تعيش موريتانيا مخاضاً تنتقل خلاله من استمرار النهج لإصلاح النهج، لتخرج منه نحو وضعية سليمة وفكر مختلف، والنظر بأهمية للدور الذي يمكن للدولة بكل اجهزتها أن تلعبه في مكافحة المرض وتشخيصه وتقييمه وتحديد اعراضه ، وتلبية ما يتطلع له الشعب الموريتاني من صون مقدراته، وعدم هدر ثرواته.
فعمليات “تفويت” الأملاك العقارية، وتحويلها لأملاك خاصة للمقربين وذوي الحظوة وسماسرة الأعمال، وقبض العمولات بملايين الدولار على حساب الأجيال، ونقل أسراب السيارات والمركبات التي منحت هبة للدولة للملكية الخاصة جعلت الخرق يضيق على الراتق ورائحة الفساد تفوح في كل اتجاه.
واليوم هناك من يتحدث عن عودة الدولة وكأنه كشف سراً ربانياً، بينما الحقيقة أن الإرادة السياسية هي البوصلة التي يمكنها أن تحرك كل أدوات الإصلاح ومظاهر فرض سيادة القانون.
لقد كان واضحا أن الفساد بلغ عنان السماء ولم يعد السكوت عنه أمرا ممكنا، وبدأ عرابه التبجح بأمواله المشبوهة، حيث انتقل من حي فقير قرب “مرصة لكبيد” أو في شارع فرعي في حي كرفور، إلى عمارة شاهقة في مقاطعة لكصر هكذا بقدرة قادر، في سعي للتعالي عن الجميع بأموال تم نهبها من خزائن الشعب ، ومن قوته ومدخرات أجياله.
إن أولى الخطوات في فرض سيادة القانون تتمثل في العمل على على نزع مخالب من يكررون محاولاتهم اعتمادا على ما يمتلكونه من المال والأدوات، و التي بإمكانها أن تفشل المسار وتضع المسمار في نعش كل خطط الإصلاح، وهكذا تتحطم الآمال على يد اعوان الفساد والمستفيدين منه.
اليوم يقف الشعب الموريتاني خلف بوادر محاربة الفساد بالقانون، وليس عبر الخطابات الكرنفالية والدعايات الإنتخابية، والابتزاز السياسي، ويطالب بتمكين الأجهزة القضائية والتشريعية والتنفيذية لاحقا و بشكل تدريجي وسلسل، حتى ننتقل من مرحلة التوصيف والتشخيص لمرحلة اجتثاث الداء.
فلا أحد فوق القانونـ، و السلطة التشريعية مطالبة بممارسة الديمقراطية وفق الدستور بدون انحراف عن الممارسة، بالحكمة والموائمة والتعاون بين الأجهزة بشكل لا يمنع المسائلة لأي كان.
فليس الترف امتلاك الثروة والجاه، أو العيش بشكل مخملي، وإنما المترف هو البعيد عن المسائلة أو الذي لا يحق لأحد مسائلته، فالمترفون إذا دخلوا قرية افسدوها.