
موانع حالت دون مقالي الأسبوعي ومن حسنات الشاي انه حال بيني والنوم الهادئ،فأعددته ...
حين يُذكر التنوع في موريتانيا، فإنّ أول ما يتبادر إلى الذهن هو فسيفساء فريدة من الأعراق والثقافات واللغات والطبوع، لا تعرفها إلا المجتمعات التي خبرت طويلاً فن التعايش، ونسجت عبر القرون وشائج الانتماء والتكامل، رغم تفاوت الملامح وتعدد الألسن.
وليس أدل على ذلك من أن جميع هذه المكونات – من عرب وزنوج، بيظان وحراطين، فُلان وسوننكي وولوف – اجتمعوا على أرض واحدة، وتشكلت عبرهم هويةٌ وطنية موريتانية لا تُختصر في لون، ولا تختزل في لهجة، بل تمتد من “اظهر” إلى “كوكي”، ومن “وادان” إلى “جكني”، في لوحة فنية ذات طابع خاص.
وموريتانيا، في عمقها الحضاري، ليست مجرد موقع جغرافي، بل هي موقع روحي ومعنوي، امتد إشعاعه لينشر الرسالة في القارة السمراء، ويؤسس لروابط ثقافية وروحية ظلت شاهدة على ريادة هذا البلد في محيطه الإفريقي والإسلامي.
لكن ما كان نعمةً وخزّانًا من القوة الوطنية، تحاول بعض الأصوات أن تجعله نقمة. تنظر إليه بعين الشك، وتجعله سببًا للفرقة بدل أن يكون جسرًا للتلاقي. وذلك خطأ مزدوج: في الرؤية، وفي النيات.
فالتنوع ليس عيبًا يُعتذر عنه، ولا عائقًا أمام التنمية، بل هو ثراء إنساني وثقافي لو أُحسن استثماره لأصبح مصدر إشعاع وطني، وقاطرة لتكامل اقتصادي واجتماعي. وإن تعدد الأعراق لا يعني تنافسًا على الشرعية، بل يعني تضافرًا في حمل المشروع الوطني المشترك.
لقد أثبتت التجارب في العالم أن المجتمعات المتجانسة ثقافيًا ليست بالضرورة أكثر استقرارًا، ولا أكثر عدالة. بينما المجتمعات التي تتبنى تنوعها، وتعترف بكل مكوناتها، وتمنحها مساحة متكافئة في المشاركة، هي المجتمعات التي تزدهر وتؤسس لمستقبل مستدام.
ولنكن صرحاء: إن التحدي الحقيقي ليس في وجود التنوع، بل في كيفية إدارته. وهنا يأتي دور الدولة، والنخبة، ووسائل الإعلام، والمدرسة، والمنظومة التشريعية، في تحويل التنوع من مجرد واقع ديموغرافي إلى ثقافة مواطنة ومشروع اندماج وطني شامل.
إن احترام التنوع لا يعني تكريس الفئوية، بل يعني احترام الإنسان حيث هو، ومن حيث أتى، ما دام يحمل صفة “الموريتاني”. وإن الاعتراف بخصوصيات المكونات لا يعني خلق جزر معزولة داخل الدولة، بل يعني توسيع دائرة الانتماء لتشمل الجميع، دون تمييز .
موريتانيا تحتاج إلى مشروع وطني متجدد، يعترف بالاختلاف، ويضمن الحقوق، ويصنع من التنوع عنوانًا لوحدة لا تنكسر. مشروع لا يرى في التنوع تهديدًا، بل ميزة تنافسية في عالم يحتاج إلى من يحسن التوازن بين الأصالة والانفتاح.
إننا نملك في هذا الوطن كل المقومات لنجعل من تنوعنا لحنًا جميلاً، لا نشازًا. كل ما نحتاجه هو رؤية جامعة، وإرادة مخلصة، وخطاب مسؤول، ووعيٌ بأن موريتانيا لا يمكن أن تكون إلا بكل أبنائها.