في ظل محاكمة الرئيس السابق، صهرنا فرج الله كربه، محمد ولد عبد العزيز، ورغم مؤشرات محاكمة عادلة مرجوة، بإذن الله، ورغم بعض المحاذير والمنزلقات من جانب أنصار التصعيد، وكذلك من جانب أنصار التفريط في الحق العام، ينتصب صاحب الفخامة، المنقذ الملهم، محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني، حريصا على تكريس التوازن بين مختلف السلطات، التنفيذية والقضائية والتشريعية والإعلامية، في هذا المشهد الوطني المتموج.
رغم بعض العواطف القاهرة الموسوسة، ورغم ذكرياتي مع لقاء 08-08-2017، مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وما وعدني به من حج مع حرمي المصون يومها، والذي تحقق في السنة الموالية لتاريخ ذلك اللقاء، حيث اتصل علي مدير الديوان الأسبق، السفير الحالي في باريس السيد الفاضل المحترم الوفي، أحمد ولد باهية.
أقول رغم هذا كله أجد نفسي ملزما شرعا بالتذكير بقصة بعض الصحابة حين حاولوا الشفاعة في أمر المخزومية، التي يعرف المهتمون بهذا الجانب من تاريخ الإسلام قصتها مفصلة، والتي لا أريد الاستشهاد بها كاملة، وإنما بجانب وملمح بليغ معبر، ونبراس نوراني مضيئ ساطع، من ذلك المشهد يومها، والذي رفض فيه جدي وخاتم الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، الشفاعة ودرء الحد عن المخزومية المذكورة، وخطب قائلا: "وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
ولقد تفاديت التوسع في هذه القصة، تفاديا لاستباق الحكم القضائي المرتقب، ولأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والأصل طبعا البراءة بالمفهوم القانوني الموضوعي، والذي يفترض أن يطبق على الجميع، دون إفراط او تفريط.
وأقول بكل جزم وحزم ويقين، أن المحاكمة سترفع مستوى التعاطي مع الشأن العام، والمال العمومي، في هذا المنكب البرزخي المتموج، والذي بلغ فيه المال العمومي، منذ 10 يوليو 1978 إلى اليوم، درجة عادية غريبة من التلاعب والاستنزاف، وتمحض ذلك وتعمق إلى مستوى مقزز، على مدار العشرية المثيرة للجدل، رغم ما حققت في بعض الجوانب من انجازات، لا تكاد تكون لها قيمة بالمقارنة مع حجم المليارات والمقدرات المتاحة، وطالما نبهت في مثل أضربه للتبيين وتقريب المعنى، وبالمثال يتضح المقال، أن من منحته مثلا مليار أوقية، وجاءك بحزمة متواضعة من "النعنان"، فلا يمكن أن تقتنع بأهمية المقابل بعدما مكنته من ذلك المبلغ الكبير.
ولا أكاد أتردد بأن الأمر تحت السيطرة، وهذه المحاكمة مع أشخاص محتملين آخرين، ينبغي أن تستمر لأجيال، في سياق محاربة الفساد، لأنه هو الشعار والمنهاج المناسب للمرحلة، وطنيا وإقليميا وكونيا، بعدما "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس".
"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" .
وثمة فرق بين البعد الخاص في منحى العلاقات العائلية، لكن ذلك لا يعني البتة التفريط في الحق العام.
ولننتظر ولنحاول التمتع بطول النفس، لأيام، أو أسابيع، أو أشهر، أو سنوات، لأن قضايا الأمة لا ينفع معها الاستعجال، وتعسف اختصار المسافات.
ثمة فرق بين مداواة وتخفيف جرح لدى شخص واحد ومحاولة مداواة أو تخفيف جراح الأمة، فقد قيل قدما "حسنات الأبرار سيئات المقربين"، وما منا إلا له مقام معلوم.
وربما كان من الأفضل بداية تفادي فتح هذا الملف على هذا النهج الصارم نسبيا، إلا أن التراجع في هذه المرحلة يكاد يكون مستحيلا، وربما تكون ارتداداته وانعكاساته، عميقة مخيفة على صعيد تماسك المجتمع والدولة، قبل حسابات الأنظمة بالمفهوم الضيق، والمواسم الانتخابية العابرة.
اللهم سلم سلم.
"ولله الأمر من قبل ومن بعد"، حفظ الله مركبنا الوطني، ولتسهر أعين الصلحاء والعقلاء لتسديد طريق هذه السفينة الوطنية المتموجة، ولترسو على شاطئ الأمان فحسب، دون أن تنجرف ميمنة أو ميسرة، رغم أن كل الاحتمالات واردة.
ولتسمع يا فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني، قول الناصح الحازم، قبل الاغترار، والتماهي مع بعض حاشية قد تدفع بعضنا للمهاوي المهلكة، دنيا وآخرة، وقد لا تسعفه وقت الحرج والخطر، "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
فلنحسب مواقفنا، وكلماتنا بدقة، ولنتعاون جميعا على تحقيق الإنصاف في زمن الإنصاف، وقد قيل قدما "حكمت فعدلت فأمنت فنمت".
اللهم سدد خطى رئيسنا، وقائدنا الحليم الملهم، صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني، وأعنه بحاشية طيبة، ناصحة مؤتمنة، تخاف الله، وترتجف من حقوق الناس.
قال الله تعالى: " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا". الأحزاب/72.