لسنا بصدد معالجة الكيفية التي أدت إلى هجرة الكثير من الشباب إلى الولايات المتحدة الآمريكية، ولكن نريد من خلال هذا المقال أن نبوح ببعض الأسباب التي آلمتنا،وأدت إلى هجرة حاملي الشهادات بالخصوص، أما هجرة البقية فلها جملة من الأسباب يضيق المقام عن ذكرها.
إن الحديث عن الهجرة التي شهدها البلد إنما هي نكء للجراح، التي قلما سلمت منها أسرة موريتانية، ومن أجل استجلاء كنه الموضوع، يجب على اصحاب الرأي والكتاب أن يتطرقوا لهذه الظاهرة؟! والأسباب المؤدية لها؟! لتعمل الحكومة على وقف هذا النزوح الكبير برحيل اصحاب الكفاءة إلى خارج الديار، خصوصا بعد تعهد رئيس الجمهورية بأن هذه المأمورية هي مأمورية للشباب، وخلق فرص عمل بديلة عنها، وإن السبيل إلى وجود الحلول التي تضمن الحكومة بها إعطاء الحق لمن يستحق، وحفظ أو منع هجرة ذوي الكفاءة من الشباب، لهو بالأمر اليسير إن بادرت الحكومة بالبحث عن ذلك، وهو بخلق فرص الإكتتاب وهي بيت القصيد أي الإسراع في الإكتتاب، وتنقيح الوزارات من اصحاب الرواتب الذين لا يؤدون أي عمل بالمقابل وهم كثر.
إننا نحن كشباب نعلم أنه من رحم الحرمان والمعاناة يولد الإبداع والإبتكار وتتجدد الوسائل لتحقيق الغايات للوصول للأهداف المنشودة، ولكن كيف تتحقق الغايات والفرص شبه معدومة؟!.
إن أمل الشباب حاملي الشهادات الذين آمنوا بأن الإنصاف قادم لا محالة، وإن كانوا في الوقت الراهن كالقابض على الجمر، لايكون إلا بفتح مسابقات تمتص جموحهم المناغي للسماء، فبفتح المسابقات التي ترقى لها طموحاتهم، وأحلامهم من خمس سنين لأخرى لهو أمر يشي بالشيء الكثير، وهو أن الحكومات لاتولَّي الشباب المكانة التي يستحقها، ليصبح الشباب في هذا البلد أضيع من قمر الشتاء، وهذا مثل عربي قديم يستخدم للتعبير عن الأشياء المهدورة، لأن القمر في الشتاء لا أحد يسهر على ضوئه بسبب البرد، وقد أثارت زيادة سن التقاعد إلى 63 عاما، مسألة لم تكن لترد بخاطري لولا هذا القرار، وهو أن الحكومة لاترى في الشباب الكفاءة، وهذا أمر مثير للإستغراب حقاً، فإنه كلما زاد سن التقاعد زادت البطالة وضاقت الفرص. نعم عندما نعطي كهلاً ثلاث سنين زيادة في الوظيفة، فالندرك جيداً أننا بذلك اضعنا جيلا من الشباب تعدت اعمارهم السن المطلوب للترشح، وتركناهم عرضة للهجرة، ونضحاً للبطالة المنتشرة وإنقاذاً للشباب الحالمين بغدٍ أفضل وخدمة بلدهم، كان على الحكومة زيادة معدل السن بالنسبة للمشاركة في المسابقات العمومية، فبدلا من سن 38 تزيده إلى 40 سنة، وهكذا دواليك لئلا يخبو وجه شباب البلد ووقوده في الهجرة إلى العالم الجديد.
سيدي الرئيس: إن الأمل وإن كان يضيق لهو الظل الذي نتفيؤه ، ونأمل فيكم أن تفتحوا المسابقات على مصراعيها بجميع التخصصات، ليلج الشباب الإدارة ،وتسير الوزارات، وتحل المشاكل المتراكمة على مدار السنين، بشكل سريع بكل حكمة وحنكة ودراية وإحساس بالوطنية.
أجل سيدي الرئيس: وأعضاء حكومتنا الموقرة، إن دماء الشباب الزكية الطاهرة الحالمة بغد افضل يجب تمكينها وإعطاؤها الفرص، لأن البلد بحاجة لشبابه الصاعد الواعد، ولو كان للوطن لسان لأخبركم بذلك فقد ملَّ التدوير التدوير، والتعيينات المبنية على أساس من يملك قاعدة شعبية أكثر، نعم لقد مللنا كالبلد ذلك، وكذلك هذا النوع من التعيين، وأن يبقى المسنون جثاة يشغلون المناصب، وقد ضعفوا عن ذلك، فقد رقت عظامهم وذهب وفرهم، وإنه بسعي الحكومة إلى افساح المجال للشباب، وإعطائهم زمام مقاليد الأمور، ليكونوا بذلك قد حققوا ترجمانا للوعي، وعنوانا للسعي، ووضع البلد على المسار الصحيح، للسير به نحن مصاف الدول المتقدمة.
سيادة الرئيس: قد اختارك الله تعالى خادماً لهذا الشعب، وهو سبحانه الذي يختار من يشاء لما يشاء وهو الخلاق العظيم، ورأى الشعب فيكم أمله وانتخبكم عن طريق انتخابات شفافة لا شائبة تشوبها بشهادة المنصفين، ونرجوا أن تدركوا حجم التحديات الجسام، وأن ما وليتم به أمانة، وقد عرضها الله على السماوات والأرض والجبال ورفضتها، وحملتموها انتم يا ولاة أمورنا.
سيادة الرئيس: قد اختاركم الشعب لتحققوا له آماله، وتكونوا بلسما شافيا لآلامه فتبخروها، وتجعلوا مكان اليأس أملا، ومكان الخيبة إستبشارا، ونسأل الله لنا ولكم العون والسداد.
نعم لقد صوتنا لكم لا رغبة في رضا قريب، ولا وزير، ولا غيرهما من اصحاب الجاه والنفوذ، لا والله بل لأننا رأينا فيكم الرئيس الحليم، ونأمل فيكم ما نعتقده، وهو أنكم تعلمون يقينا أن ما عندكم من موارد البلد، هي لنا وليست لكم ملكاً تنفردون به دوننا، بل هي مقدرات وخيرات أمة، وإننا لنحسن الظن فيكم كما نوهنا أعلاه، ونظنكم رجل المرحلة فالكرة في مرماكم ليخلدكم التاريخ وتتذكركم الأجيال وتدعوا الله لكم كلما ذكركم الذاكرون، ولا نزكيكم على الله فهو وحده الذي يعلم الحقيقة وهو الذي يهدي سواء السبيل.
سيدي الرئيس: لقد فتحت مسابقة عام 2019، وهي الأكبر في تاريخ البلد، وكان ذلك قبل مأموريتكم بقليل، ونأمل أن تعلنوا عن مسابقات أكبر وأفضل من سابقاتها، وفي تلك المسابقة المعروفة بالمسابقة الكبرى، التي لم يشهد البلد لها مثيلاً لحد اللحظة ،ولاينسى الشباب تلك النزاهة التي اعترتها ايضا، ولايطمع الشباب في المسابقات إلا بعدالتها، وأن يعطى فيها الحق لمن يستحق، ويفتح باب الولوج أمام أبناء الطبقات الضعيفة والهشة، وتتساوى فيها حظوظ النجاح بين ابناء الوزير، والدركي، والمتقاعد،والبواب،وغيرهم، وأن يظفر بها فقط صاحب الكفاءة، ابن دثور كان أو فاقة.
سيدي الرئيس: لقد استأثرت مجموعات قليلة عاتية بالمسابقات الوطنية قبل المسابقة الكبرى طبعاً، وحرم منها غيرهم ممن ليست لهم وساطة قريبة أو بعيدة، بل أحياناً لايُشعر بأن هناك اكتتاب أصلا، لينال شرف المشاركة، وإن أملنا اليوم فيكم كبير سعادة الرئيس، نعم لقد بدأت النفوس تشعر بالعدالة والمساواة، في فرص الإكتتاب نظراً للشفافية الكبيرة التي تتسم بها المسابقات الوطنية الأخيرة والشهادة لله، إلا أن الفارق الزمني الكبير والغير المضبوط بين المسابقة والأخرى، وعدم محاربة سبل الغش وغيره، يزيد الشباب إحباطا على إحباط، ويدفعه أكثر إلى التفكير بالهجرة، التي ستفقد البلد هذه الطاقة الهائلة، من أصحاب الأفكارة النيرة، والجموح الكبير، وتدعه عرضة للتلاشي والضياع، والأدهى والأمر أن البلد في أمس الحاجة إلى هؤلاء الشباب، خصوصا وأنه يتذيل حاليا مؤشر التنمية البشرية حسب التقارير الدولية المنشورة، أيا حكام البلد أفلا تتدبرون؟ أفلا تبصرون؟.
سيادة الرئيس: إن الأمثلة كثيرة وكثيرة على أن البلاد لن تتقدم بدون سواعد شبابها، وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم "الخير كله في الشباب"، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد تقدمت عدة دول وأصبحت لها الريادة والسيادة في شتى المجالات، بعد أن آمنت بشبابها وأعطتهم الفرصة، ومن تلك الدول الصين التي تستثمر بشكل كبير في التعليم والإبتكار والتكنلوجيا، ويقود الشباب هناك الكثير من الشركات التكنولوجية الرائدة، وكذلك المانيا، وسنغافورة التي قامت بإنشاء سياسات تدعم ريادة الأعمال والإبتكار بين الشباب، مما جعلها واحدة من أكثر الدول تقدماً في آسيا، والشواهد تترى والأمثلة يعجز قلمي وأقلام الكل عن حصرها، والمعادلة واحدة لا تتغير بتغير الجغرافيا ولا حتى التاريخ، وهو أنه من استعان بالشباب ظفر،ومن غيبهم غيبه الزمن من التقدم والإزدهار وأن لا يكون له شرف حذو النعل بالنعل مع الدول المتقدمة.
سيادة الرئيس: قد جدد الشعب ثقته فيكم على علات المأمورية المنصرمة، بما عارضها من مصاعب جمة، عارضت النظم الإقتصادية العالمية فأوقفتها، لذلك نلتمس لكم العذر على أمل غدٍ أفضل، وذلك أملنا فيكم، وإن الشباب ليطلب منكم التعجيل بالإكتتاب، ولكم الأجر والثواب بعد الإخلاص في العمل.
أما بخصوص التعليم، فقد توالت المسابقات التابعة لهذا المجال، ولكنكم تلعمون كما يعلم الكثير، أن الكثير ممن نجحوا آثروا الرحيل مع نظرائهم، ممن عانوا مرارة التهميش والحرمان، إلى العالم الجديد، وإن بلاغات الوزارة المعنية وإنذارتها الكثيرة، لخير دليل على ذلك، ولنكن منصفين، ولنلتمس العذر للمعلم والأستاذ حين هربا، لأن الأفق ضاق وما لاح فيه أن الغد أجمل من اليوم والأمس، أوليس عليكم النظر إلى الحال المادي للمعلم والأستاذ ومحاولة تحسينه ليحسن السكوت عليه، ويكون هناك مجالا للمقارنة بين البقاء والرحيل، وأن لا يكون الرحيل خياراً أصوب وقرار عمر ،كان يجب اتخاذه من أول يوم استلم الأستاذ او المعلم فيه راتبه، وكذلك الشرطي، وجندي ثاني، والقائمة تطول،وتطول.
سيدي الرئيس: الحلول بين أيديكم، والقرار قراركم، فخلدوا إسمكم كرمز لاينساه التاريخ، فالعمر يمضي، ولا أجمل من الأثر الطيب بقلوب الناس.
إننا نحن مواليد التسعينات والنيف، لنرى الخناق يضيق على نظرائنا من مواليد الثامنينات، وهو ما سيطالنا ذات يوم إن لم تسعفنا يد الأقدار، ولكننا كشباب يسعى ويأمل ويحاول اجتياز العراقيل الكثيرة، في هذا البلد مازلنا حائرين في أمر مشتبه لانصيب الوجه فيه! هل تريدنا الحكومة، أم اختارت المسنين؟!.
هذه الخواطر المختصرة، والتأملات المقتضبة، كتبت بيد شاب محب للبلد ويأمل فيه الغد الأفضل.
خواطر
أما آن أوان الاكتتابِ؟
وقد زيد في عمر الشبابِ
وأصبح البعض منّا كهلا!
لِما كابده من الصعابِ
ولانَ القوي فينا بعدما
أذاقه القعود أصناف العذابِ
وخُضِبتْ أحلامُ الأمسِ يأساً
وعادت الأماني روح من خرابِ
وشوهتْ السنينُ نُبلَ طموحٍ
وكسّر اليأس روح الشبابِ
وأصبح الجموح جموح كهلٍ
دنت منه المنايا بغير حجابِ
