
لكل قطاع من مقاطعة تيارت خصوصيته ونزاعاته التي يتفرد بها عن غيره من القطاعات، وأنا هنا لا أتحدث عن ملف معين ولا عن وقائع معينة وإنما أتحدث عن مشكل حقيقي وفعلي أطرح من خلاله للنقاش، مشكل النزاعات العقارية لما للعقارات من قيمة وأهمية، وذلك دفعا للمخاطر المحدقة بها وبمجالها، ومحاولة لنقاش المشكل سعيا لإيجاد الحلول المناسبة.
سأتناول في البداية قطاع I-5، لأن وزارة العقارات وأملاك الدولة والإصلاح العقاري أصدرت بالأمس بيانا حوله، ثم سأتناول في وقت لاحق باقي قطاعات المقاطعة كقطاعات: I-4 EXT، و LIAISON H8 SOCOGIM DB و O1 إلىO6 وقطاعاتها أخرى.
ولمن لا يعرف قطاع I-5، فهو أحد أحدث القطاعات بمقاطعة تيارت، والتي ظهرت مؤخرا على المخطط المعتمد، يتضمن القطاع أزيد من 850 قطعة، أصدرت فيه قرابة 100 رخصة حيازة فقط، صدر أغلبها بين سنتي 2014 و2015، تم تأسيس هذه الرخص على رسائل تعويض ومخالصات، وباقي القطع التي تمثل 90 % من القطاع لا يمتلك أصحابها رخص حيازة إنما تتوزع الوثائق التي يحوز أغلبهم بين: رسائل التعويض وأوصال المخالصة، ورسائل التعويض، وإفادات رفع اليد، أغلب الحائزين لهذه القطع لديهم أصول الوثائق لكنها وصلت إليهم بطريقة مشبوهة، أغلب رسائل التعويض صدرت رغم أن القطع التي عوضت بها لم تصادر ولا زالت مثبتة في الأحياء القديمة التي يفترض أن أصحاب رسائل التعويض الجديدة منحت لهم بديلا عن هذه القطع، وهو نتاج عمل لجنة تسوية النزاعات العقارية، التي اختفت وترك أرشيفها في مهب الرياح.
تم إنشاء هذا القطاع للتعويض عن القطع التي صودرت أو انصهرت بفعل تداخل المخططات أو أدعي أنها صودرت، وأغلب هذه القطع المعوض عنها تقع في قطاعات K8 و K8.EXT و C.5 و C5.EXT، وL5 وL5.SUITE، و I-4EXT، و C6، وقد تضمن قطاع I-5 عدة تجاوزات منها:
- تساهل المصالح المعنية في وزارة الإسكان ووزارة العقارات (المستحدثة)، بخصوص الاحتلال غير المشروع للقطع الموجودة في هذا القطاع، عن طريق السماح للخواص بالبناء والاستثمار.
- تساهل المصالح المعنية بإدارة العقارات، أيضا بحفظ وضبط الأرشيف حيث تم تسريب بعض الوثائق المتعلقة بهذا القطاع خصوصا صور من رسائل المنح (كما اختفت ملفات أصلية بكاملها...).
- تساهل وتواطؤ لجنة تسوية النزاعات من خلال التعويض عن قطع أرضية لم تتم مصادرتها أصلا ولا زالت في المخططات الأصلية لها.
- تساهل وتواطؤ لجنة تسوية النزاعات من خلال عدم حفظ أرشيف التعويض، الذي مكن من التصرف في الأرشيف، وبيع أصول الوثائق بطرق غير شرعية.
مفارقة أخرى في قطاع I-5 هي أن أغلب رسائل المنح التي لا يملك أصحابها غير صور منها تم إعداد عقود بيع لها غير سليمة تضمنت في أغلبها عبارات (صرح، وباع)، دون أن تتضمن عبارة (حضر أمامنا)، كما أن عقود البيع هذه لا تتضمن الأرقام الوطنية للبائعين.
أغلب هذه الوثائق سربت من أرشيف لجنة تسوية النزاعات العقارية وكذا من أرشيف إدارة العقارات، كما أن أغلب رسائل التعويض الموجودة مزورة ومحاكية للرسائل الصحيحة.
مؤخرا قامت وزارة العقارات المستحدثة بمحاولة لتسوية وضعية هذا الحي لكن دون جدوى فلم تقم بالإحصاء الدقيق المطلوب وعمدت إلى هدم بعض الأبنية رغم أن السبب في وجود ها هو الإهمال الحاصل من قبل مصالح الوزارة ومصالح وزارة الإسكان، وأي عملية إحصاء دقيقة وفعلية ستؤكد أن أغلب قطع هذا الحي لم يتم منحها بشكل فعلي، وحتى التي تم منحها في إطار التعويض تم بطريقة غير سليمة وعوضت بقطع لم تصادر ولم تختف بفعل تداخل المخططات، كما أن بعض القطع التي عوضت ليست داخلة في مجال التعويض، كل تلك الخروقات تمت بفعل عمل لجنة تسوية النزاعات العقارية.
بالأمس أصدرت وزارة العقارات وأملاك الدولة والإصلاح العقاري بيانا، تضمن استئناف العمليات العقارية في قطاع I-5، وهي بداية لمشاكل جديدة ستظهر، منها:
- المنح المزدوج: ستصدر وزارة العقارات رخص حيازة ـ مؤمنة ـ لكنها ستشكل منحا مزدوجا جديدا في ظل وثائق منح سابقة عليها لن يتم إلغاؤها.
- اعتماد الوثائق المزورة: أغلب رسائل التعويض المسربة من أرشيف الإدارة محاكية للوثائق الأصلية واعتمادها وإصدار رخص حيازة على أساسها سيخلق نزاعات جديدة.
- تشريع الاحتلال بالبناء: اعتمدت الوزارة سياسة التعويض عن القطع الأرضية التي تم البناء فيها بما يشبه تشريع الاحتلال، رغم أن بعض هذه القطع منحت من قبل، وستقوم الوزارة بتسوية وضعيتها لمحتليها بالبناء، مما سيخلق نزاعا بين المالك الجديد والقديم.
- اعتماد عقود البيع غير الرسمية: أغلب العقود "العرفية" لا تمثل الشكل القانوني السليم المتعلق ببيع العقار، واعتماد هذه العقود سواء كانت بيعا أو تنازلا أو نحوهما، وإصدار الوثائق الرسمية على أساسها تأسيس على باطل.
كتبه بتاريخ:01/07/2025
الشيخ محمد سيدها
إذا متى نتوجه لتحقيق أمن عقاري فعلي، يستعيد عقارات الدولة بشكل صحيح ويمنحها بشكل منصف لجميع المواطنين؟