إن إلغاء المجلس الدستوري لأهم الاصلاحات المقترحة على النظام الانتخابي فيما يتعلق بانتخاب نواب جاليات الخارج يثير لدى القانونيين بعض الملاحظات الفنية .. ذلك لأن القرارات الدستورية ليست أعمالا قضائيا أو إدارية عادية .. فهي لا معقب لها وتحوز قوة الشيء المقضي فور صدورها وتلزم جميع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في الدولة..
لقد طالعتنا بعض المواقع ببيان للمجلس الدستوري جاء فيه: "قرر المجلس الدستوري في جلسته العلنية بتاريخ 02/02/2023، أن كل هذه المشاريع القوانين النظامية مطابقة للدستور، باستثناء الفقرة الثالثة و الأخيرة من المادة 2 من مشروع القانون النظامي، الذي يعدل بعض أحكام القانون النظامي رقم 2018-007 الصادر بتاريخ 12 فبراير 2018، المتعلق بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج، التي تنص: (في الدوائر الانتخابية المعنية، لا يمكن أن يترشح لانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج إلا الأشخاص الذين يقيمون فيها)، مخالف لديباجة الدستور و المادة 47 التي تنص على: (ينتخب نواب الجمعية الوطنية لمدة خمس (5) سنوات بالاقتراع المباشر. يمثل الموريتانيون المقيمون في الخارج في الجمعية الوطنية. يحق لكل مواطن موريتاني متمتع بحقوقه المدنية والسياسية أن ينتخب نائبا إذا كان عمره لا يقل عن خمس وعشرين (25) سنة).
وسيبلغ هذا القرار لمن يهمه الأمر وينشر في الجريدة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية"..
يأخذ فنيا على هذا القرار مسائل أربعا:
المسألة الأولى: أن ديباجة الدستور لم يتم اعتبارها، قبل هذا القرار ضمن فقه قضاء المجلس الدستوري، كجزء من الشٍرعة الدستورية لما في ذلك من فتح الباب على مصراعيه أمام عناصر لا متناهية من مصادر القانون، خصوصا فيما يتعلق بالآليات الدولية.. وتلك معضلة حقيقية تقود إلى مصادرة السيادة الوطنية وتخالف نص وروح المادة 4 في صلب الدستور التي تعتبر "القانون هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب".. ومن شأن دسترة الديباجة أن تقود إلى قتل مستمر للمقتضيات القانونية من خلال دعاوي الاستثناء الدستوري وخلق فوضى قضائية تخلخل المنظومة القانونية والمؤسسية للجمهورية..
المسألة الثانية : كيف للمجلس أن يعتمد في استبعاد الاصلاح المقترح على نص المادة 47 من الدستور ولا يعتمد النص الموالي مباشرة في المادة 48 " يحدد القانون النظامي شروط انتخاب أعضاء البرلمان وعددهم...وشروط الترشح وحالات التعارض"..
المسألة الثالثة: إذا لم يكن باستطاعة المشرع تقييد "حق كل مواطن موريتاني متمتع بحقوقه المدنية والسياسية أن ينتخب نائبا إذا كان عمره لا يقل عن خمس وعشرين (25) سنة"، فهذا يعني أن استبعاد جميع المواطنين الموظفين الذين منعتهم المادة 6 من نفس القانون المعروض بحجة "عدم الأهلية النسبية" أمر غير دستوري، لأن المشرع زاد على منطوق النص الدستوري المقدس.. كما أن اشتراط تزكية المستشارين البلديين للترشح للرئاسيات سيصبح، وفقا لنفس المنطق، غير دستوري لأن المادة 26 من الدستور لا تشترط للترشح مع التمتع بالحقوق إلا الجنسية الأصلية وعمرا بين 40و75 سنة.
المسألة الرابعة والأخيرة: من المبادئ التي كرستها قوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وهي فئة ضمن الشٍرعة الدستورية في القانون الفرنسي مثلا، مبدأ ارتباط الإقامة في الدائرة الانتخابية بالعملية الانتخابية ولا يستثنى منها إلا الموظفون الإقليميون.. وعليه فبمنطق بسيط وعملا بمبدأ المساواة بين المواطنين.. كيف تفرض المادة 26 من الأمر القانوني 87-289، الإقامة في الدائرة الانتخابية على المواطن للتسجيل على اللائحة الانتخابية ويعفى المرشح من هذه الإقامة وهو الحامل لهموم منتخبيه؟
حاتم محمد المامي
عضو الجمعية الدولية للقانون الدستوري