إلي تجار الكراهية و عنصريي موريتانيا الحديثة، و إلي الْيدِ المشبوهة الْغَريبَةِ، الغبية، الغَرْبٍيَّةِ، التي تلوح في الأفق خلفهم، أَودُّ أنْ أقول... أولا، منذ و متى كانت الأمم المتحدة مهتمةً "بحقوق الإنسان" حتى تقدم جوائزها ؟ غرِيبة و غبية و غرْبية هي، فلسفة " حقوق الإنسان " هذه،
التي تكون فيها "الحقوق" أكثر أهمية من الحياة المقدسة ! كيف لمشكلة كرامة – علي أهميتها القصوى - أن تكون أكثر إلحاحا من إنقاذ الأرواح التي يلاحقها الموت في كل لحظة، كما هو الحال في أماكن متعددة من العالم و العالم الإسلامي خاصة و فلسطين علي وجه التحديد. لو كان حقا المقصود من هذه الجوائز – كما يدَّعون- هي حقوق الإنسان ولو كانت معاييرهم عند أدني حد مقبول من الموضوعية و الشفافية، لما نالها غيرُ المظلومين الفلسطينيين الذين ليس لديهم سوى صدورهم العارية لمواجهة طائرات ومدرعات الفصل العنصري الصهيوني! غريبة و غبية و غربية هي، فلسفة " حقوق الإنسان " هذه، حيث تصبح المساواة بين الجنسين، مع خلفية الدفاع عن الشذوذ الجنسي و اللواط و الانحلال الخلقي بشتى وجباته، أكثر استعجالا و تجيشا للمشاعر الإنسانية من وقف محيطات الدم و الدموع التي تنزف في العالم وتغرق شلالاتُها شاشاتِ كل تلفاز، في كل بيت، و مع مطلع كل يوم! آه... ! منذ متى كانت هذه العصا الامبريالية ، مهتمة بحقوق الإنسان.... ! ألم تعط الضوء الأخضر لتدمير دولٍ ذات سيادة و أعضاء فيها، مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن و ساحل العاج، ومالي، و حدث بلا حرج...... ؟ ألم تعط الضوء الأخضر لخنق و محاصرة وتجويع شعوب العراق و سوريا وليبيا والسودان و إيران، و فنزويلا و كوبا ، الخ؟ من ذا الذي دمر العراق دولة و شعبا و بنًي تحتية و فوقية و اقتصادا و قتل الشهيد البطل الرئيس صدام رحمه الله بذريعة البحث عن أسلحة نووية ، أين هذه الأسلحة! ! ! لماذا دمر العراق؟ الجواب : أمن إسرائيل " حقوق الإنسان " كلمة حق أريد بها باطل (أمن إسرائيل) . أمن إسرائيل، وجه العملة الصليبية الآخر مع فلسفتها الحقوقية ألا إنسانية، و الذي باسمه، دُمرت صوامعٌ و بلدان مثل العراق وسوريا. و باسمه، ألجمت الأمم المتحدة ذراعها المسلح " حقوق الإنسان " و ألزمته صمتا مخزيا في كل من فلسطين ومصر! فليخرس إلي الأبد... و لأجله، اخترع الصليبيون الجدد وَهْمَ "الإرهاب"، من ناحية ، يوفر لهم أسواقا لبيع أسلحتهم و ذريعة للتدخل في بلدان الإسلام و نهب ثرواتها، و على الجانب الآخر و هو الأهم من الناحية الإستراتيجية، يحول الصراع من دائرته الصحيحة مسلم - غربي إلي اقتتال داخلي بين المسلمين، داخل القطر الواحد، بل و حتى، بين عناصر الأسرة الواحدة... و بما أن إسرائيل ليست راضية عن الحكومة الموريتانية الحالية، و بما أن السفير الصهيوني في الأمم المتحدة كان َنشطا أكثر من العادة، هذه الأشهر الأخيرة، فلا يستبعد أبدا أن يكون أمن إسرائيل قد ألقي بظلاله علي تسمية الفائزين بجوائز 2013. إذاً، تنكشف، و تتضح ملامح إستراتيجية الغرب في موريتانيا الإسلام، الغنية و لكن الهشة، تتضح الصورة كلها كوضوح البدر في الليلة الظلماء... هم يريدون نهب خيرات البلد و ليس عندهم أحسن من بوابة - فرق تسد - في مجتمع غاية في التناقض كموريتانيا، و لهذا الغرض يجندون عمالة "وطنية" و يوظفون "حقوق الإنسان" كما استعملوها من قبلُ في العراق و في غير العراق، كسلم للتسلل إلي البلد و كأداةٍ لتخويف و ابتزاز السلطة و الضغط عليها لإشباع رغباتهم من المصالح وملئ بطونهم التي لا يملؤها إلا الصعيد من ثروتنا و من جبين عرقنا.... هم، من خلال هذه الجائزة، أرادوا مكافأة العنف و تقديمَه كنموذج و كقدوة لشبابنا المناضل ومن خلال هذه المناورات يسعون إلي تحفيز التطرف الموريتاني آملين أن تثير ردود الفعل نعارات يحولونها بواسطة تكنولوجيا هندسة الشر و الإعلام وفوضاهما الخلاقة كما يسمونها - التي أحرقت الأخضر و اليابس في ربوع الأمة الإسلامية – يحولونها إذاً، إلي توترات عرقية أو طائفية، ثم تُكمل صناعتهم للموت بقية المهمة القذرة، عندئذٍ لم يبق للحرب الأهلية و لدوامة العنف التي تفرزها إلا أن تطلق رصاصتها الأولي .... إذاً،لا قدر الله، لو حدثت الحرب الأهلية كما يسعي إليها العاملُ الخارجي، مستخدمًا و مستهلكا فيها العميلَ الداخلي كذخيرة، كل بلد أجنبي سيكون علي طاولة مائدتنا، وسوف يفعل ما بوسعه ليحصلَ علي أكبر نصيب من كعكتنا الوطنية ، الغنية والمتنوعة، و لهذا الغرض، سيُجندُ و يمول ويجهز و يسلح ميليشيا محلية موالية له. لقد شاهدنا الكارثة في مالي، و بما أن موريتانيا أكثر ثراءً وتنوعا من حيث أهمية و تشابك المصالح الأجنبية، اقتصاديةً كانت أو جيوستراتجية أو سياسية، فمن المرجح، بل من المؤكد، أن دوي الانفجارات وحجم الدمار الناتج عنها سيكون أقوى و أشد زلزلةً و ستكون المعركة أحمي وطيسا. و علي دعاة الحرب و باعة الأحقاد و المآسي، أن يدركوا جيدا، أن الأسلحة عندما تتكلمُ، فَمِنْ سُنتِها ألا تخرسَ بعد ذلك، وأن السفينةَ الوطنية التي تُقِلنا جميعا، عندما تغرق، وَاهِمٌ منا من يظن أنه ناج منها، سنغرق معها جميعًا في حمام دم لا أحد يمكنه إيقافه. لا دولةَ، و لا قانون، و لا حقوق، إلا الدم و الدموعُ، إلا الغزوُ الأجنبي الغاشم، إلا التفجيرات والخراب و الدمار و النار و العار، كما حذرَ من ذلك جامعي عراقي شهيرٌ: " في الحرب الأهلية، لا يوجد رابحٌ علي الإطلاق، إما أن تكون - في أحسن الأحوال - خاسرًا جيدا وإلا فأنت – مثل الجميع - خاسرٌ سيئ". أنا لا أرى في هذا المشهد الجهنمي، ماذا ستستفيد ضحايا العبودية التي يدعي إفكاً بعضُ المتطرفين الدفاعَ عن حقوقها، والذين، من خلال الدراسات و الافتراض، هم – كلا أو جلا - من الفقراء والضعفاءِ غير قادرين علي تحمل تكاليف اللجوء إلى الخارج! علي العكس من ذلك، هناك مَنْ بسعته الهروب إلى الخارج، تمامًا كما هو الحال لبعض المتطرفين العنصريين الجبانين الذين أَشْعَلوُا الفتنةَ وأطلقوا الشرارة و لا أحد يماري في أنهم سيلوذون بالفرار عند أول وهلةٍ، و في أول فرصة، و أسرع من أي رصاصةٍ، لأنهم مثل أسيادهم الغربيين – أشد الناس حرصا علي الحياة – علي أدني حياة - وسيهرعون بحثا عن حياة الترف و البذخ، التي اعتادوها منذُ وضعت البقرةُ الحلوب "حقوق الإنسان" عجلها الذهبي "العبودية في موريتانيا"،و منذُ أنْ تنكرَ الغربُ لتاريخه الاستعبادي الذي سيلاحقه حتمًا، و قرر- تبرئةً لنفسه و توبةَ نفاقٍ لذاته و كبشَ فداءٍ لِمَا تبقي له من ضمير إنساني إِنْ كان له أصلاً – أَنْ تصبحَ مآسينا سلعتَهم الغاليةَ و تجارتهم الرابحة التي يُنشطون بواسطتها أسواقَهم الكاسدةَ و يُحلون بها نوافذَهم العارضةَ لحقوقهم ألا إنسانية. فتعسًا لهم و لْيخسَئُوا جميعًا. ثانيا، العبودية في موريتانيا، آثارًا و ممارساتٍ، هي مشكلة خطيرة جدا من حيث صلتها بما هو أعز عند الإنسان، ألا وهو كرامته، فمن غير الأخلاقي- مطلقا – بل إنه لا إنساني، استغلالها سياسيا. من أراد منا حطامَ السياسة فليحتطب لها بغير المتاجرة بالبشر. ثالثا، هذه المشكلة ، مع الأسف ،عانت و تعاني منها جميع المجموعات الوطنية، علينا، إن كنا نرغب حقيقة في اقتلاع هذا الشر بكل جذوره، أن نكون منصفين و عادلين مع التاريخ، إنه من نزغ شيطان العنصرية التركيزُ على مكونٍ وطني واحدٍ لبشرته أو للونه ، كما لو كان مذنبا لوحده ، وكأنَّ البلد لم يكن مستعمرةً لعقود مظلمة وكأن المستعمر لم يمارس هذه الظاهرة السيئة بكل فظاعتها، بالله عليكم كيف أتوا ملايينُ سود فرنسا و همْ منْ يُعرف اليوم بفرنسيي الْجُزر أو ما وراء البحار..... وكأنَّ الغربَ المقدمَ للدروس "الأخلاقية" وجوائزَ "حقوق الإنسان"، لم يكن في يوم من أيام الدنيا مُسيِّرًا لأسواقِ الرقيق التي أشبع من خلالها كلا من أمريكا و أوروبا رقيقا...... و كأن الإقطاعية الأفريقية لم تبع بني جلدتها لأول قادم وبأقلَّ مَرَّتينِ من لا شيء.... رابعا، أيُّ حل نهائي لهذه المشكلة الاجتماعية لا يمكن إلا أن يكون من صُنْعِ جميعِ الموريتانيين، دون استثناء، وليس إملاءً من الأمم المتحدة، نحن وحدنا هم القادرون علي تغيير ما بأنفسِنا و علي تحويل مجتمعنا إلي الأفضل... كأيِّ واعظٍ، يجب أن يكون الناشط المناهض للعبودية وطنيا، و حكيما ، و لطيفا بالناس، و داعيا للسلام و المحبة، وإنسانيا. في خطبته ، عليه أن يكون مقنعا لا مكرها، مرغبا لا منفرا، مبشرا لا منذرا، مُطَمْئِنًا لا مخوفا، مؤكدا لا داحضا بأنَّ استئصال العبودية هو المصلحة الوطنية العليا عينُها، و أنها لصالح كل موريتانيا وليست ضد جزء منها. خامسا، إنَّ حل هذه المعضلة لا يكون إلا بتصريف الفعل الوطني حصريا في الحاضر أو المستقبل، مع إغلاٍق تام و نهائي لصفحة الماضي، من دون هواجس أو ندم، هذه هي روح الإسلام، بل هي أيضا المصلحة الوطنية العليا. الكفاح من أجل الحرية والمساواة، كما أسس لذلك الرمز الراحل، نيلسون مانديلا، يجب دائما أن يرافقه سخاء القلب، وهو المغفرة والمصالحة الوطنية. فعلي العنصريين المتطرفين أن يقرءوا جيدا مسيرة نضال الشعوب و يتدبروا فلسفة اللَّا عُنف ويستفيدوا من التجربة الثرية لهذا القائد الكبير، الذي يزعمون زورا و بهتانا أنهم علي دربه و أنه قدوة لهم. سادسا، أخيرا و ليس آخرا، و هو الأهم. هناك هذا المكسب الوطني الذي لا يقاس و الذي من أجله ناضلنا جميعا، أعني هذه الترسانة القانونية الرادعة و القامعة لاستعباد الناس، هنا يكمن بيت القصيد، فإن دور الإدارة، أكثر من أي وقت مضي، بات حاسما و ضروريا. لم يعد التسويف مقبولا، و لم يبق من الوقت إلا ما يجب استغلاله للقضاء علي هذا السرطان الذي يأكل من دمائنا و في لحومنا و ينهش أعراضنا و يفرق بين قلوبنا و حتى بين المرء و زوجه و أخيه وأمه و بنيه... علي الدولة من جهة، أن تكسر عنق العنصرية و التطرف و تضربهما بيد من حديد لتحمي الديمقراطية و المجتمع معًا من جرائمهما – و ليس خطابهما ببعيد عن انتشار و زيادة و تنوع و تطور الجريمة فظاعة ً و بشاعة و تنظيما. و من الجهة الأخرى، و في نفس الوقت، أضحي لزاما عليها أن تُفعلَ و تطبق قانون مكافحة الرق دون تهاون، و بكل صرامة و دون أي ظرف من الظروف المخففة. كما يجب عليها انتهاج سياسة التمييز الايجابي لصالح الشرائح المهمشة، فضلا عن تسخير الأموال و وكالة التضامن و صناديق الادخار للقضاء علي الظاهرة، ممارساتٍ و آثارًا، و لردم الهوة بين الإخوة. ذلك ما يمليه الدين، والوطن و العقل و السلم و الأمن الاجتماعين. وفي النهاية، علي دعاة الحرب و باعة الأحقاد و المآسي، أن يدركوا جيدا، أن كل قطرةِ دمِ مسلمٍ تسيلُ علي هذه الأرض الطاهرة، ستُسجلُ علي ناصية مَنْ شارك فيها و لو بشطرِ كلمةٍ (اقْ..تُ..لْ)، لِيُبْعثَ يوم الدين، اليومَ المشهودَ، و قدْ كُتِبَ علي جبينه – نعوذ بالله – آَئِسٌ من رحمة الله، ناهيك عن لعنة منْ أيقظ الفتنةَ و منْ تولاهم (الكفرة الفجرة) فهو منهم و العياذ بالله...... أسألُ الله سبحانه تعالى العلي القدير أنْ يُجَنبَ هذا البلد و هذا الشعب المسلم، والكريم، و البريء، و الأعزل و المغلوب علي أمره، كل هذه الويلات والمصائب وجميع الفظائع التي يُخَططُ لها عُقْبَ ليلٍ، عَامِلٌ خارجي وَ حَمَلُة ُ حقائبِه من عنصريي و متطرفي موريتانيا المعاصرة. أَلمْ يأل لهؤلاء الذين امتهنوا تسويقَ المآسِي و الأحزانَ و باعُوا ذِمَمَهمْ و ضمائرهم و هويتهم، و بلادهم، و فرطوا في دينهم، من أجل - فقط- فتات هذه الفانية، أن يعودوا إلي رُشدِهمْ و يبادروا إلي التوبة النصوح قبل الأجل المكتوب. نعم لاستئصال سرطان العبودية نهائيا من بلادنا، لكن لا للعنصرية و لا للتطرف
بقلم محمد أحمد ولد باب أحمد باحث وكاتب