الوثيقة الوطنية للعدالة: من الفكرة إلي التجسيد د. محمد محمد محمود عمي / دكتور في القانون العام/ باحث دولي

 

يستبشر المتابعون للهم الوطني بشكل عام ، والوسط القضائي بصفة خاصة ، بتسليم الوثيقة الوطنية للعدالة، التي انصهرت فيها خلاصات التقاريرالنهائية للمنتديات العامة للعدالة التي شهدتها بلادنا فى الفترة ما بين 5 و11 يناير 2023، وهو استبشار له مؤداه وسببه نتيجة لما يحتاجه هذا المرفق الحيوي من العناية والاهتمام .

إن المتتبع لمسار تلك الوثيقة يدرك انها تمتلك كافة مقومات النضج والواقعية وامكانية التطبيق، لكونها انبثقت عن ارادة جدية لتحديد مكامن الخلل والبحث عن حلول ناجعة وسريعة لها.

لقد انطلقت من فكرة جادة ، بإدارة واشراف من السيد وزير العدل د. محمد محمود ولد الشيخ عبدالله ولد بيه،رامية الي خلق اطار للتفكيريشرك الفاعلين والمتقاضين والشركاء من أجل النقاش وصياغة اقتراحات لإرساء عدالة الغد التي يريد المواطن.

وإن من اهم ما ترمي اليه تلك الارادة هو خلق قضاء فعال يكون ضمانة للاستقرار والرقي والازدهار،و اداة ديناميكية في عملية التحديث، ببناء عدالة تحترم سيادة القانون ومتاحة للجميع ، وهي طموحات كانت تتواجه  أحيانا مع قدرة الدولة المحدودة على إجراء إصلاحات دائمة

وقد استحضرت هذه المنتديات دور المواطن ومحورتيه ، إذ لا شك ان نقطة البداية للإصلاح الحقيقي، أوللوصول إلى العدالة تبدأ بالضرورة من المتقاضي او المواطن بصفة عامة، لكونه الحلقة الأول فى السلسلة التي تشكلها العملية القضائية ، مما اقتضي إشراكه في العملية ،كجزء من نهج تشاركي. يجعل  المواطن مساهمًا في تحسين العملية القضائية من خلال مشاركته المباشرة او من خلال منظمات المجتمع  المدني. وهذا ما جعل من الممكن سماع العقبات التي تواجهه والحلول التي يقترحها.

وإن كانت العدالة في البلاد قد عرفت العديد من محاولات الاصلاح، من خلال اوراش وندوات ضمت خبراء ومهني وفاعلي القطاع، إلا انالواقع لم يحمل تغييرا ملمو ًسا يلامس ما ينشده المواطنون من هذا المرفق الحيوي، وبالتالي كان بزوغ تلك الفكرة أملًا وسعيا  للتفكير في واقعها وتشخيصه، والسعي لسماع رأي المواطن المتقاضي ومشاركته، وكذا مهنيي وفاعلي القطاع،  لتحسين الاداء والرفع من المردودية، لما للعدالة منأهمية لكونها مرفقا عاما تحقق الدولة من خلاله مهمتها المتمثلة في الحماية القضائية للمواطنين، 

إن من أهم عوامل نجاح النقاشات التي اثمرت خروج هذه الوثيقة التاريخية المهمة هو كونها بنت أساسها على جميع الاعمال المرجعية، التي تضبط المحاور المراد إثارتها وإثراءها، سواء من سياسات واستراتيجيات حكومية عامة، او ما قيم به على مستوى القطاع بصورة خاصة، حتى وضعت الامور فى نصابها،وبسطت فهم المشكل وإيجاد الحل.
.
وهنا نذكر بالاستراتيجيات الكبرى التي تبنتها الدولة للتحسين والرفع من حياة المواطنين، ومن بين ذلك استراتيجية النمو المتسارع 2016- 2020؛

-الاستراتيجية الوطنية للولوج للقضاء 2015-2020؛ -الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر.

وفى مجال العدالة بصفة خاصة ظلت الخطط ومحاولات الاصلاح قائمة من اجل تكريس وإرساء العدالة،وتقريب المرفق من المواطن، ولعل من أبرز تلك المصادر النتائج المستخلصة من التقارير والورشات واللجا الخاصة بتقييم العدالة ومن أهمها:

- نتائج الايام التشاورية 2005 حول تشخيص واقع العدالة واقتراح الحلول على المدي العاجل والمتوسط والبعيد؛

- التقرير الختامي لتقييم الدعم الاوروبي في إطار مشروع اعادة وتأهيل القضاء 2008-2012؛

-تقرير اللجان الخاصة بالسياسة القطاعية لوزارة العدل 2018، التي اوصت بمجموعة من الاقتراحات والتوصيات الهامة.

- الخطة الخماسية لوزارة العدل المرتبطة بالاستراتيجية الوطنية للولوج إلى العدالة، التي تهدف الي الوصًول إلى خدمات قضائية متميزة تتكيف مع احتياجات المواطنين والسياق الاجتماعي والاقتصادي،وتضع نظاما شاملا ومتكاملا للوصول إلى خدمات التقاضي 

ويمكن القول فى الاخير أن  وزارة العدل قد نجحت فى  اجراء تشاور واسع النطاق،  من خلال فتح نقاش وطني كبير حول واقع وآفاق العدالة،جسده تنظيم المنتديات العامة حول العدالة ، منطلقا من تصور واضح ونقاش لاستخلاص النتائج من جميع الوثائق الوطنية المتعلقة بالعدالة كالسياسات القطاعية والرؤي الاستراتيجية الوطنية والدولية.

لقد ضمت هذه المنتديات  عددا كافيا من الكفاءات القادرة على تصميم وتنفيذ المقترحات الملموسة والذين يمثلون جميعالاطراف الفاعلة في العدالة (الادارة، والقضاة، كتاب الضبط، والمحامين، والموثقين والمنفذين والخبراءواساتذة الجامعات والمعاهد المتخصصة والخبراء القانونيين .والشرطة القضائية  وجمعيات المجتمع المدني والصحافة ورجال الاعلام)

وهذا ما تضمنه التقرير النهائي المعد عن حصيلة المنتديات العامة للعدالة 
من الخامس الى 11 يناير من هذا العام ،الذي  رام جمع التوصيات والمقترحات والآراء الواردة فى جميع التقارير.
.
إن هذه الوثيقة هي حصيلة غربلة واستخلاص للاهم من بين مجموع التوصيات الواردة في التقرير النهائي، والذي بلغ عدد توصياته  المشتركة 50 توصية، بينما بلغ عدد توصيات الورشات 385 توصية، وبلغ عدد المقترحات  111 مقترحا وعدد الآراء 36 رأيا منفردا، أي ما مجموعه 582  توصية ومقترحاورأيا.

ولعل من اهم تلك النقاط التي تضمنتها الوثيقة تغيير وضعية مهنيي القضاء وتحسين ظروفهم،،تسهيل النفاذ إلى القضاء، تحسين جودة وفعالية القضاء،إصلاح القضاء الجنائي ونظام السجون، تسريع رقمنة القضاء وإعادة تأهيل المباني القائمة، وبناء قصور عدل جديدة.

وبعد تجسيد هذه الفكرة الي واقع ملموس لنا ان نستشرف الامالبإصلاح  العدالة في بلادنا، و ضمان السيرالحسن للمؤسسة القضائية، والوصول الى عدالة سريعة وفعالة،  وتحيين للقانون، وتبسيط الولوج للقضاء .

ان لب وعصارة هذا العمل ، ومربط الفرس المتوخى هو الخروج بالوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة،التي سلمت  لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني .

وبتسلم  هذه الوثيقة من طرف فخامة رئيس الجمهورية ، ووضع الاطر القانونية لتنفيذها ، تكون قدتجسدت مرجعية واضحة ، بوصفها محددا لكافة السياسات والبرامج التي تتبناها الحكومة في شان العدالة، حتي تنال العدالة المكانة اللائقة بها، وتكسب ثقة المواطن ، وتكون مصدر أمان ايضا للمستثمرين الاجانب .

د. محمد محمد محمود عمي / دكتور في القانون العام/ باحث في مختبر LexFeim le Havre Normandie بفرنسا
قاض، ومحاضر بجامعة انواكشوط 
مقرر رئيس ، بالمنتديات العامة حول العدالة

ثلاثاء, 18/07/2023 - 14:15