
بسم الله الرحمن الرحيم
على كراسي الجامعة يزرع في عقل طالب القانون عظمة القانون وجبروته وحبّ القسط وجدوائية سيادة هذه القيم باعتبارها هي الأداة الوحيدة لسيادة العدالة والمساواة وحماية الحقوق والحريات والأمن والاستقرار ومن ثمّ جلب الاستثمار ورقي البلدان والتنفير ممّا يقابلها وهو بشاعة الظلم والطغيان ومخاطرهما
انطلاقا من تلك التربية يشرع طالب القانون وهو يافع على كراسي الجامعة في بناء أحلام تتعلق بالمساهمة بشكل فعّال في مجابه الظلم في العالم ونشر العدالة فيه عبر الحكم بالعدل والانصاف عندما يكون قاضيا أو الترافع عن المظلوم إذا كان محاميا
لكن في بلدي عندما يصبح هذا الشاب القانوني قاضيا فبعد 7 أو 8 سنوات من الممارسة سيتأمل وضعه ويخرج بالملاحظات التالية:
1ـ أنّه عالج قضايا تتراوح بين: 10000 و20000 قضية وأنّه على درجة عالية من الشعور بالتعب
2ـ أنّه نتيجة لمقتضيات واجباته المهنية انقطع عن كثير من معارفه وأصدقائه وضحّى بكثير من هواياته فمجرد انتمائه للمهنة يجعله في وضع شبيه بوضع السجين
3ـ أنّه أقلّ احتراما من زملائه الذين اختاروا الأسلاك الأخرى مثل الإداريين المدنيين فلم أسمع مثلا أنّ أحد الولاة أو الحكام فرضت عليه الشرطة دخول مكتبه من باب معين وتعرضت شخصيا عدة مرّات لذلك كان آخرها في السنة الماضية كما أنّ من عين منهم رئيس دائرة إقليمية سيكون أكثر منه امتيازات بل إنّ زميله القاضي المالي أكثر منه امتيازا وأقلّ منه عملا هذا بالإضافة إلى أنّه لا يخشى تحويلا مفاجئا إلى أنبيكت لحواش أو بير أم أكرين أو غيرهما
4ـ أنّ الجهود المضنية التي بذل ويبذل لم ير .....
5ـ أنّه لا يستطيع حتى حماية نفسه من مخالفة القانون فيه فرغم أنّ القانون نصّ على أنّه لا يحوّل إلا لضرورة قاهرة للعمل وباقتراح من زملائه في المجلس تطبيقا لعموم المواد: 89 و90 و91 من الدستور والمادة: 8 من ق ن أ ق فيمكن أن يصبح في نواكشوط ويحوله وزير العدل زوالا إلى أنبيكت لحواش أو بير أم أكرين ... أو يحول باقتراح منه
تأمل مثل هذه الأمور دفع بعض الشباب من زبدة القضاة إلى هجر السلطة القضائية والانتقال منها إلى قطاعات أخرى أتذكر اثنين من أفضل القضاة ولد أمّاه (للأسف لا أعرف اسمه كاملا) وباب بركام حيث ذهبا إلى وزارات أخرى طلبا لأمور لا شكّ أنّ على رأسها الأمور المفقودة في السلطة القضائية والتي على رأسها راحة البال من شبح التحويل ....
آخر المهاجرين من السلطة القضائية كان الأخ الزميل القاضي فاضل الإمام الذي هاجر عبر نجاحه في مسابقة لسلطة حماية البيانات وتمّ تعيينه من طرفها رئيس القطاع القانوني بها لكنّ المفاجأة هي أنّ زملاءه فيها حصلوا على امتيازاتهم ولم يحصل الزميل على شيء فلمّا كلّمهم وافق مجلس السلطة على منحها له لكنّها كانت تغيب أو تغيّب كلّ مرّة عن جدول الأعمال فالقاضي لا يؤبط له هنا وينسى ما يتعلق به
هذه الوقائع خطيرة لأنّها يمكن أن تفسر بأنّها امتداد لإهمال مطالب القضاة والتخلف عن الوفاء بالوعود التي منحت لهم ومخالفة القانون في حقّهم وهي أمور يمكن أن تشي هي الأخرى بأنّ السلطة التنفيذية تريد أن تحطم كبرياء القانون وجبروته وقداسة أهله في أذهانهم وأذهان أهل القانون والعامة
في الأخير أتعاطف مع الأخ العزيز وأرجو أن يسعى الخيرون في هذا البلد إلى حلّ مشكلته بأسرع وقت ممكن وأُذَكِر بأمور منها:
ـ أنّ مخالفة القانون في القضاة يمكن أن تقرأ بأنّها تنبيه للمواطنين بأنّ حرياتهم في مهبّ الريح فإذا ضرب الإمام خاف المؤذن قطعا كما يقولون
ـ استحالة نمو واستقرار دولة لا يحمى قضاؤها من الخوف والطمع والحاجة على حدّ قول Roger Perrot أو لا يحظى بكثير من الاحترام والتقدير