جاء خطاب الرئيس محمد الشيخ الغزواني بمناسبة الذكرى 62 للاستقلال الوطني، بحصيلة عمل كبير خلال الفترة المنقضية من مأموريته، وكان يقدم للمواطن الحصيلة بأسلوب واضح لتأكيد العمل والسير على طريق تحقيق "تعهداتي" مبرزا الكم الهائل للمشاريع والانجازات التي تحققت وفق الخطاب، والتي إذا غاب منها شيء عن الذهن، فإنما مرد ذلك لانشغال الجهات السياسية والحكومية عن إنصافها وإبرازها، وتعمقها في قضايا وصراعات هامشية هندستها القوى الانتهازية بكل ألوانها للتغطية وإضاعة الوقت
خاطب الرئيس، الشعب، وقال بكل وضوح، هذا العدد الهائل من الفعل أنجزناه، وهذا الفعل القادم سيكون أجمل، وعانق حاجات العمال بزيادة مهمة على الرواتب، ثمنها المستهدفون بها أيما تثمين.. وكانت الانجازات ملموسة في بعض القطاعات ومرئية..
لولا حجب الصورة المكتملة من جهات الفساد المتقشفة في أثواب النسك والتقمص!
برأيي أن الرئيس غزواني عمل منذ البداية، على تهيئة الوضع سياسيا لتوحيد الجهود من أجل التغلب على كل الصعاب والتلاحم في مسيرة "الإقلاع " التنموي التي استحدثها..
عمل على الإصلاح الإداري ووضع كل مسؤول أمام مسؤوليته؛ ليتباري الجميع في خدمة الوطن،
إلا أن تكتلات الانتهازيين لديه مآرب أخرى، لذلك شغلوا الرئيس حتى عن إشراك القوى الوطنية والصادقة في دعمه وفي خدمة وطنها.
اليوم بدأت مرحلة جديدة، أفرزتها رياح الصراع الانتخابي على الأصوات وتمثيل الشعب، وهي ليست صدفة بل إن كل جهة تسير في الدائرة التي تنطلق منها عادة..
اليوم يصطف ويتحالف المختلفون بالأمس القريب، وتتمايز القوى الصادقة من القوى الانتهازية، ويكتشف الشعب، كل الشعب أن تلك العناوين مجرد نسخ متكاثرة لوجه الانتهازية الضارب في نفوس ساسة الارتهان..!
على أعتاب الانتخابات، تظهر الحالة العامة للقوى السياسية، وتتمايز الكتل والاتجاهات والحركات، فعلى المستوى الشعبي، تستيقظ العشائرية والقبلية والشرائحية التي يضرب على وترها الانتهازيون بقوة دون احتساب حساب للوطنية،
فيثيرون زوابع الصراعات والمصالح الذاتية، ويقدمون شيوخا وفاعلين، ويطلقون حملة عشواء، يبلغ فيها الوضع حد الاحتكاك والتنافر بين المجتمع ، بين الأسرة والأسرة، والقبيلة والقبيلة، وبعض القبيلة يضربونه ببعض، والشريحة والشريحة، وتُحيي الانتهازية الدينية مفخخاتها في الشعب، فيطلق مجاميع التكفير والإساءات وابل فعلهم وقولهم، بين المكونات الدينية للمجتمع، فتتعرض عقيدة الشعب الموريتاني الإسلامية المالكية الأشعرية الأصيلة والصوفية، للتكفير والتهجم والإساءة المفرطة من بعض السلفية والإخوانية والداعشية ..
الانتهازية السياسية والدينية، لأنها تحمل فكرا أمما يلغي خصوصية الوطن وهوية الشعب، لا تحسب أي حساب لما تعمل عليه من تمزيق أواصر الشعب الدينية والمجتمعية، بل هي أصلا لا تؤمن الدولة ولا الوطن، تسعى فقط لمصالح مادية وتشكيل ميلشيات تزعم من خلالها أنها تخدم الإسلام، وهي الإرهاب الأخطر على الإسلام.
بالأمس شغل الإخوان والماديون والشرائحيون النظام ب"لجنة برلمانية" لمحاربة الفساد وتصفية حساباتهم مع رأس النظام السابق محمد ولد عبد العزيز، اليوم يصطفوا جميعا مع الرئيس السابق وداعميه، ويتشكل حلف ملون من تلك المتناقضات !
فتح الرئيس محمد الشيخ الغزواني الباب مشرعا لكل القوى السياسية، وخلق جو ميثاليا من التهدئة السياسية، والتقى بكل القوى وطالب بتلاحم الجهود من أجل أن يتجاوز الوطن كل الصعاب، ورغم أنهم أثنوا على ذلك واستفادوا من تلك الروح الوطنية والمنفتحة لرئيس الجمهورية، إلا إن تضائل حظوظهم الانتخابية الآن، بعدما ما كشف الشعب الذي يستغلونه حقيقة مآربهم، جعلهم يتولون ليجمعوا كيدهم مجتمعين هم وصفهم الجديد، ولا أظن أنهم سيجنوا ربحا من تحالف واصطفاف قوم ملأوا مجموعات التواصل الاجتماعي بمتناقضاتهم!!..
في مواجهة الاصطافافات المستجدة، ومن اجل تمييز الفعل الصالح وخدمة الوطن والشعب بشكل صحيح، على النظام والقوى الداعمة له أن تحشر الانتهازية السياسية والدينية من خلال الالتزام السياسي والحزبي، وأن تعيد النظر في التعامل مع المبادرات المتكاثرة، لأن الغالبية العظمى من تلك المجموعات لا تمثل جهة ولا قبيلة ولا شريحة، بل هي ظاهرة خلقها الانتهازيون لابتزاز السلطة والنظام، وعلى الشعب أن يعي المرحلة ويفرق بين الهم العام ومصلحة الوطن وبين المصالح الضيقة للسياسيين، ويحافظ على وحدته وتكامله.
حفظ الله موريتانيا