
مرافعة أمام الغرفة الجزائية الجنائية لدى محكمة استئناف نواكشوط (3)
الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
2. غياب أسس المحاكمة العادلة.
... وتعني المحاكمة العادلة - في ظل قوانيننا والقوانين الدولية النافذة في بلادنا- احترامَ وتطبيقَ جملةِ مبادئَ من بينها:
أ. المساواة أمام القضاء.
ب. حق كل فرد عند أي تهمة جزائية توجه إليه، أو في حقوقه والتزاماته، في أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون.
ج. لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته - وعلى قدم المساواة التامة- بالضمانات الدنيا التالية:
- أن يتم إعلامه سريعا - وبالتفصيل، وبلغة يفهمها- بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها،
- أن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه، والاتصال بمحام يختاره بنفسه،
- أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له،
- أن يحاكم حضوريا، وأن يدافع عن نفسه شخصيا أو بواسطة محام من اختياره، وأن تمكنه المحكمة من محام إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لذلك،
- أن يناقش شهودَ الاتهام، بنفسه أو من قِبَل محاميه، وأن يَحصُل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بالشروط ذاتها المطبقة في حالة شهود الاتهام،
- أن لاّ يكره على الشهادة على نفسه والاعتراف بذنبه.
د. لكل شخص أدين بجريمة حقُّ اللجوء - وفقا للقانون- إلى محكمة أعلى تعيد النظر في قرار إدانته وفي العقوبة التي حكم بها عليه.
(دليل حول الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة، ص 29).
فهل توفرت هذه الأسس والضمانات في محاكمات موكلنا الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وفي هذه المحاكمة بالذات؟
كلا مع الأسف الشديد:
* لقد كان أبرز ما في هذه المحاكمات من حيف هو التمييز السلبي الذي ووجه به موكلنا من طرف القضاء، وبصورة خاصة من طرف محكمة الاستئناف التي كان من المفروض أن تتلافى ما أخلت به محكمة الأصل. وليست كلمة "الاقتياد" التي تصرون عليها - سيدي الرئيس- في كل جلسة من جلسات الاستماع لموكلنا، ورفض جميع طلباته دون استثناء، وإباحة انتهاك عِرضه أمامكم للمسيئين، والتمييز ضد محاميه (رفض إعطائهم الكلام أثناء الجلسات، رفض استقبالهم، رفض تسليمهم منطوقات القرارات المتعلقة بموكلهم مدة 20 يوما.. إلخ) إلا نماذج من ذلك التمييز!
* وفي إطار التمييز السلبي الذي تعرض له موكلنا أيضا، لم يحظ بأن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون. ذلك أن المحكمة التي عينت خِصّيصى لمحاكمته بعد استئناف إدانته الجائرة، لم تعامله بإنصاف، ولم تكن جلساتها علنية؛ بل كانت مغلقة من خارج القصر بأوامر "أمنية" فوق القضاء، وليست مختصة بمحاكمته، ولا مستقلة ولا حيادية! ويتجلى بعض ذلك في حبسه ظلما، خرقا للمادة 470 إجراءات جنائية، ورفض خمسة طلبات حرية تقدم بها وفقا للقانون، رغم حالته الصحية الحرجة التي تتطلب رفعه وعلاجه حسب ما تواترت عليه شهادات الأطباء، وقضى أزيد من عشرة (10) أشهر وهو سجين على ذمتها دون محاكمة! ولم يزره خلال تلك المدة أي قاض ولا مدع عام، تماديا في خرق ترتيبات المادة 651 إجراءات جنائية.
* لم يعط من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه، ومنع محاموه من الاتصال به مرارا. وحالت الكاميرات وأجهزة التنصت المسلطة عليه طول الوقت في محبِسه دون إعداد دفاعه إعدادا جيدا عن تشاور. يضاف إلى ذلك أن الوقت الممنوح لدفاعه، دون غيره من جميع السجناء، للاتصال به هو ساعة واحدة يوميا في أيام الدوام، ويجري تفتيشهم الإلكتروني عند الدخول وعند الخروج خلافا للقانون ولما يعامل به غيره من السجناء!
* جرى بعض جلسات المحاكمة في غيابه.
* لم يحصل على الموافقة - لا من محكمة الأصل ولا من محكمة- الاستئناف على استدعاء شهود النفي بالشروط ذاتها المطبقة في حالة شهود الاتهام؛ بل إن محكمتكم الموقرة أصدرت - بعد مماطلة- القرار التمهيدي رقم 01/2025 بتاريخ 19/02/2025 القاضي برفض طلباته الرامية إلى التحقيق في صناديق العملة الصعبة والخمسين (50) سيارة هايليكس المهداة إليه من طرف رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ محمد أحمد، والاستماع إلى شهود النفي، وعرضِ أدلة براءته في القاعة! الشيء الذي لا يتنافى مع المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة فحسب؛ بل ويشكل كذلك خرقا صارخا للمادة 7 من قانون التنظيم القضائي التي تنص على أنه "لا تجوز محاكمة أي شخص ما لم يمكن من تقديم وسائل دفاعه. ويعتبر الدفاع حرا وكذلك اختيار المدافع. للمحامين حرية الدفاع أمام كافة المحاكم. لا يجوز فصل أي أحد عن قضاته الطبيعيين". وللمواد التمهيدية و73، 263، 294، 587 من قانون الإجراءات الجنائية. والقضاء إجراءات!
* وانتهك جميع القوانين المتعلقة بحقوقه في المخاصمة والرد والإحالة، تحصينا للقضاة الذين تم "اختيارهم" - وفق معايير خاصة- للحكم عليه، خلال جميع مراحل الدعوى والتقاضي!
* وها هو ذا اليوم يمثل أمام محكمتكم الأعلى درجة في طور الاستئناف، وكله أمل في أن تصونوا وتطبقوا الدستور وتحكموا بالقانون، فتتخلوا عن القضية لعدم اختصاصكم بنظرها، وإذا رأيتم غير ذلك، أن تعيدوا النظر في قرار إدانته الظالمة، وفي العقوبة التي حكم بها عليه ظلما وعدوانا.
فهل أنتم فاعلون؟!
وهذا غيض من فيض!
في الحلقة القادمة:
المحور الثاني: في الدعوى والبينات، والانقلاب الناعم على النظام!