(مِّنَ اَ۬لْمُومِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اُ۬للَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَض۪يٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّنْ يَّنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاٗ) صدق الله العظيم
تطل علينا اليوم ذكرى ثورة 23 يوليو الخالدة تلك الثورة العظيمة التي كانت نبراسا لكل المناضلين من أجل الحرية والعدل والمساواة في الأمة العربية الإسلامية وإفريقيا والعالم أجمع فعلى دربها المنير سار باتريس لومومبا وتوماس سانكارا، وكانت انتصاراتها محفزا لنيلسون مانديلا ـ حسب اعترافه ـ لمناجزة الميز العنصري، وفي معسكرات جيش التحرير الجزائري تم تدريبه هو ورفاقه بتوجيه من عبد الناصر، كما كان صمود الثورة الناصرية في وجه العدوان الثلاثي دافعا لفيدل كاسترو حسب تصريحاته المتكررة، وكانت ملهمة وسندا للثورة الفلسطينية التي قال عنها عبد الناصر: "إنها أنبل ظاهرة عرفها التاريخ.
أما الجزائر المجاهدة فكانت مصر عبد الناصر قاعدتها الخلفية ومبادئ الناصرية مرجعيتها الفكرية، ولم تكن بلادنا بمنأى عن التأثر بهذه الثورة العظيمة فقد وصل تأثيرها مبكرا إلى بلادنا فاعتنق الشباب الموريتاني المثقف مبادئها وأفكارها النيرة وتعلق شعبنا العظيم بشخصية عبد الناصر ورأى فيه رمزا للتحرر والانعتاق من واقع مزر أهم مقوماته الفقر والجهل والتخلف وزاد من وطأته تحالف العسكر ورأس المال بدءا من أواخر السبعينيات فساد القمع والترهيب والتسريح الجماعي للعمال وطرد التلاميذ والطلاب من مؤسساتهم التعليمية وتحولت موريتانيا إلى سجن كبير وانتشرت المجاعة في الأرياف فكانت ردة فعل الناصريين انتفاضة 1984 العارمة التي غطت أنشطتها المتزامنة كافة التراب الوطني وكانت شعاراتها تعبيرا صادقا عن آمال وآلام شعبنا الذي شكل حاضنة لتلك الانتفاضة، وبقيت شعاراتها على الجدران لفترة طويلة تذكر المارة بأوجاعهم وتدفعهم إلى تغيير ذلك الواقع المقيت، ومن أهم تلك الشعارات:
ـ يسقط التحالف العسكري الرأس مالي
ـ لا للطرد الجماعي للعمال
ـ ضريبة التبرع تساوي ثراء الحاكمين
ـ لا لتجويع شعبنا في الريف
ـ لا للبرالية التعليم والصحة
وقد كلفت هذه الانتفاضة الناصريين شهيدين عزيزين هما: الشهيد سيد محمد بن لبات والشهيد: أحمد بن دداه بن أحمد محمود ناهيك عن عشرات السجناء الذين قاسوا أصناف التعذيب في سجون النظام العسكري الحاكم آنذاك.
وليس واقعنا اليوم بأفضل من واقعنا بالأمس فالبلد مازال يعيش جوا سياسيا مضطربا وأوضاعا اقتصادية تزداد صعوبة وبنية اجتماعية هشة مهددة بالتفكك، ولمعالجة هذه الاختلالات الخطيرة يجب العمل على:
ـ بلورة رؤية إسلامية شمولية بعيدة عن الغلو والتطرف، ومنفتحة على المفيد من علوم العصر وقيمه.
ـ اعتماد اللغة العربية كوعاء للثقافة الإسلامية بين جميع مكونات المجتمع.
ـ استئصال ظاهرة الرق من خلال:
ـتعزيز الترسانة القانونية المجرمة للاسترقاق والعمل على تطبيقها بجدية وصرامة.
ـ توظيف التعليم ومحاربة الفقر والأمية والتهميش لضمان الانعتاق وتحقيق المساواة بين أفراد المجتمع مع إعطاء مناطق آدواب وأحزمة الفقر حول المدن تمييزا إيجابيا مرحليا في هذه المجالات.
ـ العمل على تكافئ الفرص والتوزيع العادل للثروة.
ـ تصفية الإرث الإنساني بصفة عادلة والعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان في ظل دولة القانون.
ـ القضاء على الأمية الأبجدية والحضارية.
ـ توسيع وتطوير الخدمات الصحية والعمل على مجانيتها خاصة بالنسبة للفقراء.
خلق انسجام بين التعليمين الحديث والمحظري سبيلا لتنشئة مواطن متشبث بدينه الإسلامي ومتشبع بالمفيد من علوم العصر وقيمه الإيجابية.
وفي هذا الإطار ننوه بالقانون التوجيهي للتعليم كبداية لتصحيح الاختلالات التي يعاني منها هذا القطاع.
ـ القطيعة التامة مع إملاءات مؤسسات التمويل الدولية ومراجعة النهج الاقتصادي لتحديد غايات اجتماعية واضحة للنمو الاجتماعي.
- دعم الأسعار وزيادة الرواتب.
ـ بلورة نموذج ديموقراطي يربط بين الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية للقضاء على الفوارق الاجتماعية سلميا ويضمن التداول السلمي على جميع المناصب المنتخبة.
ـ اعتماد الحوار وسيلة وحيدة لحل الخلافات وتطوير الحكامة السياسية.
ـ تكوين جبهة وطنية تقدمية تتبنى رؤية جامعة وشمولية لمختلف تحديات التنمية.
إن الارتباط العضوي التاريخي والجغرافي بمحيطنا العربي والإفريقي والتشابك القائم بين مختلف البلدان والشعوب في ظل عالم أحادي القطبية كل ذلك يفرض علينا التعاطي الإيجابي مع مختلف الصراعات والحروب التي تؤثر على مجتمعنا وأمتنا سلبا أو إيجابا؛ فعلى حدودنا الشمالية تشتعل حرب بين أشقائنا لا رابح فيها أبدا، تعرقل بناء مغربنا العربي وتعمق الشرخ بين أعضائه نأمل أن يغلب أطرافها منطق العقل والحكمة والتبصر كما نأمل أن يحتكموا إلى قرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ذات الصلة بالقضية الصحراوية لتسوية هذا النزاع الذي عمر أكثر مما يجب، ونحن وإن كنا نؤمن بالمصير المشترك للشعب العربي الواحد من المحيط إلى الخليج ونسعى إلى وحدته سياسيا واقتصاديا فإننا نؤمن بأن الوحدة لا يمكن أن تتحقق بالدبابة بل تتحقق بالوعي والإيمان بأهميتها وضرورتها كما عبر عن ذلك جمال عبد الناصر في عدة مناسبات يضيق المقام عن ذكرها، وبهذه المناسبة فإننا ندعو حكومتنا إلى القيام بمبادرة سياسية تقوم على رؤية واضحة لتسوية هذا النزاع وطي صفحته إلى الأبد خدمة لوطننا وأشقائنا الأعزاء وحقنا لدماء المسلمين.
وعلى حدودنا الشرقية تتصاعد نار الإرهاب متخذة من الصراعات العرقية الدامية والمظالم المتراكمة ضد شعب أزواد المسلم المسالم وقودا لها مما يتطلب من بلادنا حكومة وشعبا العمل بجد على إطفائها خاصة أن نيران هذه الحرب حصدت أرواح العديد من مواطنينا العزل المسالمين ولا تزال تحصدها.
وفي ظل الظرفية الدولية الحالية وتعقيداتها استطاعت القوى الغربية والصهيونية العالمية وحلفاؤهما تدمير ليبيا وتمزيق لحمتها الاجتماعية مما ينذر بتحويلها إلى كيانات متناثرة متناحرة؛ وهو المصير الذي كان يراد للشعب السوري الصامد لولا حنكته ووعيه.
أما ما حل بالعراق الشقيق من خراب ودمار وتمزيق لنسيجه الاجتماعي فلا يزال باديا للعيان حيث لا تريد القوى الغربية والصهيونية وحلفاؤهما أن يتمكن هذا الشعب العظيم من إعادة بناء ما دمروه، بل لا تزال هذه القوى المتآمرة تسعى إلى تركيعه وتقويض سيادته الوطنية.
وليست يمن عبد الناصر بمنأى عن هذه المؤامرات فمنذ ثمان سنوات تطحنه حرب ظالمة تخوضها الرجعية العربية نيابة عن القوى الاستعمارية والحركة الصهيونية.
أما في فلسطين السليبة فقد أعلنت الأنظمة العربية المهيمنة على الساحة العربية تخليها رسميا دون خجل أو وجل عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة؛ بل ذهبت إلى أكثر من ذلك باعترافها علنا تارة وضمنيا تارة أخرى بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وسعيها لتفكيك الحركات الجهادية الفلسطينية وتصنيفها حركات إرهابية,
وفي هذا الإطار فإن الناصريين في موريتانيا يعلنون بصوت عال تمسكهم بلاءات عبد الناصر في مؤتمر الخرطوم: لا صلح ـ لا تفاوض ـ لا اعتراف.
ويؤكدون على حق الشعب الفلسطيني البطل في أرضه المقدسة من الماء إلى الماء وسيبذلون كل جهودهم من أجل تحرير فلسطين بالدم والمال مهما كانت الظروف ومهما تسارعت خطى التطبيع البغيض، وسيظلون سدا منيعا في وجه المطبعين والمهرولين مهما تعددت أسماؤهم ومواقعهم وبلدانهم، ويدعون كل القوى الحية إلى تشكيل جبهة صلبة لمواجهة موجة التطبيع الراهنة ودعم ومساندة قوى المقاومة والممانعة للمشروع الغربي الصهيوني ويحيون كل القوى الفلسطينية واللبنانية المجاهدة التي تحملت عبء المواجهة والمجابهة في ظل هذه الظروف الصعبة ويشدون على أيديهم الشريفة ويقولون لهم بصدق وإخلاص: "قلوبنا معكم وسيوفنا معكم وسننتصر بإذن الله".
وفي الأخير يؤكدون لكل القوى الثورية في الساحة الوطنية والعربية عزمهم على بناء إطار ناصري موحد مشرع؛ يعيد للأمة أملها في الحرية والاشتراكية والوحدة، ويعيد للقضايا العربية العادلة ألقها رغم إدراكهم لحجم التحديات والصعوبات التي تعترض طريقهم لكن إرادة المناضلين الناصريين الشرفاء الذين ضحوا بأرواحهم وأجسادهم في انتفاضة 1984 المجيدة هي زادهم وسلاحهم لتحقيق أهدافهم النبيلة.
عاشت موريتانيا عربية إسلامية إفريقية
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
عاشت دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
عاش القائد جمال عبد الناصر في عقولنا ووجداننا وسيبقى.
نواكشوط بتاريخ 23 يوليو 2022
الناصريون في موريتانيا