المجتمع الموريتاني بين الواقع والمصالح الخارجية/أحمدو سيد محمد الكصري

منذ تغلغل الاستعمار الفرنسي في موريتانيا، لعب العامل اللغوي والثقافي دورًا مهمًا في تشكيل الهوية الوطنية والروابط بين مختلف الفئات العرقية، الموريتانيون الناطقون بالغة العربية، سواء كانوا من العرب البيض (البيضان) أو العرب السود (الحراطين)، يشتركون في اللغة العربية والدين الإسلامي والعادات والتقاليد والمصير المشترك كعوامل رئيسية تجمعهم، ومع ذلك، تظهر بعض الفوارق بينهم، والتي يمكن تفسيرها جزئيًا من خلال التاريخ والتعليم.
العوامل المؤثرة على الفوارق
1. التعليم : 
   - البيضان : استفاد أكثرهم من التعليم منذ فترة طويلة لأسباب متعددة، مما مكّن أكثريتهم من الحصول فقط على الوظائف الإدارية والمناصب العليا.
   - الحراطين : تاريخيًا لم يتوجهوا بشكل كبير إلى التعليم لأسباب منها ظروف العبودية التي سادت فترة من الزمن في البلاد الإسلامية، مما أدى إلى تركز أكثريتهم في القطاع غير المصنف والأعمال اليدوية والبطالة. 
  - الزنوج الموريتانيون : استفاد أكثرهم من التعليم منذ فترة طويلة باللغة الفرنسية فقط نتيجة للتأثير الاستعماري الفرنسي، ورفض كثير منهم الانضمام إلى حركة التعريب التي اجتاحت البلد للتحرر نهائيا من تبعية فرنسا، مما أدى إلى استمرارهم في النضال ضد السياسات التي تفضل اللغة العربية، وتفضيلهم البقاء تحت ظل المستعمر الفرنسي. 
   -  بالرغم من هذه الاختلافات اللغوية، هناك أواصر قوية من الحوار والمساكنة بينهم وبين الموريتانيين الآخرين وهي الدين الإسلامي الذي كان هو العامل المشترك بينهم قبل مجئ المستعمر الفرنسي حيث بدأ في توسيع الهوة بين العرب والزنوج.
2. الصراعات والتحديات :
- النضال ضد التعريب : بعض الزنوج يرون أن سياسات التعريب تستبعدهم ثقافيًا ولغويًا، مما يدفعهم للنضال من أجل الحفاظ على اللغة الفرنسية، لأن المستعمر الفرنسي قبل رحيله رسخ في أذهان معظم الزنوج أن البلاد بلادهم وأن البيضان وافدين، فكثير منهم يظنون أن هذه البلاد هي بلاد الزنوج عن جهل للتاريخ الحديث للبلد فالمرابطون أدخلوا 16 دولة إفريقية للإسلام ووحدوهم تحت لواء المرابطين من سلجماسة في أسبانيا إلى الكونجو إلى الكامرون.
- التفرقة بين البيضان والحراطين : بعد أن عجزوا عن تفرقة البيضان والحراطين، بدأت بعض الجماعات تسعى لاستغلال التوترات العرقية لتحقيق أهداف سياسية، محاولين التفريق بين البيضان والحراطين رغم اشتراكهم في اللغة والدين.
3. الوحدة الوطنية :
- الإسلام واللغة العربية : يمثلان قاسمًا مشتركًا للمسلمين مهمًا يمكن البناء عليه لتعزيز الوحدة الوطنية.
- الحوار والتفاهم : التشجيع على التعليم للكل ولو بفرضه على الجميع وتبادل الثقافات يمكن أن يساعد في تقليص الفوارق والتوترات.
تحقيق الوحدة والاستقرار في موريتانيا يتطلب معالجة الفوارق التعليمية والثقافية والاقتصادية بحكمة وعدالة، مع التركيز على المشتركات وتقوية الروابط بين مختلف الفئات العرقية.
في السنوات الأخيرة، اتجهت الدولة الموريتانية نحو تقاسم السلطة بشكل أكبر بين مختلف القوميات، في محاولة لتعزيز الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية. هذه الخطوة تعكس اعترافًا رسميًا بالتنوع العرقي والثقافي في البلاد، وتسعى لمعالجة التفاوتات التاريخية وتعزيز التمثيل المتساوي في هياكل الحكم والإدارة.
خطوات تقاسم السلطة 
1. تمثيل عادل في الحكومة:
   - تم تعيين ممثلين من مختلف القوميات في المناصب الحكومية العليا والوزارات، مما يضمن أن جميع الفئات العرقية تشارك في صنع القرار الوطني.
2. الإصلاحات التشريعية:
   - تم تبني إصلاحات قانونية تهدف إلى تعزيز المساواة والعدالة بين جميع المواطنين، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية.
3. الاهتمام بالتعليم :
   - تم التركيز على تحسين فرص التعليم للجميع، مع جهود خاصة لدعم الحراطين والزنوج في الحصول على التعليم الجيد والمستمر.
4. المشاركة السياسية :
   - تم تعزيز المشاركة السياسية من خلال تمكين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني من لعب دور أكبر في العملية الديمقراطية، مما يتيح تمثيلًا أوسع لمختلف القوميات.
5. التنمية الاقتصادية المتوازنة :
   - تم تنفيذ مشروعات تنموية تستهدف المناطق المهمشة والفقيرة، بما في ذلك تحسين البنية التحتية وتوفير فرص العمل، بهدف تقليص الفجوة الاقتصادية بين الفئات المختلفة.
نتائج هذه السياسات
- تحسن العلاقات بين القوميات : زيادة التعاون والتفاهم بين مختلف الفئات العرقية، مما يقلل من التوترات ويعزز الوحدة الوطنية.
- مشاركة أوسع في التنمية : استفادة جميع المواطنين من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يسهم في تحسين مستوى المعيشة.
- تعزيز الاستقرار السياسي : بفضل المشاركة العادلة في السلطة، تقل حالات التمييز والاضطرابات، مما يعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي.
التحديات المستمرة
- التنفيذ الكامل للإصلاحات : يتطلب الأمر وقتًا وجهودًا مستمرة لضمان التنفيذ الفعلي للإصلاحات وتحقيق الأهداف المرجوة.
- تغيير العقليات : يحتاج التغيير الثقافي والاجتماعي إلى تعزيز الوعي والتفاهم بين مختلف الفئات، وهو أمر يتطلب جهودًا تعليمية وإعلامية مستمرة.
يمثل تقاسم السلطة بين مختلف القوميات خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، ويتطلب الأمر استمرار هذه الجهود لتحقيق التنمية المستدامة والسلام الاجتماعي، ولعب المجتمع المدني دورا أكبر في توعية المواطنين على الحفاظ على المكتسبات والتضحية في سبيل تحقيق كل الآمال التي تم تحديدها بالحوار والإقناع ورفض العنف كوسيلة لنيل الحقوق، كما أن الدخلاء والعملاء الذين يعملون من أجل أجندة خارجية يجب الوقوف في وجههم والتوحد ضدهم.
في بلدنا، كانت هناك تباينات كبيرة في استجابة الفئات المختلفة للتعليم خلال فترة الاستعمار الفرنسي، لكن بعض الفئات فضلت التعليم الفرنسي باعتباره وسيلة للارتقاء الاجتماعي، بينما اختارت فئات أخرى، مثلا الزوايا المحافظين، حماية أطفالها من التعليم الاستعماري خوفًا من تأثيره على الهوية الدينية والثقافية.
اختلاف الاستجابة للتعليم الاستعماري
1. الفئات التي تبنت التعليم الاستعماري :
   - من مختلف القوميات، بما في ذلك بعض البيضان وأكثرية الزنوج، تبنوا التعليم الفرنسي لإدراكهم فوائده المحتملة في الوصول إلى المناصب الإدارية والفرص الاقتصادية في تلك الفترة.
2. الفئات المحافظة :
   - الزوايا المحافظين : هذه الفئة، التي كانت تركز على التعليم الديني التقليدي، اختارت إخفاء أطفالها عن المدارس الفرنسية للحفاظ على الهوية الإسلامية والثقافية. رأوا في التعليم الاستعماري تهديدًا لقيمهم وتقاليدهم.
تأثير هذه الاختلافات
- التعليم الديني مقابل التعليم الغربي :
  - ركز الزوايا المحافظين على تعليم أبنائهم العلوم الشرعية والدينية، مما أدى إلى تخرج علماء وفقهاء، بينما استفاد الآخرون من التعليم الفرنسي بالحصول على وظائف إدارية ومناصب حكومية.
- التفاوت في الفرص الاقتصادية والاجتماعية :
  - من تبنوا التعليم الغربي تمكنوا من الاندماج في النظام الإداري الاستعماري وبعد الاستقلال، مما أدى إلى تفاوت في الفرص الاقتصادية والاجتماعية بين مختلف الفئات.
الأوضاع الحالية
- توجه نحو التعليم المتوازن :
  - الدولة تسعى اليوم لتحقيق توازن بين التعليم الديني والتقليدي والتعليم الحديث، لضمان أن يحصل الجميع على فرص متساوية في التعليم والعمل.
- الاعتراف بالتنوع التعليمي :
  - هناك اعتراف بضرورة احترام التنوع الثقافي والتعليمي، وتقديم تعليم يراعي الهوية الدينية والثقافية للموريتانيين، مع الاستفادة من العلوم الحديثة.
من ضمن التحديات الحالية بناء نظام تعليمي يجمع بين القيم الدينية والثقافية للبلاد والعلوم الحديثة، مما يمكن جميع الفئات من الحصول على تعليم يعزز من فرصهم الاقتصادية والاجتماعية ويعزز الوحدة الوطنية. 
في ظروف صعبة، مثل التي تمر بها البلد، يتطلب الأمر تضحية وإخلاص من جميع المواطنين للحفاظ على استقرار الوطن وتعزيز وحدته، مع الاعتراف بنزاهة الانتخابات من قبل المراقبين الدوليين واللجنة الوطنية للانتخابات والمجلس الدستوري، يصبح من المهم توجيه جهودنا نحو الحفاظ على السلم الأهلي وتعزيز الحوار الوطني، والخطوات التي يمكن اتباعها للتضحية من أجل الوطن في مثل هذه الظروف : 
 1. تعزيز الوحدة الوطنية
- تقبل النتائج : من المهم قبول نتائج الانتخابات كما أكدت عليها الهيئات الرسمية والمراقبون الدوليون، والعمل مع الحكومة المنتخبة لتحقيق الأهداف الوطنية.
- نبذ التفرقة : الابتعاد عن الخطاب الذي يعمق الفجوات بين الفئات المختلفة في المجتمع، والعمل على تعزيز الروابط المشتركة بين جميع الموريتانيين.
 2. الحفاظ على السلم الأهلي
- الابتعاد عن العنف : تجنب أي دعوات للعنف أو التظاهر العنيف، واللجوء إلى الحوار السلمي لحل الخلافات.
- التوعية والإعلام : استخدام وسائل الإعلام لنشر رسائل التسامح والتعايش السلمي، وتوعية المواطنين بخطورة الفتنة والصراعات الأهلية.
 3. المشاركة في العمل المدني
- الانخراط في المجتمع المدني : المشاركة في الجمعيات والمنظمات التي تعمل على تعزيز السلم الأهلي والتنمية المستدامة.
- التطوع : تقديم الخدمات التطوعية في المجالات المختلفة، مثل التعليم والصحة والبيئة، للمساهمة في تحسين حياة المواطنين.
 4. التحلي بالمسؤولية الوطنية
- مراقبة النزاهة : مراقبة الأداء الحكومي والمشاركة في الحوارات الوطنية لضمان التزام الحكومة بالمبادئ الديمقراطية والعدالة.
- التربية على القيم الوطنية : تربية الأجيال الصاعدة على حب الوطن والولاء له، وتعليمهم أهمية التضحية من أجل مصلحة البلاد.
 5. التعاون مع الأجهزة الأمنية
- التبليغ عن التهديدات : الإبلاغ عن أي تهديدات أو محاولات لإشعال الفتنة بين المواطنين إلى الجهات الأمنية المختصة.
- دعم الجهود الأمنية : التعاون مع الأجهزة الأمنية في الحفاظ على الأمن والاستقرار، ودعم الجهود الرامية إلى محاربة الإرهاب والجريمة.
 6. تعزيز الحوار الوطني
- إشراك الجميع : ضمان مشاركة جميع الفئات والطوائف في الحوار الوطني، والاستماع إلى كافة الآراء والمطالب.
- التفاوض والتفاهم : العمل على حل الخلافات من خلال التفاوض والتفاهم، بدلاً من اللجوء إلى الصراعات والمواجهات.

في النهاية، التضحية من أجل الوطن تعني وضع مصلحة البلاد فوق المصالح الشخصية والعمل بجد من أجل بناء مستقبل أفضل للجميع، يتطلب الأمر تعاون الجميع وتكاتفهم لتحقيق الاستقرار والتنمية في البلد. 
من خلال خطط الحكومة في التوجه نحو التكوين المهني هو خطوة استراتيجية تسهم في حل مشكلة البطالة وتعزيز التنمية المستدامة في البلد، من خلال توفير التكوين المناسب للشباب والمواطنين، يمكن خلق فرص عمل جديدة، تحسين الإنتاجية، وتعزيز الاقتصاد الوطني، مما يضع البلاد على طريق التقدم والاستقرار.

 

أحمدو سيد محمد الكصري 
باحث مهتم بالشأن الوطني

اثنين, 08/07/2024 - 08:47