الخطاب والمهرجان / محمد الأمين لحويج

 

لم يعكس النص الذي قدمه منظمو المهرجان الصورة المرجوة، فكانت الكلمة التي ألقاها الرئيس والمادة المقدمة في وادٍ، ورسالة المهرجان في وادٍ آخر.

هذا الموقف أعادني إلى حديث دار بيني وبين أحد الفنانين أو الرسامين الألمان، الذي اشتهر بأعماله المناهضة للعنصرية. كان قد أنجز لوحة كتب فيها:

Ich weiß أمام صورة شخص أبيض.
Ich auch أمام صورة شاب أسمر.

تتلاعب اللوحة بالمعاني؛ فكلمة weiß تعني "الأبيض" كلون، وأيضًا "أعرف" كفعل، فيما تعني عبارة Ich auch "وأنا كذلك".

وقفت أمام اللوحة متأملًا، بينما كان الفنان يراقبني. ثم بادرني بالسؤال: "ماذا قال هذا الأسود للأبيض؟"
أجبته بعفوية: "عفوًا، نحن لا نسمي الأسمر أسودًا؛ فالسواد نطلقه على الجمادات. أما هذا، فنُطلق عليه أخظر."

تفاجأ الفنان وسألني: "وماذا يميزكم عن الآخرين إذن؟"
قلت له: "يميزنا 18 خصلة، وصفها شاعرنا بقوله:
بالعَدالة والبَطَالة … والذّكَاوَه والحَلاوَه
دَوَّخْتْ اجْمِيعْ الرَّجَّالَه .. يَحْمَدْ سَالَمْ مَا تُلاَوَ
فِيكْ اثْمنْطَعشَرْ مَسْلَه..."

ثم أردف بسؤال آخر: "لكن ماذا يميزكم حضاريًا وأنتم شعب بدوي؟"
فأجبته: "نحن نمتلك مدنًا ثابتة مثل شنقيط ووادان، وهي مراكز علمية عريقة، ونمتلك مدنًا متنقلة كـلَفْريگْ، التي تجسد نمط الحياة البدوية. إلى جانب ذلك، نمتلك تراثًا ثقافيًا غنيًا يربط بين الماضي والحاضر، وتقاليد تضمن بقاء قيمنا وأخلاقنا رغم كل التغيرات. نحن شعب يحافظ على ذاكرته، حيث إننا نقلنا ثقافتنا عبر الشعر، المحاضر، والحكايات، وهذا ما حافظ على هويتنا في وجه الزمن."

---

رسالة إلى السيد الرئيس

إن الوحدة الوطنية التي ننشدها لا يمكن أن تتحقق بالكلمات فقط. بل تتطلب بناء أسس متينة تعتمد على:

1. العدل: لضمان أن يشعر كل فرد، بغض النظر عن أصله أو لونه أو طبقته الاجتماعية، بالمساواة أمام القانون.

2. الاقتصاد: من خلال خلق فرص عمل عادلة للجميع، وتعزيز الاستثمار في المناطق الفقيرة والهامشية، لضمان توزيع الثروة بشكل متوازن.

3. الثقافة: نحتاج إلى ثقافة تستند إلى قيمنا الوطنية وتنبض بواقعنا، تجمع بين الأصالة والحداثة، وتعكس التنوع الذي يثري مجتمعنا.

 

إلى جانب ذلك، هناك قضايا أخرى تتطلب معالجة جادة:

محاربة القرار الموازي: وهو الضغوط التي يمارسها المحيط القريب من أصحاب القرار للتأثير على السياسات والقرارات الوطنية، ما يؤدي إلى إضعاف الشفافية وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة.

محاربة الفساد: الذي يمثل العائق الأكبر أمام التنمية والاستقرار. يجب وضع آليات صارمة للمراقبة والمحاسبة، وإرساء ثقافة النزاهة والمسؤولية في كل مستويات الدولة.

إعادة بناء هيبة الدولة: من خلال فرض سيادة القانون، واحترام المؤسسات الوطنية، والعمل على استعادة ثقة المواطنين في النظام الإداري والقانوني.

ما نحتاجه أيضًا هو:

إدارة واعية تقود البلاد نحو التنمية، تضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

قوانين واضحة تنظم سلوك الأفراد والمجتمع، وتضمن الالتزام بها.

الاهتمام بالتعليم لأنه أساس أي نهضة، وتطوير المناهج لتكون أكثر ارتباطًا بسوق العمل وتحديات العصر.

تشجيع الابتكار العلمي، وتوفير بيئة تشجع الشباب على الإبداع بدلًا من الهجرة أو الإحباط.

تعزيز اللامركزية لضمان مشاركة جميع المناطق في صنع القرار، والاستفادة من الموارد المحلية.

كما يجب ألا ننسى أهمية تعزيز الهوية الوطنية، التي تربط بين ماضينا المشرق ومستقبلنا الطموح، وذلك من خلال التركيز على قيمنا المشتركة ونبذ كل ما يفرقنا.

إن تعزيز الوحدة الوطنية يبدأ من الإنسان، فإذا شعر المواطن بالكرامة والعدالة والمساواة، أصبح أداة بناء للوطن بدلًا من أن يكون عبئًا عليه. الوحدة الوطنية ليست شعارًا بل مشروع متكامل يعتمد على الإرادة السياسية، العمل الميداني، والمشاركة المجتمعية الفاعلة.

---

ملاحظة

في اليوم الذي نحيي فيه مدن التراث، نشهد للأسف هدم معلم تاريخي في ولاية إنشيري امْ گْرَيْنْ. وكأن التاريخ يخدم الحدث، حيث يتزامن اليوم الذي نحتفل فيه بالتراث مع هدم هذا المعلم... قمة الغرابة. حماية التراث والمعالم التاريخية ليست مجرد مسؤولية رسمية، بل هي واجب جماعي يضمن بقاء هويتنا الثقافية للأجيال القادمة.

---

تحياتي،
محمد الأمين لحويج

سبت, 14/12/2024 - 19:38