بكار ولد أحمدو ولد سيد إعل مسار حافل بالتضحيات والانجازات من أجل الجمهورية الإسلامية الموريتانية

بكار ولد أحمدو إسم يلخص  معاني ودلالات متعددة فهو يعني الأمجاد الأميرية الباذخة، ويعني الدبلوماسية في أسمى سلوكياتها وأدبياتها ، وأيضا  الأخلاق الحميدة من كرم وتواضع واحترام ،  كما يعني الشخصية ذات الارادة الصلبة والمواقف المستقلة . لقد اجتمعت كل هذه المحصلة من معاني السمو في رجل واحد هو الأمير بكار ولد أحمدو .. ونحن نقدم هنا للأجيال الحالية جانبا من حياته الحافلة بالإنجازات لتكون لهم قدوة ونبراسا ينير لهم دروب الحياة  ولكي تقوي فيهم روح الطموح والإصرار على النجاح .
هو بكار ولد المختار ولد بكار ولد سيد اعلي ولد أحمدو ولد سيد اعلي ولد المختار ولد آغريشي ولد السيد ولد عبد الله ، والده المختار ولد بكار شارك مع عمه المجاهد الأمير أحمدو ولد سيد اعل في مقاومة مشروع كبولاني لإحتلال  موريتانيا ، وقد اشتبك  الأمير أحمدو ولد سيد اعل مدعوما من طرف الأمير بكار ولد أسويد أحمد ليلة 08 / دجمبر / 1903  في ألاك مع الغازي كبولاني في اول مواجهة مباشرة لهذا الأخير مع المقاومة الوطنية وقد تكبد فيها المستعمر خسائر كبيرة ، ثم هاجر المختار مع عمه إلى السمارة حيث قلعة المجاهد الشيخ ماء العينين ومنها توجه معه  إلى مراكش للقاء السلطان المغربي، وقد قرر الأمير أحمدو ولد سيد اعلي الهجرة عن بلاد يحكمها غير المسلمين  و الاستقرار في بلاد يحكمها حاكم مسلم وذلك حسب ما أفتى به العلامة محمد عبد الجليل ولد الشيخ القاضي .
 وقد عاد المختار  إلى البراكنة في بداية العشرينات لرعاية شؤون المجموعة والتصدي للأساليب الظالمة للمستعمر ألفرنسي ، وتحكى في هذا المجال حادثة الصفعة التي وجهها لوجه الحاكم الاستعماري في ألاك الذي  يعامل الساكنة معاملة غير لائقة وكان معروفا بإسم خناك الشيوخ وقد قال له المختار كما قال حمزة لأبي جهل : ردها علي ان استطعت ، وفعلا  لم يحرك الحاكم ساكنا وتوقف منذ ذلك اليوم عن إهانة ساكنة البراكنة .
أما ابنه بكار فقد ولد في حدود سنة 1930 بالقرب من مقاطعة مال الحالية ، وفي سن الخامسة دفعه والده إلى الشيخ  محمد البخاري ولد إنجيه وقد درس عليه القرآن ومبادئ الدين الإسلامي. 
وفي سنة 1937 توجه به والده إلى التعليم النظامي فأدخله في الصف الأول والوحيد في مدرسة ألاك وكان معلمها الوحيد أيضا هو الشيخ محمد فال ولد البناني ، وبعد سنة من الدراسة توجه إلى مدرسة أبناء الأعيان في أبي تلميت  وفيها ربطته عرى الصداقة بزملاء ستلتقي دروبهم كثيرا خلال مشروع بناء الدولة الموريتانية عندما ترى النور لاحقا مثل فال ولد عبدي ولد مكي وسليمان ولد الشيخ سيديا وأخوه اسماعيل وغيرهم، وبعد تخرجه منه سنة 1945 توجه إلى اعدادية كبولاني في روصو  وسجل فيها للحصول على شهادة ختم الدروس الاعدادية ، ونظرا لما يتميز به من الجد والأخلاق الحميدة عمل مراقبا وهو مازال تلميذا ، وفي سنة 1949 حصل على الشهادة الاعدادية وشارك في امتحان وظيفة كاتب الحاكم وحول إلى كيهيدي ولكن مدير الاعدادية طلب من السلطة الاستعمارية في سينلوي أن يبقى معه وهو ما وافقت عليه وعينه مقتصدا وسرعان ما كشف عن نزاهة في التسيير وصرامة في  العمل، وهو ما نوه به المفتش الذي انتدب لتفتيش المؤسسات التعليمية في افريقيا الفرنسية.
وفي سنة 1953 أصبح معلما وتم تحويله إلى تجكجة وفيها التقى بالدكتور محمد المختار ولد اباه ,  ثم حول في السنة الموالية 1954 إلى أطار، وبشهادة تلامذته ،الذين أصبحوا بعد سنوات قليلة من كبار موظفي الدولة ، فقد كان بكار نموذجا للمعلم المتفاني في عمله والعطوف على التلاميذ الذين يعانون من مشاكل في الاستيعاب كما أنه كان مثالا في الأناقة وهي كلها ميزات تؤثر في نفوس التلاميذ الذين يرون في المعلم قدوتهم ومثلهم الأعلى.
وفي سنة 1957 حول من اطار مراقبا عاما في اعدادية روصو..
وبخصوص التطورات السياسية في مستعمرة موريتانيا نشير إلى إعلان الرئيس الفرنسي  ديكول عن القانون الاطاري سنة 1956 الذي سيمهد  لاستقلال المستعمرات الإفريقية  وكان من نتائجه المباشرة إشراك أبناء المستعمرات في تسيير شؤونها وهكذا تم تعيين المختار ولد داداه نائبا لرئيس الحكومة في 20/05/1957 . 
وقد تم  استدعاء  بكار ولد أحمدو لابتعاثه إلى فرنسا  للحصول على تكوين حول تسيير المصادر البشرية لصالح شركة ميفرما قيد الانشاء ، وبعد سنة من الدراسة عاد إلى نواكشوط للمشاركة في انتخابات الجمعية الوطنية  المنبثقة عن دستور الحكم الذاتي و التي جرت يوم 10/ 05 / 1959 وانتخب فيها نائبا عن مقاطعة ألاك  إلى جانب النائب  محمد المختار معروف ولد  الشيخ عبد الله .
 وهنا ستبدأ مسيرة بكار ولد احمدو في بناء قواعد وأسس الجمهورية الإسلامية الموريتانية جنبا إلى جنب مع الرئيس المختار ولد داداه وعدد  من الأطر الذين لبوا نداء بناء الوطن الموريتاني.
وهكذا سيتم تكليفه رفقة الوزير ممادو صمبولي بالتوجه إلى الدول الافريقية لدعوة قادتها لحضور احتفال عيد الاستقلال الوطني ورفع علم الجمهورية الإسلامية الموريتانية الحرة والمستقلة يوم 28 نوفمبر 1960 رفرافا في العاصمة نواكشوط.
وغداة اعتراف الجمهورية التونسية باستقلال بلادنا قام الرئيس المختار ولد داداه بتعيين بكار ولد أحمدو في بداية سنة 1961 سفيرا فوق العادة وكامل السلطة في تونس ، وخلال مأموريته قام بتوطيد العلاقات بين تونس وموريتانيا في مجال التبادل الثقافي والعلمي.
  وفي أكتوبر 1961 كان ضمن الوفد الذي سافر إلى نيويورك للمطالبة بمقعد لموريتانيا في منظمة الامم المتحدة  وفي سنة 1962 عين سفيرا متجولا  لدى المجموعة الاقتصادية الأوربية مقيما في باريس وكانت تربطه علاقة صداقة وطيدة بالجنيرال  ديكول.  وخلال مدة انتدابه في باريس ساهم في تقوية العلاقات بين موريتانيا  والدول الاوربية المنضوية في هذه المجموعة وهي ابريطانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا والدانمارك والسويد  ويعود إليه الفضل في توقيع العديد من اتفاقيات التعاون بين هذه الدول وموريتانيا . و في نهاية مأموريته الدبلوماسية وشحه الرئيس ديكول بأرفع الأوسمة .
وفي 25 مايو 1963  كان ضمن الوفد الرآسي الموريتاني  المشارك في المؤتمرالمؤسس لمنظمة الوحدة الافريقية في أديس أبابا.
 وفي سنة 1964 تم تعيينه  سفيرا متجولا لدى دول غرب افريقيا  مقيما في داكار وفي هذه الوظيفة لعب بكار ولد أحمدو دورا كبيرا في تقوية وتدعيم علاقات موريتانيا مع دول افريقيا جنوب الصحراء و التي تتوفر على جاليات موريتانية كبيرة ، ولهذا كانت هذه المأمورية تحد كبير، فمجال التحرك واسع جدا وأطراف الحوار متعددون وهو ما احتاج منه إلى التنقل المكوكي للقاء رؤساء الدول الافريقية جنوب الصحراء والتباحث معهم في قضايا التعاون الثنائي وأيضا لقاء جالياتنا في الخارج لحل مشاكلهم وحث سلطات هذه الدول على السهر على رعايتهم وتوفير الأمن لهم ، وقد أقام علاقات صداقة وطيدة مع العديد من القادة الأفارقة نذكر منهم كوامي نكروما وأحمد شيخو توري وسينجور وهوفيت بوانيي ..
أما المحطة الموالية لبكار ولد أحمدو فكانت تعيينه سنة 1968  في وزارة الخارجية كأمين عام وهنا كان هذا القطاع الهام على موعد مع الإصلاح وحل مشاكله البنيوية سواء تلك المتعلقة بظروف البعثات الدبلوماسية في الخارج او ضبط تسيير القطاع إداريا وماليا .. لقد كان في حرب مباشرة ضد المفسدين ومختلسي المال العام لإدراكه أن الدول لا تقوم إلا على النزاهة والصدق والأمانة.
وفي سنة 1970 طلب بكار ولد أحمدو إجازة عن العمل الحكومي والتحق بالقطاع الخاص وعمل لفترة  مع  رجل الأعمال بمب ولد سيدي بادي ثم أنشأ شركته الخاصة بالبناء والمقاولات وهي المسماة " كوب فير" ، وفي سنة 1975 وأثر اندلاع حرب الصحراء غادر إلى فرنسا فقد أدرك أن قائد سفينة الجمهورية الإسلامية الموريتانية أخطأ في توجيهها حسب المسار المطلوب للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية للبلد.
وخلال إقامته في فرنسا عاد إلى مقاعد الدراسة من خلال المدرسة العليا للدراسات والعلوم الاجتماعية و أعد فيها  سنة 1977 أطروحة للتخرج حول عادة " التهادي " عند القبيلة البدوية الموريتانية.
وفي سنة 1981 تم اختياره ممثلا للخطوط الجوية الافريقية في داكار وهي شركة أفريقية مملوكة من طرف الدول الافريقية جنوب الصحراء وتغطي حاجة مواطني هذه الدول في السفر إلى الخارج ، وقد غادرها سنة 1989 بعد ثمان سنوات تميزت بالشفافية في التسيير والحكامة الرشيدة. 
وفي سنة 1994 تم  انتخاب بكار ولد أحمدو في مجلس الشيوخ الموريتاني  شيخا عن الموريتانيين في الخارج لثلاث دورات كاملة ، وفي هذه المأموريات الانتخابية كان كما في السابق قريبا من المواطنين عطوفا على الفئات الهشة ساعيا إلى حل مشاكلهم يتساوى في ذلك المواطن المغترب او ذلك المقيم داخل الوطن.
يشهد كل من يعرف الدبلوماسي ورجل الدولة بكار ولد أحمدو بالتواضع والبشاشة والاحترام للجميع ، وكانت تربطه علاقات وثيقة بشيوخ البراكنة وزعماء الضفة الذين يتواصل معهم من خلال اللغة البولارية ، كما كان يؤمن بضرورة  انصهار جميع المكونات العرقية ضمانا لقيام مجتمع موريتاني موحد ومتجانس.. وقد عمل على ترسيخ تلك العلاقة التاريخية بين مجموعة أولاد عبد الله ومجموعة إجيجب ، فقد أخذ الطريقة التجانية الابراهيمية عن الشيخ عبد الله ولد الشيخ عبد الله ، وكانت  له علاقة روحية قوية بالشيخ المصطفى ولد الشيخ القاضي وذلك ترسيخا لتلك العلاقة المتجذرة عبر الزمان والمكان ..
وفي مجال حفظ التراث الوطني قام بتأليف كتاب عن الأمثال الحسانية وترجمه إلى الفرنسية لتطلع عليه الشعوب غير الناطقة بالعربية . 
والأمير بكار ولد أحمدو هو الأخ الأكبر لأربعة اخوة كانت لكل منهم مكانته البارزة في الدولة والمجتمع وهم الأمير الحالي أمحمد القائم على شؤون المجموعة أطال الله عمره ومحمد الحبيب وأحمدو وسيد محمد وهؤلاء انتقلوا إلى رحمة الرحمن بعد عمر حافل بالعطاء خدمة للوطن والمجتمع ، وقد لعب بكار ولد احمدو دور الأخ الأكبر بكل ما يعني ذلك من مسؤولية وما يتطلبه من دعم ومساندة.
تزوج بكار ولد أحمدو من السيدة الفاضلة مريم بنت سوكة وقد درست في مدرسة البنات  في بوتلميت سنة 1946 وتخرجت في دفعتها الأولى سنة 1952 وعملت في التعليم إلى جانب زوجها وتخرجت على يديها أجيال عديدة ساهمت في بناء الوطن الموريتاني وقد توفيت رحمها لله سنة 2010.   وقد حظيت خلال حياتها بالعديد من التكريمات كان آخرها  من قبل الاتحاد الدولي لنساء موريتانيا.
بعد عمر حافل بالتضحية من أجل بناء كيان موريتاني قوي وقابل للإستمرار، انتقل الأمير والدبلوماسي والإداري وعضو مجلس الشيوخ بكار ولد احمدو ولد سيد أعلي يوم التاسع من يناير سنة 2020 إلى جوار ربه راضيا مرضيا. وقد ترك  رحمه الله وراءه الكثير من التقدير والاحترام لدى كل من يعرفه ،كما ترك إرثا من التسامح والتواضع والاحترام يمثل دستورا أخلاقيا للأجيال الحالية  ، يقول تعالي  : "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " صدق الله العظيم
بقلم سعدبوه ولد محمد المصطفى

 

اثنين, 27/11/2023 - 23:24