوله وفعله وتقريره. وروحه وفلسفته التشريعية. وهو أعلم وأحرص على امتثاله وتطبيقه وعموم هديه  للناس كافة ( وما أرسلنك إلا رحمة للعلمين).
يجادلك أحدهم معلقا بآية دون أن يكلف نفسه الرجوع لكتب التفسير لمعرفة الأقوال التأويلية الموجهة لفهمها استرشادا بمناسبتها.وعمل المشرع بيانا لحكمة وفلسفة تطبيقها في حرصه على احترام مشاعر وجبر خاطر ذوى المشمولين بمقتضى الخطاب من صحابته ليكون ذلك التعامل وسيلة جلب واحتضان للمخالف المعايش الذي حفظت له مواطنته في الدولة الإسلامية حرمة مقدساته والدفاع عنها وعن النيل منها.
أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم وهو المبعوث رحمة للعاملين ( ما كان للنبيء والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) الآية ومع ذلك لم يمنع التعامل بإحسان وبر  مع أتباع الديانات الأخرى ما لم يظهروا العداء أو يظاهروا الأعداء ويقفوا في وجه  حرية المعتقد لمواطنيهم '- رسائله للملوك- .
ولهذه الآية عند المفسرين سياق ومساق مفصل بمحله فليطالعه من أراده عند إمام المفسرين المعاصرين الطاهر بن عاشور في  تفسيره الموسوم بالتحرير والتنوير،. وتحدث عن مضامينها مفردا في كتابه أصوله النظام الاجتماعي في الإسلام.
و في الموضوع يكثر الاستدلال بآية النهي عن الصلاة والاستغفار على وللمنافقين. ( ولا تصل ) ( استغفر لهم). وفي التفسير العملي للآيتين  بمناسبتيهما صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم واستغفاره لابن أبي جبرا لخاطر ابنه .
بل  نقل عنه الحديث المروي في الموطأ وغيره من أمره بإخراج ابن أبي الأب من قبره ووضع قميصه الشريف عليه وريقه صلى عليه وسلم ولا نقف عن تأويل الشراح ونقاد الحديث لهذا الفعل ففيه دلالة صريحة على جبر خواطر واحترام مشاعر الأحياء غرسا لقيم التعايش والتسامح بين أتباع الأديان في المجتمعات التي تعرف تعددا دينيا بين مكوناتها  
وظل هذا  نهج ومنتهج علماء المسلمين في الحواضر الإسلامية التي تعرف تعددا عقائديا بالأندلس والشام وإفريقية. يستقبلون أبناء أتباع الأديان في المساجد الراغبين في التعلم - مسجد قرطبة- ويعقدون المناظرات مع أحبارهم  ، مناظرة الباجي وابن حزم مع بعض الأحبار.
ويتبادلون معهم التهاني والتعازي في مناسبات الأفراح والأحزان.
و من شدة الإنسجام بين مكونات هذه المجتمعات أن تجد الأسرة الواحدة تجمع الأديان الثلاثة و هم حذرون من أن يصدر من أحد تصرف يحرج مشاعر الآخر أو ينبه على اختلافه عنه لدرجة أن بعد العوائل المسيحية في الشام تتظاهر بالصوم احتراما لحق الجوار للعوائل الإسلامية.
 وبعد هذا يأتيك  شاب حدث ضيق العطن قليل التجربة قراءة ومخالطة بشعوب العالم فيعلق لك  لا يجوز الترحم ولا الوصف بالشهادة لمن لم  يمت على الإسلام مستطردا لفلان  أو علان وكأن مفاتيح الرحمة بيده أو بيد شيخه وكأنهم ضمنوا خوتيم  أعمالهم و حجزوا مقاعدهم  في الجنة وسيضنون ويحتكرون عن غيرهم عطاء "عظيم العفو غفار. " الذي وصفه بأنه غير مجذوذ. ولا  محظور وسعة رحمته لا حدود لها.
ولو سلمنا  عدم إطلاقها  أو رجائها لغير المسلم فقد لا تمانعون أن للكلمة عرفا لغويا يحدد دلالتها كما لها عرف شرعي فلماذا تضيقون ذرعا بمن أطلق هذا العرف لمن مات دفاعا عن القيم التي جاء بها الإسلام نصرة المظلوم والدفاع عن المقدسات.
 فو الله لولا جهاد هذه الفتاة  التى سقطت في ساحة العركة بصوتها وقلمها وتصويرها  لما عرف العالم حجم المأساة في حي الشيخ جراح ولا الاعتداءات على المصلين المرابطين بالمسجد الأقصى ولا مأساة جنين الصامدة.
سلام على روحك في مثواها الأخير فقد قدمت لوطنك  وللمظلومين في العالم ما لم يقدمه رجال الدين في ملتك ولا الملة التي عشت فيها وتعايشت حضاريا ، الذين ضنوا عليك برجاء الرحمة وأنت تودعين عالمهم الظالم.

د/محمدالحسن اعبيدي

جمعة, 13/05/2022 - 19:55