شهد قطاع العدل منذ قيام الدولة إعداد وتنظيم العديد من الندوات والمشاورات على المستوى الوطني ووضع المزيد من الخطط والتصورات قصد النهوض به ، إلا أن ما خلصت إليه تلك المشاورات والنقاشات وما تضمنته تلك الخطط من آليات وإن نجحت فى تذليل بعض ما يعانيه هذا القطاع من صعوبات فإنها ظلت عاجزة عن مواجهة ما يعترض سبيله من عوائق تعود في حقيقتها الى ما يعتريه من إختلالات بنيوية .
فى هذا السياق أدى تزايد حجم ونوع القضايا المعروضة على المحاكم الى إعادة هيكلتها و استحداث بعضها بالشكل الذى يضمن وضع حد لما تثيره تلك الزيادات الغير مسبوقة من تراكم للقضايا وصعوبة معالجتها نظرا لما تمتازبه من تعقيد ودقة وتشعب ومضاعفة للعبء على العاملين فى تلك المحاكم من قضاة وكتاب ضبط........إلا أن إعادة تلك الهيكلة لم تتمكن من رفع تلك التحديات نظرا لما اصطدمت به من عوائق كان من أبرزها النقص الكبير فى الكوادر البشرية من قضاة وكتاب ضبط ...وافتقار ما هو موجود منها للظروف المادية والمعنوية المقبولة والعجز عن توزيعها بالشكل الذى يضمن الحد الأدنى فى نوع وانسيابية العمل القضائي والنقص الكبير فى المعدات واللوازم وعدم مواكبة تلك الهيكلة بتحديث وعصرنة الإدارة القضائية ووضع برامج مفصلة ودقيقة للتكوين بصورة مستمرة وعدم استكمال إنشاء البني التحتية من قصور وسجون ......والإخفاق فى مراجعة وتحيين الترسانة القانونية حتى تستجيب لرفع ما يعانيه القضاء من تحديات والمتقاضين من هشاشة وتعقيد وبطء فى إجراءات معالجة القضايا إضافة الى عدم توفير ما تم التنصيص عليه من ترتيبات ومتطلبات لتطبيق العديد من القوانين....
صحيح أن السنوات الأخيرة شهدت إجراء مسابقات لإكتتاب عدد لا بأس به من القضاة وكتاب الضبط وإنشاء العديد من البنى التحتية توجت مؤخرا باستكمال إنشاء قصور العدل فى جميع عواصم الولايات باستثناء ولايتي نواكشوط الشمالية والجنوبية ، وإقرار بعض الامتيازات المادية والعينية وهي كلها خطوات محمودة يتعين البناء عليها لوضع إستراتجية مكتملة الأبعاد ، تأخذ في الاعتبار ترسيخ مبدأ استقلال القضاء بالمفهومين الوظيفي والعضوي والارتقاء به من مجرد ما هو منصوص عليه من مبادئ الى واقع يدركه الجميع وذلك من خلال وضع الأسس و الضمانات القادرة على الإقرار الفعلي باستقلال وحياد النظام القضائي الوطني ، وتمكين السلطة القضائية من الوسائل والإمكانيات المادية الكفيلة بحماية ما تمت إناطتها به من اختصاصات وتحصين القضاة وحمايتهم وضمان حيادهم بإعادة النظر فى مجموعة من الحقوق والاعتبارات المتعلقة بالحصانة والتعين والأمن الوظيفي ومدة الخدمة والاستقلال المالي وظروف التقاعد وكيفية الاستفادة مما راكمه القاضي من تجارب وخبرات بعد إحالته الي التقاعد وبإيجاد آليات حقيقية كفيلة بأن توفر للقاضي الضمانات اللازمة ضد أي ضغط خارجي من شأنه أن يؤثر علي حياده........
وأيا كان نوع وطبيعة ما ستتم إثارته في هذه المنتديات من نواقص واختلالات وما سيتم تصوره من حلول لن يختلف كثيرا عنما تمت بلورته خلال ما شهده البلد من محاولات للإصلاح في سنوات 1983 و1991 و1994 و1999 و2005 مما يعني إن المشكل لا يتعلق بالتشخيص وتصور الحلول وإنما يتعلق بمتابعة تنفيذ مخرجات محاولات الإصلاح تلك وهو إشكال في الواقع يمكن إرجاعه الى العديد من العوامل نذكر منها :
1) فشل محاولات الإصلاح تلك في وضع آلية كفيلة بتنفيذ ما تمخض عنها من إصلاحات .
2) عدم توفير المناخ اللازم لانطلاق عملية الإصلاح بشكل جدي من خلال مراجعة وتنظيم وتأمين وتوثيق وإصلاح ... بعض الأعمال والأنشطة والمعاملات.... ذات الصلة بالعمل القضائي والداخلة في اختصاص جهات أخرى . والعجز عن معالجة ما يعانيه أداء بعض مهني العدل من نواقص.........
3) عدم استقرار الطواقم المعنية بتنفيذ مخرجات محاولات الإصلاح تلك في وظائفها وغياب تصنيف تلك المحاولات حسب ما يتطلبه تنفيذها من مدى زمني وغطاء مالي ، مع تحديد أفق معين للتنفيذ.
فهل ستنجح المنتديات العامة للعدالة فى تحقيق ما فشلت فيه محاولات الإصلاح السابقة للقضاء ؟
الله أعلم
القاضي : عبد الله اندكجلي