متلازمة مونشهاوزن السياسية بالوكالة: حين يفتعلون أزمات للدولة ليظهروا أنهم منقذوها الطيب ولد سالم

 

في علم النفس، تعرف متلازمة مونشهاوزن بالوكالة (Münchhausen by proxy) بأنها اضطراب نفسي يقوم فيه شخص بإلحاق الأذى بغيره، أو افتعال أعراض مرضية لديه، ثم يسارع لطلب النجدة وإظهار نفسه كمنقذ بطولي، بغرض لفت الانتباه والحصول على التعاطف.
تذكرتُ هذه المتلازمة الغريبة وأنا أطالع ما يكتبه بعض المدونين و الصحفيين الهواة ممن لا يزالون يعيشون خارج سياق العقل والواقع، وهم يروّجون عبر منصاتهم لمزاعم لا أساس لها عن استعداد الدولة الموريتانية لإعادة علاقاتها مع الكيان الصهيوني، في مشهد يعكس رغبة مَرَضية في استدعاء العواطف من العدم.
هؤلاء لا يكتفون بالتحذير أو التحليل، بل يصنعون المرض السياسي ثم يشنّون الحملة الوقائية، ليظهروا في النهاية بمظهر المناضل الجسور و المدافع المقدام عن قضايا الأمة، بينما لا شيء في الواقع يشير إلى ما يزعمونه.

تضليل مقصود بإسم مناهضة التطبيع

من السهل اليوم أن تلوّح بفلسطين لتثير العواطف، لكن من غير الأخلاقي أن تُقحمها في مزايدات داخلية، لمجرد تسجيل نقاط سياسية أو حشد متابعين. الدفاع عن فلسطين لا يكون عبر اختلاق التطبيع، بل عبر مواقف مسؤولة ومبادرات صادقة.
هؤلاء يهاجمون تطبيعًا لم يحدث، ويعارضون قرارات لم تُتخذ، ويواجهون سياسات لا وجود لها أصلاً. وفي نهاية المطاف، يتحولون إلى أبطال روايتهم الخاصة، التي نسجوا خيوطها بأنفسهم ثم صدّقوها.

الواقع اليوم مختلف تمامًا

اليوم، تختلف موريتانيا عن الأمس. الحكومة الحالية لا علاقة لها بملف الإرث الإنساني، ولا تحمل أوزار قرارات قديمة اتخذت في لحظات اضطراب إقليمي أو ضغط خارجي. الحرب في الخليج انتهت منذ أكثر من ثلاثين سنة، والبلاد تسعى بهدوء لتعزيز صداقاتها الإقليمية، دون عداءات مفتعلة أو ارتهانات مجانية.
المؤشرات الاقتصادية، رغم التحديات العالمية، مشجعة. اللحمة الوطنية في أفضل حالاتها، والمعارضة السياسية في وضع أقرب إلى الانقراض منها إلى الفعل. أما الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فمعروف بتروّيه ورفضه للمغامرة، ولم تصدر عنه أية إشارة - لا تصريحًا ولا تلميحًا - توحي بتوجه نحو علاقات مع الكيان الصهيوني.

خطاب مسموم و عقول معطلة

الخطير في خطاب مونشهاوزن السياسي ليس فقط أنه مبني على الوهم، بل لأنه يُفرغ النقاش العام من الجدية. يتحول الرأي العام إلى فريسة سهلة للإشاعات، وتُزرع الشكوك في كل ما يصدر عن الدولة، ويُجبر الناس على التفاعل مع قضايا وهمية على حساب قضاياهم الحقيقية: التعليم، الصحة، البطالة، الأمن الغذائي.….إلخ

مثل هذا الخطاب لا ينتج وعيًا، بل سمًّا ناعمًا يضعف مناعة المجتمع أمام التحديات الحقيقية. بل إن بعض هؤلاء يتمنى فعلاً أن تقع الكارثة، فقط ليُقال إنه كان أول من حذّر.

نحن بحاجة إلى صحافة مسؤولة، لا إلى هلع مفتعل. نحتاج إلى معارضة تقف على أرض الواقع، لا إلى من يسكنون في رؤوسهم فقط. أما أصحاب متلازمة مونشهاوزن السياسية، فنقول لهم: العقلاء لا يعالجون السرطان بالمسرحيات، ولا يبنون الرأي العام على الأوهام.
انتظروا، سترون.
‏Wait and see

جمعة, 11/07/2025 - 10:00