
فَرَضَتْ عليَّ مُذكرات معالي الوزير أوسمان مامادو كان، الصادرة حديثا، وأنا أقرأها، التوقف عند فقرات عديدة متأملًا عمقها ودلالتها..
من تلك الفقرات حديثه عن أول ليلة له في نواكشوط، قادما من مسقط رأسه لدخول الإعدادية، وقد زوّده خاله باسم رجل من أبناء عمومته يقيم في مقاطعة لكصر ليضع عنده حقيبته..
أرْشِدَ الفتى بسهولة إلى منزل قريبه، فكان باب المنزل موصدا، وجلس أمامه منتظرا، فحصل موقف عميق كتب عنه معالي الوزير الفقرة التالية: <<كان أول اتصال لي بنواكشوط عشية يوم 11 أكتوبر 1968، وفي وقت متأخر جدا من الليل (بعد التاسعة مساء قطعا) تقدم إليَّ شخص فارع القامة، شرح لي أن الشخص الذي أنتظره غالبا ما يعود إلى المنزل في وقت متأخر جدا، وكجار دعاني للعشاء والراحة في بيته.
شخص لم أكن أعرفه، ولم أكن أتوقعه، بالطبع كان بِضَانِيًّا.
ولفرط كرمه جعلني أتعشى مع أسرته، هكذا أمضيتُ أول ليلة لي في نواكشوط ضيفا مكرما عند شخص غريب بالتأكيد، لكنه كان يجسد قيم الكرم والأخوة التي كانت تميز سكان هذه البقعة.
وبعد بضعة أسابيع عدتُ أدراجي للتواصل مع هذه الأسرة الرائعة، كانت قد رحلت، وقضت ظروف الحياة بأنه لم يكن لي أن أسأل جارهم الذي قادني البحث عنه إلى أن أجلس قبالة المنزل الذي كانوا قد غادروه نهائيا، منذ ذلك الوقت فصاعدا.
ولم يعد بوسع أحد أن يُعَرِّفَني على من أعطاني درسا بمثل ذلك الجمال، في التعايش بين مختلف مكونات هذه البلاد الجميلة التي هي موريتانيا.
ومنذ ذلك الوقت وأنا أحدثُ نفسي كلما قابلتُ بِضَانِيًّا بأنه يمكن أن يكون أحد أعضاء الأسرة التي استقبلتني ذات ذلك المساء من يوم 22 أكتوبر 1968، أول ليلة لي في نواكشوط..>>.. واجبي في خدمة الوطن/ مذكرات أوسمان مامادو كان ـ ترجمة يسلم حمدان ـ منشورات دار جسور عبد العزيز 2025 ـ صفحة 24..
من صفحة القاضي أحمد عبدالله المصطفى