السؤال الخامس حول الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وقانون مكافحة الفساد الموريتاني، والتعاون الدولي.
كم حزَّ في نفسي وأّلمني قول "دفاع الدولة" الموريتانية إن قانون مكافحة الفساد الموريتاني الذي يدفع به منقول "حرفا بحرف" من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد! وبدل أن يقيم الحجة على صحة دعاواه الداحضة، أقامها على أن "موكلته" لم تبلغ بعد سن الرشد أو ترق إلى عصر التنوير؛ بل ما زالت في "العصور الهمجية المظلمة": تنسخ وتلصق وتسطو على ملك الغير! وذلك حين أعلن مزهوا أمام الإعلام: "وأود أيضا أن أقول إن القانون الموريتاني لمكافحة الفساد منقول من اتفاقية دولية أنشأتها الأمم المتحدة سنة 2003 لمكافحة الفساد نقلها المشرع الموريتاني بالعربية وبالفرنسية حرفا بحرف".
وأدهى من هذا القول وأمر، رغم عدم دقته، أننا لم نقف عند حد النقل "بالعربية وبالفرنسية حرفا بحرف" بل قمنا أيضا بتحريف كلم الاتفاقية والقانون عن مواضعه، وتسخير نصوصهما في غير إرادة العالَم، والعَلَم، والعِلْم، والمشرع الموريتاني المَهِين!
وهذه براهيننا القطعية على ما نقول:
1. تحارب الأمم المتحدة الفساد لخطورة ما يطرحه من مشكلات وأخطار على استقرار المجتمعات وأمنها؛ مما يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها، والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر. ولذلك أنشئت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. وتهدف إلى تحقيق ثلاثة أغراض هي: "ترويج وتدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع؛ وترويج وتسيير ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد؛ بما في ذلك في مجال استرداد الموجودات. تعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشؤون العمومية والممتلكات العمومية". (اتفاقية الأمم المتحدة، المادة 1) ونفس الأهداف النبيلة "نسخها المشرع الموريتاني حرفا بحرف" في القانون الموريتاني لمكافحة الفساد، أو كاد! فما ذا فعلنا نحن سلطة وقضاء ومحاماة؟ لقد قلبنا ظهر المجن للاتفاقية الدولية وللقانون الموريتاني وللحق والإنصاف، فروجنا الشائعات الكاذبة المضللة، وهدمنا أسس الدولة من دستور ومؤسسات وقوانين وقيم وأخلاق! الشيء الذي أدى إلى فتح أبواب الفساد على مصاريعها بدل "تدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع". ووأدنا "تعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشؤون العمومية والممتلكات العمومية" الذي كان سائدا منذ سنوات! ولم نحقق شيئا عن طريق التعاون الدولي لضلال سعينا، وانعدام مصداقيتنا، وضعف حجتنا! ولا غرو - والحالة هذه- إن كانت حصيلة ما قمنا به في السنوات الأخيرة هي استشراء الفساد، وخراب الدولة، وضياع الشعب، وتمكين وتدوير المفسدين!
2. تركز الاتفاقية بوضوح في فصلها الثاني (المادة 5) على التدابير الوقائية الواجب اتباعها من طرف كل دولة عضو، وفي مقدمتها:
- وضع سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة. فما ذا فعلنا ونفعل في تلك المجالات؟ في واقعنا المعيش الجواب الشافي على هذا السؤال!
- إنشاء هيئة أو هيئات مكافحة فساد وقائية تمنحها الدولة العضو ما يلزم من الاستقلالية لتمكينها من الاضطلاع بوظائفها بصورة فعالة وبمنأى عن أي تأثير لا مسوغ له، وتوفر لها ما يلزم من موارد مادية وموظفين متخصصين، وكذلك ما قد يحتاج إليه هؤلاء الموظفون من تدريب للاضطلاع بوظائفهم (المادة 6).
فأين تلك الهيئة - أو الهيئات- المستقلة ذات الكفاءات؟ اللهم إلا إذا كانت عصبة دعاة المرجعية و"لجنة التحقيق البرلمانية" والـ60 محاميا!
- اتخاذ كل دولة طرف وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، ودون مساس باستقلالية القضاء، تدابير لتدعيم النزاهة ودرء فرص الفساد بين أعضاء الجهاز القضائي. ويجوز أن تشمل تلك التدابير قواعد بشأن سلوك الجهاز القضائي. وكذلك استحداث وتطبيق تدابير مماثلة داخل جهاز النيابة العامة في الدول الأطراف التي لا يشكل فيها ذلك الجهاز جزءا من الجهاز القضائي (المادة 11).
فأين ذلك مما تم اتخاذه في الملف رقم النيابة 001/2021 وغيره من انتقاء قضاة ووكلاء مضموني الولاء والخضوع للأوامر العليا، لحد انتهاك أحكام الدستور والقوانين الإجرائية والموضوعية، وطمس الحقيقة واختلاق أدلة إثبات صورية وصرف النظر عن جميع أدلة النفي خلافا للأولى ولمبادئ العدل وللفقرة الأولى من المادة 73 من ق. إ. ج، ولحد التدليس (الفقرة الثالثة من المادة 18 من قانون مكافحة الفساد). وإصدار أزيد من أربعين أمرا وقرارا في هذا الملف تخرق كلها القانون، وترفض طلبات الدفاع المؤسسة، وتنطق بطلبات النيابة العامة المخالفة لصريح القانون.. والعجز حتى عن تطبيق الصيغ القانونية الإلزامية جهلا أو تجاهلا؛ كالمرسوم رقم 017/2017 المنظم لفريقي التحقيق والنيابة؛ مما أدى إلى بطلان عملهما! ومن تتم هذه الأفعال الشنيعة المنكرة تحت سماء دولته لا يحق له أن يتكلم عن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، أحرى إذا كان مشاركا نشطا فيما ذكر!
3. تجرم الاتفاقية الدولية الفساد، ويجرمه قانون مكافحة الفساد الموريتاني المنقول عنها "حرفا بحرف" ولكنهما يجرمان أيضا، وبصورة لا تقبل التخفيف، اتخاذهما ذريعة للظلم ومصادرة حقوق الغير ونهب ممتلكاتهم، فضلا عن أن يتخذا سبيلا لتصفية الحسابات والتآمر على الخصوم السياسيين وتدبير الانقلابات الناعمة على مؤسسات الدولة وعلى إرادة الشعب وتحويل الأقلية إلى أغلبية! وأن يتم بهما قلب المعايير والقواعد القانونية الراسخة كـ"البينة على المدعي" مثلا، زورا وبهتانا:
هذا عن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والقانون الموريتاني لمكافحة الفساد!
أما عن مسألة التعاون الدولي التي أشاد بها دفاع الدولة الذي مثلت - في نظره- فتحا مبينا، نظرا لضخامة الأموال التي يدعي تهريبها إلى الخارج.. الخ! "وهذه الاتفاقية تفرض التعاون الدولي وتلزم الدول المصادقة على هذه الاتفاقية بالتعاون مع دولة موقعة طلبت منها التعاون؛ وهذا ما يجعل موريتانيا اليوم "اتْنَبَّشْ" (تَنبُشُ) في جميع أنحاء العالم وتطلب من جميع الدول المصادِقة على هذه الاتفاقية أن تمد لها يد المساعدة وأن توفر لها كل المساعدة وهذه المساعدة. الدولة الموريتانية والقضاء الموريتاني أصدرا الكثير من الإنابات القضائية من أجل الوصول إليها. وهذه الإنابات القضائية لم تصدر للخارج فقط؛ بل صدرت في الداخل الموريتاني أيضا لكي يظل البحث جاريا عن جميع الأموال المخبأة و"المَزْكُوفَ" في كل بلد ويستعملها أشخاص آخرون. (الأخبار 27 /6/ 2022).
مسكين كوجيل!
دع عنك نهبا صيح في حجراته ** ولكن حديثا ما حديث الرواحل؟
... دعونا نسأل "دفاع الدولة" وقضاءها معا، عن حصاد التعاون الدولي الذي يشيدون به ويهرعون إليه! هل استرجعوا به أوقية واحدة مما يتظاهرون بادعاء نهبه؟ وأين هي، إذا كان جوابهم بنعم؟ والمليارا دولارا في الإمارات اللذين شهد عليهما شاهدان من أهلهم أين هما؟ وأين ما في البنوك الغربية؛ موطن الشفافية والتعاون الدولي ضد الفساد من كنوز؟ أما غزوة تركيا فقد آبت حتى بغير أحد خفي حنين!
فهل سبب ذلك أنكم إنما تتكلمون عن سراب و"تطاردون خيط دخان"!؟ أم إن السبب هو عدم الكفاءة والمصداقية؟ أم هما معا؟
وختاما، فإن مجرد الحديث عن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والقانون الموريتاني لمكافحة الفساد لا يشكل في حد ذاته بينة ولا دليلا! بل تجب معرفتهما معرفة دقيقة، وتدبرهما، وتطبيقهما على وقائع حقيقية وملموسة!
يتبع