بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس الجمهورية
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
جاء في المادة: 90 من الدستور الموريتاني: (لا يخضع القاضي إلا للقانون وهو محمي في إطار مهمته من كلّ أشكال الضغط التي تمسّ نزاهة حكمه)
انطلاقا من المادة أعلاه لا يجوز أن يملك أيّ شخص أو أيّة سلطة ما يمكن أن يشكل وسيلة ضغط على أيّ قاض حتى ولو كانت رمزية ما لم ينصّ الدستور على ذلك ومن المجمع عليه أنّ أكبر تأثير يمكن أن يمارس على القاضي هو امكانية تعرضه للعزل والتحويل
السيد الرئيس
انطلاقا من المادة أعلاه لا يجوز أن يملك أيّ شخص أيّ وسيلة ضغط على القاضي حتى ولو كان هذا الشخص هو الدولة لأنّ الدولة في المادة الجزائية بكامل امكانياتها وتجسيدها للمجتمع تكون مجرد طرف تماما مثل المتهم
السيد الرئيس
تعلمون أنّ جمهور الدولة الحديثة منقسم بطبيعته إلى نقابات وأحزاب تتعارض مصالحها ويعتبر الصراع السلمي بينها وسيلة للسعي بالبلد نحو الأفضل لذلك فإنّ هذه الحماية التي منحت للقاضي ليست منّة بل هي أمر أساسي تتطلبه ممارسته لمهمّته بشكل يسعى إلى اقناع المتقاضين بحياده ذلك أنّ الجمهور (المتقاضين) لا يمكن أن يطلب منه الاقتناع بعدالة قضاة يملك بعضه وسائل التأثير عليهم وعدم قناعة الجمهور بعدالة القضاء أمر خطير كما تعلمون
السيد الرئيس
تعلمون أنّ الدستور هو النص الذي ينظم العلاقة بين السلطات العمومية فيما بينها وبينها مع الأفراد لذلك فهو أعلى نصّ وأنّه عندما يفسر يكون تفسيره في الاتجاه الذي يخدم تكريس قيم الجمهورية ومبادئ دولة القانون التي يقع على رأسها مبدأ فصل السلطات انطلاقا من ذلك عندما أراد الدستور الفرنسي المساس بالقاعدة الدستورية أعلاه بالنسبة للقضاء الواقف نصّ على ذلك في الدستور ذاته حيث نصّ في الفقرة الرابعة من المادة: 64 من الدستور الفرنسي على انّ الحماية من التحويل مقصورة على قضاة الحكم وهو ما عرّض فرنسا لنقد كلّ من لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان وسعيا إلى صيانة الحريات الفردية والعامة وتفاديا للنقد جعل الآباء الذين صاغوا الدستور الموريتاني الحماية من العزل والتحويل شاملة لجميع القضاة واقفين وجالسين
السيد الرئيس
لارتباط النمو بالاستقرار وارتباط الأخير بالعدل والصلة الوثيقة بين العدل واستقلال القضاء وكون استقلال القضاء هو لبّ قيم الجمهورية ومبادئ دولة القانون نجد أنّ جميع الدساتير والقوانين النظامية وقرارات المجالس الدستورية في جميع دول العالم اعتمدته بما في ذلك موريتانيا التي بعد أن نصّ دستورها في المادة أعلاه على حماية القاضي من كلّ ما يمكن أن يؤثر على حياده جاء في المادة: 8 من القانون 012/ 94 المتضمن النظام الأساسي للقضاء أنّه: (لا يجوز عزل قضاة الحكم ولا يحولون إلا بطلب منهم أو بعقوبة تأديبية أو لضرورة قاهرة للعمل ....) وكرّس قرار المجلس الدستوري الموريتاني رقم: 07/ 93 هذه المبادئ جزئيا حيث جاء فيه: (نظرا إلى أن استقلال السلطة القضائية الذي تضمنه المادة 89 من الدستور يترتب عليه مبدأ عدم قابلية قضاة الحكم للعزل وذلك رغم صمت المادة: 89 في هذا المجال. وإلى أن هذا المبدأ ليس في الواقع امتيازا مفرطا يمكن منحه أو رفضه لقضاة الحكم وإنما هو ضمانة أساسية لحماية استقلالية المحاكم وحماية المتقاضين. وأنه يترتب علي ذلك أن المادة 8 من القانون النظامي المعروض علي المجلس الدستوري وهي تنص في غياب طلب حر من القاضي أو عقوبة تأديبية، على إمكانية تحويل هذا الأخير بمرسوم بناء على تقرير مسبب من وزير العدل، قد تجاهلت المبدأ الدستوري المتمثل في استقلالية المحاكم.)
السيد الرئيس
تنصّ الفقرة الأخيرة من المادة: 87 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية على أنّ قرارات المجلس الدستوري ملزمة للسلطات العمومية وجميع السلطات القضائية والإدارية
السيد الرئيس
ضرورة العمل القاهرة المشار إليها في المادة: 8 من القانون 012/ 94 المتضمن النظام الأساسي للقضاء أعلاه تتعلق بإنشاء محكمة جديدة أو تقاعد قاض أو إصابته بمرض يتطلب عطلة مرضية طويلة أو قضاء القاضي فترة طويلة في مدينة صغيرة تحمل على افتراض أنّه أصبح على علاقة ببعض أهلها أو أنّ قاضيا أصبح في رتبة لا يمكن أن يكون من فيها في المحكمة التي يرأس وعلى كلّ حال ليس منها أعني ضرورة العمل القاهرة تجسيد رغبات وزراء العدل أو تلبيتهم لطلبات النافذين
السيد الرئيس
أيّ ضرورة قاهرة دفعت لتحويل رئيس محكمة مقاطعة بابابه منها إلى آمرج وأيّ ضرورة قاهرت دفعت إلى تحويل رئيس محكمة مال منه إلى جكني ..... و أيّ ضرورة قاهرة دفعت إلى تحويل غيرهم من شباب القضاة وأيّ ضرورة قاهرة دفعت إلى تحويل محمذن بالاه من نواكشوط إلى نواذيب ؟
السيد الرئيس
محمذن بالاه قاض مسن لا يفارقه مرض الشقيقة إلا نادرا وله عيال من ضمنه فتيات وهو من أكثر القضاة استقامة
السيد الرئيس
أيّ ضرورة قاهرة دفعت إلى تحويل القاضي المستقيم المنقطع لعمله عبد الله أسويدالة ( السنهوري ) من رئاسة محكمة ولاية لبراكنة إلى مستشار باستئنافية نواذيب ؟
السيد الرئيس
قال لي أنّه ربما تكون عصفت به خلافاته مع النيابة العامة هذا مع أنّني أظن أنّه أكثر جدّية واستقامة وانقطاعا للعمل من جميع من يعمل في النيابة العامة الآن ودون استثناء كما أعتقد أنّه أكثر منهم جميعا قدرة على تطبيق القانون والصمود عليه وربما يكون ذلك هو ذنبه
السيد الرئيس
أسأل الله أن يلهمني وإياكم وإياه مزيدا من الاستقامة والقدرة على تحمل مشقاتها
السيد الرئيس
أيّ ضرورة قاهرة دفعت إلى مخالفة القانون في هؤلاء أرجو أن تطرحوا هذا السؤال على السيد وزير العدل
السيد الرئيس
نصّت المادة: 24 من الدستور على أنّكم تجسدون الدولة وأناطت بسيادتكم مهمة حماية القواعد الدستورية من المخالفة وجاء في المادة: 89 منه أعني الدستور أنّكم أنتم الضامن لاستقلال القضاء وأنّ المجلس الأعلى للقضاء يساعدكم في المهام المتعلقة بصيانة استقلال القضاء ولعجز المجلس عن الوفاء بتلك المهمة عجزا يتضح من أمور منها:
ـ تواني أعضائه من القضاة المهنيين خريجي القانون أو عجزهم عن أن يوضّحوا لسيادتكم عدم شرعية تحويل القضاة دون طلب منهم طبقا للمواد: 89 و90 من الدستور و8 من ق ن أ ق وقرار المجلس الدستوري رقم: 07/ 93 ومختلف قيم ومبادئ الجمهورية ومفاهيم دولة القانون
ـ عجز اعضاء المجلس من القضاة المهنيين خريجي القانون عن أن يشرحوا لكم أنّ المجلس هيئة تتشكل من كامل أعضائها وأنّ وزير العدل ليس إلا عضوا فيها ويمنعه انتماؤه للسلطة التنفيذية من اقتراح تحويل أيّ قاض حسب النصوص والمبادئ المشار إليها أعلاه خاصة إذا كان القاضي من القضاء الجالس
السيد الرئيس
لا جدال في خطورة هذا العجز ذلك أنّه جعل هيئة يرأسها رئيس الجمهورية تخالف الدستور بشكل متكرّر
وهذه المخالفة في حقّ من أسند إليهم المجتمع عبر الدستور ومختلف قواني الجمهورية وطبيعة وظيفتهم المحافظة على سيادة العدالة ممّا يمكن أن يدفع إلى أمور خطيرة منها:
1ـ طرح القاضي ضحية التحويل التعسفي لأسئلة حول جدوائية احترام القانون ما دامت هيئة عليا يرأسها رئيس الجمهورية تخالفه فيه
2ـ اعتقاد القاضي بأنّ الحماية التي يمنحه القانون غير كافية وبالتالي فلا بدّ له لكي يحمي نفسه بشكل جيّد من الرجوع للأطر التقليدية للحماية ممّا يمكن أن يؤدي به إلى الارتماء في احضان النافذين من قبيلته أو غيرهم
3ـ طرح المتقاضين أسئلة من قبيل هل يستطيع القاضي تحقيق العدالة وهو تحت سيف التحويل التعسفي وامكانية ظلم المجلس الأعلى للقضاء له
4ـ سقوط القاضي من أعين الناس نتيجة لما سبق خاصة دفعه إلى التردد على النافذين طلبا للحماية من التحويل وهو ما نرى ملامحه أعني سقوط القاضي من أعين الناس في كثير من معاملة السلطات والأشخاص للقضاة ومن ذلك على سبيل المثال بالنسبة للسلطات:
ـ عدم احترام السلطات الأمنية للقضاة فكثيرا ما يمنع قاض من دخول مكتبه بقصر العدل تعرضت شخصيا لذلك بل إنّ أحد ضباط الشرطة القضائية وصل به الأمر إلى الاعتداء على قاض في مكتبه وبمناسبة تأديته لوظيفته ولم ينفذ حكم الإدانة الذي صدر في حقّه حتى كتابة هذه الرسالة
ـ أنّه عندما تقرّرون منح امتياز أو أيّ شيء للقضاة فإنّ الوزارات المعنية لا تمنحه لهم مطلقا أو تمنحه جزئيا بعد إذلالهم عبر بذلهم لجهود متواصلة على فترة زمنية طويلة بشكل يجعلهم في مظهر المتسول وذلك مثل القطع الأرضية التي لم تعمّم حتى الآن وعلاوة الحكم التي لم تمنح بقيتها حتى كتابة هذه الرسالة .... وذلك على خلاف ما يقرّر بالنسبة للسلطات الأخرى حيث يمنح بشكل سريع وسلس مثل علاوة قضاة محكمة الحسابات وقطع البرلمانيين
بل إنّه عندما يتفق المجتمع الموريتاني قيادة وشعبا سلطة ومعارضة على منح قضاء الجمهورية بعض ما يستحقّ من عناية مثل ما حدث في المنتديات الأخيرة وما سبقها من منتديات تقف جهات دون ذلك حتى لا يرى النور وما نتائج المنتديات التي نظمت في أيامكم عنّا ببعيد حيث لم ير أي من نتائجها التي تنعكس بشكل إيجابي على القضاة النور رغم مضي ما يزيد على سنة عليها بل إن التحويلات التعسفية السابق لها ظلّت مستمرة بعدها وهو ما أدّى لكتاب هذه الرسالة التي أردت من خلالها أن أطلعكم على موقف القانون منها
السيد الرئيس
تحويل أيّ قاض دون طلب منه أو لضرورة قاهرة حقيقة مثل المشار إليه أعلاه أمر خطير لذلك منعته الدساتير والقوانين وقرارات المجالس الدستورية في جميع الدول
السيد الرئيس
أربأ بسيادتكم عن ترؤس هيئة تقوم بأمور تقوض استقلال القضاء وتنتهك الدستور ومختلف قيم الجمهورية هذا مع أنّني لا أحملكم أيّة مسئولية عن ما حدث منه حتى الآن بحكم أنّ تخصصكم ليس القانون لكن أرجو أن تصلكم هذه الرسالة كما أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
السيد الرئيس
أرجو من الله أن يجعل سنتكم سعيدة وأن تكون سنة مباركة على الشعب الموريتاني والأمة الإسلامية
وحسبنا الله ونعم الوكيل
القاضي/ محمد ينج محمد محمود