الحب والغيرة :
بعيدا عن السياسة وهضابها الوعرة ، ونأي بالقارئ عن وطأة المعيش وهمومه وشجونه ، نفتح نافذة على العاطفة واستتباعتها ، والقلب ونوازعه وحدوسه .
ان عصر السرعة، وطبيعة المتلقي لا يمنحان أرضية شاسعة للتأصيل، ولا مجالا رحبا للاكاديمية لذلك سنضطر للتخليص والايجاز مع محاولة تذليل بعض المفاهيم.
يعتبر عدم الرضا عن الذات الناتج عن عدم تحقيق المتطلبات الداخلية، وخلق أنا متعالي، وظهور القيم المتفوقة لدى الاخر(المحبوب) بشكل جلي وما تزرعه من حسد وغيرة اول ارهاصات ميلاد الحب.
ان التحليل النفسي للحب يظهر نوعا من الحسد وفي نفس الوقت النزوع نحو التملك، وضربا من الجشع والرغبة في حيازة الموضوع، وخلع صفاته على الذات بنسبته إليها عبر صلات وارتباطات عصية على الانحلال. وقد نستغرب بزوغ الحب بشكل لاواعي بصورة حسد وغيرة، لكن ذلك لا يبدو موغلا في الغرابة حين ناخذ في الحسبان مدى جسامة الاحباط الداخلي المتولد من الاحساس بالنقص، وعدم تقبل الذات لنفسها وحرصها على البحث عن ذات أفضل تنسكب فيها، إخفاءا لعورها وضحالتها .
وهكذا يكون الحب محاولة ناجحة للحيلولة دون مزيد من التمزق والتفتت بسبب انفعالات الحسد والغيرة اللاواعية.وقد استبق غوته هذا التبصر السيكولوجي حين قال(في مواجهة التفوق الكبير للآخر ما من دواء
سواء الحب).
ان سلطان الحب يقضي على نوازع الغيرة، لكنها لا تختفي مطلقا. ذلك أن أهداف الحب تم تحقيقها بطريقة ذكية وحاذقة من خلال نوع من الترضية النفسية تجسدت في التفاف غير واع، الا ان هذه النزوات المهزومة والمتحايل عليها تواصل وجودها على نحو خفي وتشكل حركة تمرد صامتة، بينما يواصل الحب ممارسة سلطانه، وهي مستعدة للظهور دوما كلما تراخت قبضة الحب أو تراجع وهجه، وتشيح عن وجهها اخيرا حينما يعاود الشخص عدم الرضا عن المحبوب اولا وعن نفسه ثانيا.
والخلاصة هي أن الحب انكباب على الذات، ودندة حولها، إذ ان التدفق نحو المحبوب ليس من أجله، بل من أجل المحب نفسه، إذ يشكل ذاك الميل نوع من التعويض عن ما يكابده من فراغ وخواء داخلي
دفعه للخروج من عالمه الداخلي ليعود اليه بعد أن وجد الترياق في الجنس لآخر