على هامش مؤتمر طنجة المحاماة… ضمير العدالة وركن الدولة القانونية

 

لم أتمكن من حضور اجتماع طنجة لأسباب خارجة عن إرادتي، غير أنني كنت حاضرًا بالقلب والوجدان، متابعًا لما تردّد من أصداء عبر مختلف الوسائط. وقد لفتني قول المدعي العام إن “المحامي أحد جناحي العدالة”، وهو قول دقيق ينمّ عن فهم سليم لطبيعة الدور الذي نؤديه نحن المحامين، ويؤكد أن المحاماة ليست خصمًا للقضاء، بل شريكًا في إقامة صرح العدالة، وضامنًا أساسياً لتوازنها.

إن المحاماة ليست مهنةً فحسب، بل رسالةٌ أخلاقية، وإنسانية، وقانونية. إنها صوت من لا صوت له، ودرعٌ يُرفع في وجه الظلم، وأداة نبيلة للدفاع عن الحقوق والحريات، وركن أصيل من أركان الدولة القانونية.

وإذا كانت منظومة العدالة تُبنى على أسس متعددة، فإننا في فضائنا الحضاري، نؤمن أن العدالة التي تستمد روحها من الشريعة الإسلامية هي الأعدل والأشمل، لأنها عدالة قائمة على ميزان الإيمان والرحمة، وعلى احترام الإنسان بوصفه مخلوقًا مكرمًا. ومع ذلك، فإننا لا نغلق الأبواب أمام ما أبدعته الحضارة الغربية من نظريات قانونية، وتقنيات إجرائية، ما دامت لا تتعارض مع قيمنا، ولا تصادم شريعتنا، ولا تنسلخ عن واقعنا. فنحن نأخذ من الحضارات الأخرى ما يعزّز تجربتنا، ولا يتنافى مع مرجعيتنا.

في عالم اليوم، حيث تتهدد القيم ويتآكل المعنى، وتعلو لغة القوة فوق منطق القانون، تتضاعف مسؤوليتنا كمحامين: في الدفاع عن جوهر العدالة، لا عن شكلها فقط، وفي حماية الإنسان لا بوصفه طرفًا في دعوى، بل كغاية سامية للتشريع والحق.

ولا شك أن اختلاف وجهات النظر بين المحامين في القضايا المنظورة هو أمر طبيعي، بل صحيّ، ما دام نابعًا من التزام كلٍ منهم بمصالح موكله، في حدود القانون والأخلاق. لكن هذا الاختلاف لا يجب أن يتحول إلى خصومة أو شقاق، فكلنا ننتمي إلى بيت واحد، ونحمل لواءً واحدًا، هو لواء الدفاع عن الحق، وصون الكرامة.

أيها الزملاء والزميلات،
لنجعل من تضامننا قوةً تحفظ للمهنة شرفها، ولنجعل من اختلافنا إثراءً للفكر القانوني، لا مدخلًا للفرقة.
فالمحاماة، في جوهرها، ليست موقعًا نحتله، بل موقفًا نلتزمه، ورسالة نؤديها، وعهداً قطعناه على أنفسنا بأن نكون حيث يكون الحق، لا حيث تميل المصالح.

ذ.بونا الحسن 

جمعة, 16/05/2025 - 12:40

إعلانات