
بسم الله الرحمن الرحيم
المنح القاري المؤقت وأسباب زواله (الحلقة الثانية)
هذا ويشار إلى أنّ النصوص المتعلقة بمنح الأراضي من النصوص الخاضعة للرقابة حسب المادة الأولى من المرسوم رقم: 11/ 89 الصادر بتاريخ: 01 فبراير 1989 الذي يحدد النصوص الخاضعة للرقابة القانونية (22)
المبحث الثاني: أسباب زوال المنح العقاري المؤقت
زوال المنح هو فقد الشخص للحقّ الذي اكتسبه بموجب المنح المؤقت والذي يسمح له بحيازة الأرض بشكل شرعي ويؤهله لاستثمارها بالزراعة والبناء ... وسبقت الإشارة إلى أنّ سياسة منح الأراضي في موريتانيا تستهدف الاستثمار وتحثّ عليه ومن ذلك جعل معظم النصوص القانونية التي صدرت قبيل الاستقلال وحتى يومنا هذا ترتب على عدم الاستثمار ومخالفة بعض الشروط الأخرى زوال المنح وسيتم تقسيم المبحث إلى مطلبين يتناول أولهما أسباب زوال المنح الريفي المؤقت في ظلّ القانون رقم: 60/ 139 والأمر القانوني رقم: 83/ 127 ومراسيم تطبيقهما بينما يخصّص الثاني لأسباب زوال المنح الحضري المؤقت في القانونين ومراسيم تطبيقهما
المطلب الأول: أسباب زوال المنح الريفي المؤقت في ظلّ القانون رقم: 60/ 139 والأمر القانوني رقم: 83/ 127 ومراسيم تطبيقهما
سبقت محاولة تعريف زوال المنح أعلاه ويشار هنا إلى تشابه أسباب زوال المنح الريفي في كلّ من القانونين وسيتم تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين تتعرض أولاهما لأسباب زوال المنح الريفي المؤقت في ظلّ القانون رقم: 60/ 139 ومرسوم تطبيه رقم: 151/ 60 بينما تتناول الثانية أسباب زواله في ظلّ الأمر القانوني رقم: 83/ 127 ومراسيم تطبيقه
الفقرة الأولى: أسباب زوال المنح الريفي المؤقت في ظلّ القانون رقم: 60/ 139 ومراسيم تطبيقه
نصّت المادة: 11 من المرسوم رقم: 151/ 60 على أنّ الممنوح له منحا ريفيا يفقد منحه لأسباب من أهمّها:
ـ عدم الاستثمار في الأجل
ـ عدم دفع الأقساط المستحقة
ـ التنازل عن الاقطاع أو تأجيره دون الحصول على ترخيص يسمح بذلك من السلطة المختصة ويشار إلى أنّ هذه الحالة الأخيرة يكون فيها فقدان الإقطاع بشكل تلقائي حسب المرسوم أعلاه
الفقرة الثانية: أسباب زوال المنح الريفي في ظلّ الأمر القانوني رقم: 83/ 127 ومراسيم تطبيقه
تضمنت المادة: 12 من الأمر القانوني رقم: 83/ 127 أنّ رخصة المنح الممنوحة للمستفيد لن تكون نهائية ولن تقتضي بملكية محلّها ما لم يتمّ استثماره وفقا للشروط وجاء في المادة: 33 من المرسوم رقم: 009/ 84 أنّ عدم الاستثمار في الأجل يؤدي إلى زوال المنح وذات المقتضيات تضمنتها المادتان: 33 و34 من المرسوم رقم: 020/ 90 تقريبا غير أنّ الأخيرة نصّت على وجوب الانذار في كلّ الأحوال ونصت المادة: 73 من المرسوم رقم: 89/ 2000 على شمول (الالتزام السابق على الاقطاع الريفي المؤقت على بنود فاسخة تضمن وفاء صاحب الاقطاع المؤقت بواجبات الاستغلال خلال الأجل المنصوص في المادة: 57 ) والأجل المحدد بالمادة: 57 هو 5 سنوات وجاء في المادة: 85 من ذات المرسوم أنّ التنازل غير المأذون فيه عن الاقتطاع يؤدي إلى الزوال التلقائي للمنح ويشار إلى أنّ المقتضيات الواردة في المادتين: 53 و73 من المرسوم رقم: 89/ 2000 تضمنتها المادتان: 53 و73 من المرسوم رقم: 080/ 2010 حيث جاء في المادة الأخيرة أنّ الاقطاع الريفي يمنح لمدة (خمس سنوات ويجب أن لا تنقضي هذه المدة قبل أن يتمّ استغلال الأرض وإلا نزعت من صاحبها وامتنع عليه الحصول على اقطاع نهائي) ممّا يعني أنّ أهمّ أسباب زوال المنح الريفي المؤقت في ظلّ الأمر القانوني رقم: 83/ 127 ومراسيم تطبيقه هي:
1ـ عدم الاحياء في الأجل المحدّد بخمس سنوات حسب المادة: 57 من المرسوم رقم: 080/ 2010
2 ـ تغيير وجهة استخدام الاقطاع الريفي بدون إذن من السلطة الذي يؤدي إلى فقد المنح الريفي بشكل تلقائي حسب نصّ المادة: 81 من ذات المرسوم رقم: 080/ 2010 (23)
3 ـ التنازل غير المرخص حسب المواد: 33 من المرسوم رقم: 009/ 84 و34 من المرسوم رقم: 020/ 90 و86 من المرسوم رقم: 080/ 2010
ويشار إلى أنّ إلغاء المنح الريفي المؤقت يحدث عبر مرسوم أو مقرّر حسب المادة: 87 من ذات المرسوم وذلك تبعا للسلطة التي منحت ويمكن الطعن فيه أمام اللجان العقارية والمحاكم المختصة انطلاقا من ذات المادة ويكون عادة مسبوقا بتحقيق وإنذار خاصة إذا كان سبب الانتزاع عدم الاستغلال أو عدم كفايته حسب نصّ المادة: 84 من ذات المرسوم أمّا الانتزاع بسبب التنازل عن الاقطاع أو تغيير وجهته بدون إذن من السلطة المختصة فلا يتطلب أي إجراء ويحدث بشكل تلقائي (23) هذا ويشار إلى الأمور التالية:
ـ أنّ المادة: 78 من المرسوم: 89/ 2000 تنصّ على أنّ الاقطاع الريفي لا يمنح إلا لشخص طبيعي أو شخص معنوي جنسيته موريتانية ويشار إلى أنّ هذه المقتضيات تضمنتها ذات المادة من المرسوم رقم: 080/ 2010
ـ أنّ المادة: 79 من المرسوم رقم: 080/ 2010 ومن سابقه نصّت على وجوب أن تكون كلّ وثيقة من وثائق الاقطاع الريفي المؤقت أو النهائي مطابقة للمسطرة الواردة فيه وذلك تحت طائلة البطلان المطلق وأنّه لا يمكن لحائز وثائق غير مطابقة أن يحتج بأيّ مسوغ لصلاحيتها وذات المقتضيات وردت في المادة ذاتها من المرسوم رقم: 080/ 2010 ويشار إلى أنّ البطلان المطلق تثيره المحكمة من تلقاء ذاتها
ـ أنّ المادة: 118 من المرسوم رقم: 080/ 2010 نصّت على أنّ التسوية العقارية تنطبق عليها إجراءات المنح الريفي المؤقت
المطلب الثاني: أسباب زوال المنح الحضري المؤقت في ظلّ القانون رقم: 60/ 139 والأمر القانوني رقم: 83/ 127 ومراسيم تطبيقهما
للمنح الحضري أساب للزوال مشابهة لأسباب زوال المنح الريفي وسيتم التعرض في فقرة أولى لأسباب زواله في ظلّ القانون رقم: 60/ 139 ومراسيم تطبيقه بينما تخصّص فقرة ثانية لهذه الأسباب في ظلّ الأمر القانوني رقم: 83/ 127 ومراسيم تطبيقه
الفقرة الأولى: أسباب زوال المنح الحضري المؤقت في ظلّ القانون رقم: 60/ 139 ومراسيم تطبيقه
تنصّ مراسيم تطبيق القانون رقم: 60/ 139 على عدّة أسباب لزوال المنح الحضري منها:
1ـ عدم الاستثمار في الأجل: نصّت المادة: 39 من المرسوم رقم: 151/ 60 على أن مجرد عدم الاستثمار يؤدي إلى فقد المنح ونصت المادة: 40 منه على وجوب وضع سياج خلال 6 أشهر من منح الرخصة وتنظيف محلّ المنح بشكل ينسجم مع مقتضيات نظم الصحة والنظافة وجاء في المادة: 42 من المرسوم رقم: 147/ 65 الصادر بتاريخ: 08 أكتوبر 1965 المعدل له أنّ عدم التسييج خلال 6 أشهر وعدم الاستثمار خلال سنتين يؤدي كلّ منهما إلى زوال المنح بشكل تلقائي
2 ـ التنازل غير المرخص من طرف السلطة المختصة: نصّت المادة: 25 من المرسوم رقم: 147/ 65 على أنّ رخص المنح شخصية ولا يمكن بيعها أو هبتها أو تحويلها بدون إذن بذلك وأنّ التنازل بدون إذن يترتب عليه زوال المنح وبشكل مباشر
الفقرة الثانية: أسباب زوال المنح الحضري في ظلّ الأمر القانوني رقم: 83/ 127 ومراسيم تطبيقه
لا تختلف أسباب زوال المنح الحضري المؤقت في ظلّ الأمر القانوني رقم: 83/ 127 ومراسيم تطبيقه كثيرا عن اسباب زواله في ظلّ سابقه والتي من أهمّها:
ـ عدم الاستثمار في الأجل: حيث رتبت المادة: 65 من المرسوم رقم: 009/ 84 الصادر بتاريخ: 19 يناير 1984 المطبق للأمر القانوني رقم: 83/ 127 زوال المنح بشكل تلقائي la déchéance d'office على عدم التسييج خلال سنتين والاستثمار خلال 5 سنوات كما نصّت المواد: 52 و61 من المرسوم رقم: 020/ 90 على أنّ المنح يكون لاغيا لتلك الأسباب وكذلك الفقرة الثانية من المادة: 147 والثالثة من المادة: 156 من المرسوم رقم: 89/ 2000 حيث جاء فيهما أنّ عدم الاستثمار في الأجل يستتبعه الانتزاع التلقائي للإقطاع la déchéance d'office وجاءت ذات العبارات في ذات الفقرة من المادة: 139 من المرسوم رقم: 080/ 2010 الذي يلغيه وربما يكون المقصود باستتباع الانتزاع في المرسومين الأخيرين الزوال التلقائي للمنح خاصة في ضوء النصّ الفرنسي الذي لم تتغير عباراته في هذا المجال منذ المرسوم رقم: 147/ 65 وحثّ المشرع على الاعمار واستهدافه له
ـ التنازل عن الاقطاع الحضري المؤقت دون ترخيص: جاء في المواد: 59 من المرسوم رقم: 009/ 84 والمادة: 53 من المرسوم رقم: 020/ 90 و148 من المرسوم رقم: 89/ 2000 أنّ أثر التنازل عن الاقطاع الحضري المؤقت دون ترخيص هو الانتزاع التلقائي
هذا ويشار إلى أنّ هذه المقتضيات ألغيت لأول مرة حسب علمي المتواضع جدّا بالمادة: 132 من المرسوم رقم: 080/ 2010 التي نصّت على أنّ الاقتطاعات الممنوحة في المناطق السكنية أو التجارية أو المخصصة للصناعة التقليدية تكون شخصية ويجوز بيعها وهبتها وتحويلها شريطة حصول ذلك عبر توثيق ممّا يعني أنّ الانتزاع التلقائي لم يعد متربا على بيع الاقطاعات الحضرية لأنّ بيعها لم يعد ممنوعا وبالتالي صار جائزا في ظلّ المرسوم رقم: 080/ 2010 .....
انطلاقا ممّا سبق يمكن القول بأنّ موريتانيا شرعت في تنظيم اقطاع الأراضي مبكرا لأنّ بعض النصوص المتعلقة به سابقة على استقلالها وأنّ هذه النصوص كانت لا بأس بها من ناحية الجودة والوضوح خاصة القانون رقم: 60/ 139 ومراسيم تطبيقه تماما مثل مراسيم تطبيق الأمر القانوني رقم: 83/ 127 (24) وأنّها كانت تعتمد في ذلك سياسة واضحة تعتمد التشجيع على العمل على الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية وبناء وتوفر السكن في البلد وجعله هو والقطع الأرضية في متناول الجميع وإعادة توزيع الأراضي بشكل عادل بين المواطنين غير أنّ هذه السياسة تمّ التراجع عنها بسرعة عبر تجسيد تطبيق هذه النصوص من طرف الإدارة في المجال الحضري على الأقل فبعد أن كانت الأرض تمنح لمن سيستثمر فيها بالبناء ولا يعطى منها له إلا قطعة أو اثنتين وبشرط استثمارها في أجل قريب من تاريخ منحها تحت طائلة الفقد التلقائي للمنح أصبحت الإدارة تعطى للشخص قطع عدة لا ليسكنها بل ليبيعها لمن يحتكرها عارية كما أنّ القضاء بدوره لعب أدوارا حاسمة في إجهاض تطلعات المشرع في هذا المجال بحيث شجّع هو الآخر اكتناز القطع الأرضة عارية بقرارات لا أعلم لها سندا من القانون مثل القرار رقم: 18/ 2007 الصادر بتاريخ: 26/ 10/ 2007 خاصة في ضوء تطبيقه من طرف محاكم الأصل ممّا دفع إلى أمور خطيرة منها:
ـ ارتفاع تكلفة الإيجار
ـ ارتفاع أسعار القطع الأرضية والمنازل وإيجارها بحيث أصبحت خارج تناول أيدي كبار الموظفين الشرفاء فمن لم تمنح له الدولة قطعة من هؤلاء في هذه الأماكن لن يستطيع شراءها ما لم يكن ورث ثروة من أهله هذا بالإضافة إلى أنّ من لم تمنحه سكنا منهم يصعب عليه الحصول عليه في بعض أحياء العاصمة حتى مثل الحيّ الشعبي الذي أسكن فيه
ـ تشويه المدين وجعل معظم أحيائها تفتقر لمظاهر المدنية بحيث أصبحت المباني الراقية في تفرغ زينة تتعانق مع أكواخ احتل أصحابها قطعا شاغرة بعيد قدومهم من الريف (25) ومن الغريب أنّ بعض هذه القطع غير المبنية مملوكة لرجال أعمال لا يعوزهم ما يبنونها به هذه بالإضافة إلى أنّ خلو القطع من البناء داخل الأحياء المبنية في أحياء أخرى من العاصمة ومدن في الداخل أدى إلى انتشار احتلال بعض هذه القطع من طرف أصحاب ورشات إصلاح السيارات ممّا جعل معظم أحياء العاصمة وبعض المدن في الداخل مزعجة هذا بالإضافة إلى أنّ بعض هذه القطع حول إلى مكبات للنفايات
وفي الأخير أرجو أن تلفت هذه الأسطر انتباه السلطات العمومية والقضائية إلى نتائج تنفيذها للقوانين العقارية وطرح أسئلة حول مدى انسجام ما تقوم به من تنفيذ وتطبيق لهذه القوانين مع هذه النصوص وروحها والصالح العام وتوجهات المشرع حين وضعه لها وأن تدفع المتخصصين إلى بحث هذا الموضوع بشكل أكثر علمية ورصانة
ـ أهمّ الإحالات:
22 ـ منشور في عدد الجريدة الرسمية رقم: 728ـ 729
23 ـ يتمّ الحديث كثيرا عن تحويل اقطاعات ريفية مؤقتة إلى اقطاعات حضرية بدون ترخيص
24ـ يعتبر كثير من القضاة الأمر القانوني رقم: 83/ 127 غير واضح وعلى كلّ حال فإنّ مراسيم تطبيقه خاصة الأخيرة كانت جيدة وبينت ما يدعى أنّه غامض منه لكن ما ينقص حقيقة هو تكثيف التكوين المستمر على القوانين العقارية وسبل تطبيقها بشكل جيد وإحياء مبادئ المكافأة والمحاسبة هذا مع الاشادة إلى أنّ وزارة العدل نظّمت تكوينات في هذا المجال لكنها لم تكن كافية
25 ـ ربما يطرح إخلاء هؤلاء من القطع التي يحتلون مشاكل في المستقبل بشكل مشابه للمشاكل التي طرح إخلاء قطعة أرض في تاريخ سابق بل يمكن أن يطرح إخلاؤهم منها مشاكل قانونية ذلك أنّه إذا كان عدم الاستثمار في الأجل يؤدي إلى الفقد التلقائي للحقوق المترتبة على المنح فإنّ صاحب المنح السابق لن تكون له الصفة في طلب الاخلاء