حرب إسرائيل على غزة وأبعاد تخلي العرب عن المقاومة الفلسطينية.

العرب بين السلة والذلة. إنه لمن دواعي الأسى والألم أن تقوم إسرائيل بإبادة أهل غزة وتغرقهم في بحر لجي من الحاجات الانسانية، وفي المقابل لا تقوم الدول العربية، وخاصة الدول المحورية، بأي ردة فعل ملموسة لإيقاف هذا العدوان. وحتى الضغط السياسي الذي هو أضعف الإيمان، قد غاب عن أجندة هذه الدول. والأدهى والأمر من ذلك، هو أن قادة هذه الدول قد شجبوا عملية طوفان الأقصى وحملوا حماس مسؤولية هذه الإبادة الجماعية. فيا للعجب، ساء ما يحكمون!! فالجلاد أصبح بريئًا والبريئ أصبح جلادا، إن هذا لشيئ يراد!! وفي اعتقادي، ليس إلا محاولة مكشوفة منهم للتغطية على العار الذي لصق بهم لعدم مساعدة أهل غزة الذين يذوقون من إسرائيل الأمرين، ولسان حالهم ينادي رجالا أمثال أبطال ذي قار والعمورية وأبطال حرب استعادة الكرامة العربية سنة 1973. لكن يبدو أن ذريات هؤلاء الأبطال لا توجد إلا في صنعاء وبيروت وبغداد، لذلك لبوا النداء. ومع ذلك، فلا بأس في التماس المخرج الأهون لمن لم يلب النداء، لأن المرء لا يكلف إلا بما يطيق. وبالطبع الأهون عندهم هو الإصطفاف إلى جانب إسرائيل بدلا من مجابهتها أو الخصام معها! ومن مفارقة التاريخ أن تكون العرب، وعلى وجه الخصوص مصر الكنانة، قد خاضت حربين على إسرائيل بسبب احتلالها للأراضي العربية، و تجرؤ اليوم هي ومن والاها على وصف المقاومة الإسلامية الفلسطينية بالإرهاب بحجة أنها هاجمت إسرائيل التي تحتل أرضها وتقتل أطفالها ونساءها وشيوخها! وعلاوة على ذلك، فالتاريخ يشهد بأنه ما أخذت أرض بالقوة إلا استحال استردادها إلا بالقوة. وعليه، فما الفرق إذا، بين هذه العملية العسكرية وحرب 1973؟ فالهدف المنشود واحد وهو تحرير أراضي محتلة. ويبقى الفرق ما بين الكثرة والقلة فقط، مع فارق لافت في النتائج لصاح المقاومة! وزيادة على ذلك، فالقاعدة العلمية تقول إنه في ظل نفس الظروف، نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج. فالمقاومة الإسلامية، على قلة وسائلها المادية والعسكرية، أبلت بلاء حسنا دفاعا عن أرضها وعن المسجد الأقصى وفعلت بعدوها ما لم تفعله العرب مجتمعة، والتي تبدو الآن عاجزة عن مجرد إدخال المواد الغذائية والدواء إلى الفلسطينيين في غزة والذين يوشكون على أكل لحوم شهدائهم من شدة الجوع!! وعلى كل حال، حشا أن تكون المقاومة الفلسطينية إرهابية، فما هانت على أحد، بل أهلها مجاهدون، يقاومون الاحتلال وفي سبيله ما ضعفوا وما استكانوا وفضلوا السلة على الذلة. وكما قال الشاعر: حشا رهط النبي فإن منهم بحورا لا تكدّرها الدلاء. وفي هذا السياق، يا ترى ما الذي جرى حتى بلغت العلاقات بين هذه الدول والمقاومة الفلسطينية الحضيض، بعد أن كانت هذه، إلى عهد قريب، هي القضية المركزية والجامعة لكل العرب؟ في نظري، قد حصلت أحداث كبيرة في البيئة العربية جعلت الدعم العربي للمقاومة الفلسطينية يتراجع عاما بعد عام. وبلا شك، تأتي في مقدمة مسلسل الأحداث هذه، اتفاقيتي الاستسلام، والخذلان، كامب ديفيد (1979) وأوسلو (1993) واللتين كان الهدف الضمني منهما هو تفكيك التحالف العربي، بالإضافة إلى تهميش القضية الفلسطينية، وذلك لصالح الأمن الإسرائيلي فقط. وفعلا قد نجح هذا المخطط، وانقسمت الدول العربية بين مؤيد ومناوئ لهذه الاتفاقيات. وعلى غرار الدول العربية، شهدت أيضا الساحة الفلسطينية نفس الانقسام. وجاءت، بعد ذلك، مبادرة الملك فهد (الأرض مقابل السلام) سنة 2002 لتبرهن على أن مقاومة الاحتلال أصبحت، بالنسبة للعرب، حملا ثقيلا لا يطيقونه. لذا أصبحوا يريدون التخلص منه وبأي ثمن. فهمت إسرائيل مضمون هذه الرسالة، ورفضت المبادرة جملة وتفصيلا، وبدأت تبتلع الأراضي الفلسطينية شيئا فشيئا ودون أي إجراء مضاد من العرب! ومما شكل أيضا تربة صالحة لهذا المزاج العربي المخالي، هو رحيل رعيل الممانعة والمقاومة، أمثال جمال عبد الناصر، الملك فيصل، هواريبو مدين، صدام حسين ومعمر القذافي. ومن بعد هؤلاء الأبطال، رحمهم الله، تعاقب على الاحكام قادة يتقاسمون العداوة للتيارات الإسلامية لكونها القلب النابض للأمة الرافض للاستسلام والفساد ويعتبرونها عنصر تثوير وتحريض لمواطني بلدانهم. ومن منطلق عدو عدوك، صديقك، ارتمى هؤلاء القادة في احضان إسرائيل، مقابل فاتورة باهظة الثمن، ونسجوا معها من تحت الطاولة علاقات تعاون وفي مجالات عديدة، وعلى وجه الخصوص التخابر على المقاومة الإسلامية الفلسطينية. وقد استمرت هذه العلاقات حتى أخذت بعدا جديدا، وذلك إثر اندلاع شرارة ثورات شعبية عارمة، في بعض الدول العربية، أواخر 2010. ونظرا لشعاراتها الجذابة وقاعدتها الشعبية الواسعة، أرعبت هذه الثورات القادة العرب وإسرائيل على حد سواء، وجعلتهم جميعا يشعرون بتهديد مشترك على شكل فوبيا. وكردة فعل قام هؤلاء الحلفاء بإجهاض هذه الثورات، إلا أنها تركت في نفوسهم خوفا من حدوثها مرة أخرى. وبحكم هذه الخشية، استمر التعاون والتنسيق بين الحلفاء حتى توج بالتطبيع العلني. ومما زاد الطين بلة، طوفان الأقصى الذي اعتبرته هذه الأطراف تهديدا وجوديا لهم. وعلى إثره مباشرة، ودون انتظار، تشاوروا بينهم بسرعة وأجمعوا أمرهم على أن تقوم إسرائيل بالقضاء نهائيا على المقاومة الاسلامية الفلسطينية، واعتبروا أن الوقوف دون الوصول إلى هذا الهدف، سيشكل انتصارا لحماس وضربة قوية للأحكام العربية. وفي هذا الإطار بالذات، شنت إسرائيل حرب إبادة على غزة لم يسلم منها الشجر ولا الحجر، وذلك بدعم من دول الطوق، التي وفرت الغطاء السياسي للحرب وضربت حصارا اقتصاديا على غزة. وفي إطار هذا الدعم العربي لإسرائيل، ألتزمت دولة مطبعة لإسرائيل بتمويل إعادة بناء الجدار العازل الأمني الذي دمرته حماس في يومها المشهود، بينما نظمت دولة محورية أخرى حفلات للرقص والغناء، وذلك موازاة مع بداية العدوان قصد إشغال الناس بالطرب عن ما ترتكبه إسرائيل من فظائع في غزة. وفي خضم هذا الجو المعادي للمقاومة الفلسطينية وغياب أي إجراء ملموس من العرب يغيظ إسرائيل، تدخلت جنوب أفريقيا وأخذت على عاتقها هذا التحدي وملأت الفراغ الحاصل، في انتظار أن تستفيق الشعوب العربية من سباتها وتختار قادة لا يعبثون بإرادتها. وبهذا التوجه،أكدت جنوب أفريقيا العظمى على تمسكها بالمواثيق وبالمبادئ الدولية وحقوق الانسان. وفي سبيل ذلك لا تخاف غضب الولايات المتحدة، ولا تخشى بطش إسرائيل. ومهما ستخلص إليه محكمة العدل الدولية من قرارات، فإن هذا الموقف الشريف لجنوب أفريقيا، سيبقى، وإلى الأبد، محفورا في الذاكرة الجماعية لكل أحرار العالم. وفعلا، فإن معادن الناس لا تعرف إلا من أفواه المواقف. فشكرا لها، قمة وقاعدة، وصدق من قال: كما تكونوا يولى عليكم! وفي النهاية، فإن هذه الحرب الظالمة ستكون لها تداعيات كثيرة على الساحة المحلية والدولية، ومن بينها: -عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وحتمية تسويتها. -عدم الثقة في القوانين والمواثيق الدولية بسبب عجزها عن إيقاف العدوان على غزة. ⁠- تعطيل قطار التطبيع مع إسرائيل. - تراجع احترام حقوق الإنسان في العالم جراء المجازر اليومية التي تقوم بها إسرائيل على مرأى ومسمع من كل العالم ودون أي استنكار، خاصة من الدول الغربية التي ما فتئت تتشدق بأنها هي من تحمي حقوق الإنسان . -انتشار الاسلام الشيعي عبر العالم الاسلامي بفضل التضحيات الجسام لمحور المقاومة الشيعية في كل من اليمن ولبنان والعراق، تضامنا مع أهل غزة. - تراجع انتشار الإسلام السني بسبب انقياد وإذعان الدول المعنية للإرادة الغربية. -استفادة المقاومة في أنحاء العالم من الأساليب التكتيكية العسكرية التي استخدمتها المقاومة الاسلامية الفلسطينية بنجاح ضد المحتل. - ازدياد الهيمنة الأمريكية وتسلطها على الشعوب الضعيفة. - خسارة الولايات المتحدة لمعركتها من أجل كسب قلوب الشعوب الإسلامية. - ضياع هيبة ووزن الدول الإسلامية، بسبب عدم وقوفها إلى جانب غزة أثناء ما تتعرض له من إبادة وتصفية عرقية.

بقلم العقيد المتقاعد أنه ولد الصوفي

اثنين, 26/02/2024 - 23:58

إعلانات