سيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني،
مع بداية العد التنازلي لمأموريتكم الأخيرة في الأسبوع الأول من أغسطس القادم، ينتظر منكم يا سيادة الرئيس النظر إلى هذه الفترة كفرصة فريدة لترسيخ إرث دائم يسهم في رفاهية وتقدم موريتانيا. هذه المرحلة تتطلب قيادة حكيمة ورؤية واضحة لتوجيه البلاد نحو مستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا.
ينتظر منكم يا سيادة الرئيس التركيز على ترك إرث وطني يُذكر بالخير. في هذه المرحلة الحاسمة، يُعتبر ترك إرث إيجابي للشعب الموريتاني من أهم الأولويات. يجب أن تكون كافة القرارات والخطوات متجهة نحو تعزيز التنمية المستدامة، والتأكيد على العدالة الاجتماعية، وبناء مؤسسات قوية قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية.
ينتظر منكم يا سيادة الرئيس إيقاف كافة الممارسات التي شهدتها المأمورية الأولى، وخاصة منها ما يقوض الوحدة الوطنية وما يهدر المال العام. يجب أن تكون هناك محاربة حقيقية للفساد، والتخلي عن كل الشخصيات التي فشلت في أداء مهامها والاستعانة بالكفاءات الوطنية.
ينتظر منكم يا سيادة الرئيس التأمل في نماذج العظماء الذين قدموا نماذج حسنة في تسييرهم لمأموريتهم الأخيرة. على سبيل المثال، جورج واشنطن في مأموريته الأخيرة ركز على تعزيز الوحدة الوطنية وتجنب التحزب. ألقى خطابه الشهير "خطاب الوداع" في 1796، حيث قال: "الحزبي قد يسعى لتحقيق مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة". تمكن من وضع أسس قوية للجمهورية الأمريكية وتوجيه الأمة نحو الاستقرار السياسي. وهو اليوم يعتبر أب للأمة الأمريكية ورمز لوحدتها الوطنية.
كذلك، ينتظر منكم يا سيادة الرئيس الاقتداء بنيلسون مانديلا. ففي مأموريته الأخيرة، عمل على تحقيق المصالحة الوطنية وبناء جنوب إفريقيا الجديدة بعد سنوات من التمييز العنصري. ركز على تعزيز الوحدة والعدالة. ترك إرثًا من السلام والمصالحة وأسس دولة متعددة الأعراق مبنية على المساواة. قال مانديلا: "إنه يبدو دائمًا مستحيلاً حتى يتم تحقيقه." يُذكر مانديلا كبطل للسلام والعدالة الاجتماعية.
في المقابل، ينتظر منكم يا سيادة الرئيس التنبه لخطورة النماذج السيئة التي قدمت تجارب مؤلمة في تسيير مأمورياتها الأخيرة، مثل ريتشارد نيكسون. في مأموريته الأخيرة، تورط نيكسون في فضيحة Watergate، التي كشفت عن إساءة استخدام السلطة وانتهاك القوانين. فضيحة Watergate هذه يا سيادة الرئيس وقعت في عام 1972، عندما تم اقتحام مقر اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في مجمع Watergate في واشنطن العاصمة. الفضيحة بدأت تتكشف ببطء عبر التحقيقات الصحفية والسياسية، وأدت إلى استقالة نيكسون في 8 أغسطس 1974، وعززت الفضائح السياسية الشكوك وعدم الثقة في الحكومة الأمريكية. اليوم نيكسون هذا يُذكر بسوء الإدارة والفساد السياسي.
أيضًا، ينتظر منكم يا سيادة الرئيس تجنب تجربة جاكوب زوما في جنوب إفريقيا. زوما كان رئيسًا لجنوب إفريقيا في الفترة من 2009 إلى 2018، وفي مأموريته الأخيرة، تورط في سلسلة من فضائح الفساد وسوء الإدارة. اتُهم بتبديد المال العام وتفضيل مصالحه الشخصية على حساب مصلحة الشعب. أدت فضائحه إلى تدهور الثقة في الحكومة وتزايد الاحتجاجات الشعبية، مما أجبره على الاستقالة في 2018. يُذكر زوما كرئيس أضعف مؤسسات الدولة وأفسد الثقة بين الشعب والحكومة.
ينتظر منكم يا سيادة الرئيس الالتزام بجعل المأمورية الأخيرة خاصة بالشباب والاهتمام بهم. الشباب هم مستقبل موريتانيا وأملها. يجب دعمهم وتوفير الفرص لهم للنمو والتطوير، سواء في مجالات التعليم، أو التوظيف، أو ريادة الأعمال. الاستثمار في الشباب هو الاستثمار في مستقبل البلاد.
ينتظر منكم يا سيادة الرئيس تعزيز الوحدة الوطنية. موريتانيا تتميز بتنوعها الثقافي والاجتماعي، وهذا التنوع ينبغي أن يكون مصدر قوة ووحدة. الابتعاد عن التحزب والانقسام هو أمر حيوي في هذه الفترة، والعمل على تعزيز روح المواطنة والوحدة الوطنية من خلال سياسات تجمع ولا تفرق.
ينتظر منكم يا سيادة الرئيس العمل على تعزيز وتكريس الديمقراطية والسعي إلى تحسين النصوص السامية كالدستور والقوانين النظامية، وضمان الشفافية في كل خطوة تخطونها.
ينتظر منكم يا سيادة الرئيس التواصل الفعّال مع الشعب. التواصل الواضح والصادق مع الشعب هو عنصر أساسي لتحقيق النجاح في المأمورية الأخيرة. يجب أن تكون هناك قنوات مفتوحة للتفاعل مع المواطنين، توضيح القرارات والسياسات، والاستماع إلى ملاحظاتهم واقتراحاتهم.
وينتظر منكم يا سيادة الرئيس فرض على كافة أعوان الدولة التحلي بالنزاهة والشفافية. فهي أهم القيم التي يجب أن يتحلى بها العون العمومي. فالعمل بصدق وتفانٍ لضمان احترام الشعب وثقته هو السبيل الأمثل لتحقيق الأهداف المرجوة.
وفي نهاية مأموريتكم، يجب أن تقفوا موقف الحياد من كافة المترشحين وتضمنوا انتقالاً سلسًا للسلطة في احترام تام للقانون وضوابط اللعبة الديمقراطية، والتي هي الأخرى ينبغي أن لا تغفلوا عن تحسينها وتطويرها خدمة للاستقرار.
أيها الرئيس، أكتبوا اسمكم بين العظماء لأن مأموريتكم الأخيرة تحمل في طياتها فرصة عظيمة لترك بصمة لا تُمحى في تاريخ موريتانيا. من خلال فرض النزاهة، وتعزيز الوحدة الوطنية، والتواصل الفعال، يمكنكم تحقيق رؤية مستقبلية تضع موريتانيا على طريق الازدهار والتقدم. ونحن على يقين أن قيادتكم الحكيمة ستسهم في تحقيق الأهداف الوطنية وتعزيز رفاهية جميع المواطنين.
ونأمل في الأخير، أن تكونوا بين العظماء عند انتهاء هذه المأمورية، وأن يذكركم الشعب بالخير دوما.
الأستاذ محمد فاضل الهادي